الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

إثيوبيا في عهد أبيي... حرية الصحافة تزدهر ثم يعود الخوف

المصدر: رويترز
لاجئون اثيوبيون فروا من الصراع في تيغراي تجمعوا بعد غروب الشمس في حميدية شرق السودان (23 آذار 2021، أ ب).
لاجئون اثيوبيون فروا من الصراع في تيغراي تجمعوا بعد غروب الشمس في حميدية شرق السودان (23 آذار 2021، أ ب).
A+ A-
 عندما تولى رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد السلطة عام 2018 وأطلق سراح عشرات الصحافيين من السجون ضمن حزمة من الإصلاحات السياسية، سارع الصحافي ديسو دولا في العودة من هولندا.

يقول ديسو (45 عاما) الذي يعمل الآن نائبا لرئيس تحرير موقع إخباري محلي، إنه فر من القمع في عام 2004. في البداية استمتع بالحريات الجديدة في عهد أبيي الذي نال استحسانا عالميا وحصل على جائزة نوبل للسلام في 2019 التي أبرزت جهوده في "إنهاء الرقابة على وسائل الإعلام".

وبعد ثلاث سنوات، قال ديسو وأربعة صحافيين إثيوبيين آخرين قابلتهم رويترز إن الخوف من الاعتقال يساورهم من جديد. وذكرت منظمات دولية تتابع عمل وسائل الإعلام أن ما لا يقل عن 21 من الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام اعتقلوا منذ أوائل 2020.

وأُلقي القبض على ديسو العام الماضي وهو يعد تقريرا عن اعتقال ناشط سياسي في منطقة أوروميا المضطربة، مسقط رأسه. ولم توجه السلطات أي تهم إليه هو واثنين من زملائه لكنهم احتجزوا لمدة ثلاثة أشهر.

قال ديسو لرويترز عبر الهاتف من أديس أبابا: "ظننت أنه سيكون عصرا مختلفا ربما تعود فيه الديموقراطية وحرية التعبير، لكن الأمور تتدهور في الواقع، ولهذا فر كثير من الصحافيين من البلد وبعضهم في السجن الآن".

وقال موثوكي مومو، ممثل لجنة حماية الصحافيين في إفريقيا جنوب الصحراء: "للأسف عادت إثيوبيا للانضمام إلى قائمة أكثر الدول سجنا للصحافيين في إفريقيا جنوب الصحراء".

وقالت بيلين سيوم المتحدثة باسم رئيس الوزراء إن ظروف عمل الصحافيين تحسنت.

وأضافت: "منذ تولي رئيس الوزراء أبيي أحمد منصبه أصبح مناخ الإعلام والصحافة مواتيا تماما"، مشيرة إلى إصدار تراخيص لأربع وأربعين محطة بث جديدة وسن قانون جديد للإعلام هذا العام.

وقالت إنه يجب على الصحافيين الامتثال للقانون كما هو الحال في كل دول العالم. وأردفت: "الوضع ليس مثاليا، لكن لا يمكن القول إن ديموقراطية وليدة مثل إثيوبيا تتراجع".

وحينما سُئلت عن حالات فردية مثل ديسو، أحالت الأسئلة على الادعاء العام والشرطة الاتحادية وهيئة الإعلام الإثيوبية التي تعتمد الصحافيين.

ولم يرد المتحدث باسم المدعي العام أو الشرطة الاتحادية على طلبات التعليق. وقالت هيئة الإعلام: "حرية التعبير وحماية الصحافة قيم مقدسة يكفلها الدستور الإثيوبي".

وقدم رئيس الهيئة محمد إدريس لرويترز ترجمة إنكليزية لقانون الإعلام الجديد الذي وافق عليه البرلمان في فبراير شباط ودخل حيز التنفيذ في نيسان.

ويكفل القانون استقلال هيئة الإعلام، باعتبارها الجهة المنظمة للعمل الصحافي، وينص بالتفصيل على الأسس التي تستند إليها في سحب تراخيص خدمات البث. وينص أيضا على عدم إجبار الصحافيين على الكشف عن مصادرهم.

اعتقالات وقتل
تحدثت جماعات دولية معنية بحرية الصحافة، وكذلك لجنة حماية الصحافيين ومنظمة مراسلون بلا حدود، عن القبض على ستة صحافيين على الأقل في تشرين الثاني عندما اندلع قتال بين قوات أبيي وزعماء متمردين في تيغراي بشمال البلاد.

كان من بين هؤلاء ميديهان إيكوباميشيل الصحافي في موقع أديس ستاندرد الإخباري المستقل الذي يصدر باللغة الإنكليزية، وثلاثة صحافيين من وكالة الأنباء الإثيوبية المملوكة للدولة. ولم يرد ثلاثة منهم على طلبات التعليق فيما رفض الرابع التعقيب.

وأفاد موقع أديس ستاندرد أن الشرطة اتهمت ميديهان بمحاولة "تعطيل الدستور من خلال العنف". وأطلق سراحه بعد أكثر من شهر دون توجيه اتهامات له.

فيما اتُهم الثلاثة الآخرون بالتآمر مع جماعات تقاتل الحكومة ومحاولة تعطيل الدستور. واحتجزتهم السلطات لما بين خمسة وثمانية أسابيع قبل الإفراج عنهم.

وفي كانون الأول، احتُجز مصور رويترز كوميرا جميشو لمدة 12 يوما من دون إبداء الأسباب. وأُطلق سراحه من دون توجيه اتهامات.

ولم توجه السلطات أي تهمة لأي من الصحافيين المعتقلين منذ العام الماضي. وأفرجت عنهم جميعا باستثناء واحد بعد أيام أو شهور من السجن.

طرد صحافي إيرلندي
في أوائل آذار، ألغت هيئة الإعلام أوراق اعتماد الصحافي الإيرلندي سايمون ماركس الذي أعد تقريرا عن الاغتصاب وانتهاكات حقوق الإنسان من تيغراي لصحيفة نيويورك تايمز.

وأعلنت الصحيفة عن سحب أوراق اعتماد ماركس في أيار. وحثت الحكومة على إعادة النظر فيما وصفته "بالنهج الاستبدادي". وبعد أسبوع طردت الحكومة ماركس الذي كان يعمل مع مطبوعات أخرى قائلة إنه نشر "تقارير غير متوازنة".

وقال ماركس لرويترز إنه لم يحصل على مبرر وجيه لسحب أوراق اعتماده أو تفسير ترحيله السريع.

وقُتل صحافيان بالرصاص هذا العام.

فقد قتل مسلح مجهول الصحافي داويت كيبيدي أرايا الذي كان يعمل في تلفزيون تيغراي الحكومي، في مقلي عاصمة المنطقة في كانون الثاني.

وقال مسؤول أمني لرويترز إن الصحافي سيساي فيدا من شبكة أوروميا للبث المملوكة للدولة قُتل هذا الشهر في إقليم أوروميا.

ولم يرد رئيس حكومة تيغراي الجديد ولا المتحدث باسم حكومة إقليم أوروميا على المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي تطلب الحصول على تعقيب.

وظلت الحكومة لعدة أشهر بعد اندلاع الصراع تقيد الوصول إلى إقليم تيغراي. لكنها خففت القيود في آذار.

وتقول الحكومة إن هذه الإجراءات لا تستهدف سوى من يهددون السلام والوحدة، وتتهم بعض الصحافيين بالتواطؤ مع المتمردين دون أن تقدم معلومات محددة.

وقالت هيئة الإعلام "نتوقع تغطية إخبارية مهنية ترقى إلى معايير الأخلاقيات الصحافية"، مشيرة إلى إصدار تصاريح عمل لنحو 129 مراسلا أجنبيا والسماح لنحو 82 صحافيا أجنبيا بالوصول إلى تيغراي.

رياح تغيير؟
بعد وصوله إلى السلطة أفرج أبيي في البداية عن عشرات الصحافيين ورفع الحظر عن أكثر من 250 وسيلة إعلامية، وألغى بعض قوانين الإعلام التي كانت محل انتقادات واسعة، حسبما قال المعهد الدولي للصحافة، وهو شبكة عالمية من رؤساء التحرير والصحافيين والمسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام.

ووجدت دراسة أجريت عام 2020 بتكليف من معهد فوجو للإعلام في جامعة لينيوس السويدية وإنترناشونال ميديا سابورت، وهي مؤسسة دنمركية للدفاع عن وسائل الإعلام لا تستهدف الربح، أن القوانين القديمة لم يتم استبدالها بإطار تنظيمي واضح لممارسة العمل الإعلامي مما أدى لفراغ قانوني بشأن قضايا مثل كيفية السماح لشركات الإعلام الجديدة بالعمل.

وأضافت المؤسستان، اللتان ساعدتا في صياغة قانون الإعلام الجديد في إثيوبيا، أن القانون كان خطوة واعدة لأنه استند بالأساس إلى التشريعات "الأكثر تماسكا ورصانة" في إفريقيا مثل تلك المعمول بها في كينيا وجنوب إفريقيا.

غير أنه قبل إقرار تشريع آخر بشأن خطاب الكراهية والمعلومات المضللة في أوائل عام 2020، حذر المقرر الخاص المعني بحرية التعبير في الأمم المتحدة من أن القانون يمكن أن يفاقم التوترات العرقية وربما يؤجج المزيد من العنف.
 
وقال المقرر إن القانون قد يُستغل لإسكات المعارضة وقد يؤدي إلى اعتقالات تعسفية لأنه يمنح المسؤولين على المستويين الاتحادي والإقليمي سلطة تقديرية واسعة لتحديد الذين تتم مقاضاتهم. ومع ذلك أيد معظم أعضاء البرلمان التشريع.

يقول أبيبي جوديبو الذي صوت لصالح القانون عند إقراره: "أصبحت إثيوبيا ضحية للمعلومات المضللة... البلد يتميز بالتنوع وهذا القانون سيساعد على تحقيق التوازن بين تلك التنوعات".

وسائل الإعلام تعكس الانقسامات الوطنية
كانت إثيوبيا واحدة من أكثر دول العالم قمعا لوسائل الإعلام قبل انتخاب أبيي عام 2018 حسبما تقول بعض هيئات الرقابة الإعلامية.

فقد اعتقلت السلطات في عهد كل من هايلي ماريام ديسالين وملس زيناوي، اللذين سبقا أبيي في حكم البلاد، عشرات الآلاف بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، بينهم مراسلون ومدونون. وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش، ومقرها نيويورك، إن 60 صحافيا على الأقل فروا إلى الخارج بين 2010 و2018.

ودافع دانييل بيكيلي، رئيس لجنة حقوق الإنسان التي عينتها الدولة في إثيوبيا، وهو نفسه سجين سياسي سابق، عن الصحافيين. لكنه قال أيضا إن وسائل الإعلام تعكس الانقسامات وفي بعض الأحيان تفاقمها.

وقال لرويترز: "ليس من المستغرب أن يكون للإعلام تحيز أيديولوجي. لكن في ظروفنا الصعبة نحتاج إلى وسائل إعلام تتحلى بقدر أكبر من المسؤولية لتقديم حقائق دقيقة وتحليلات منصفة ولتعزيز العدالة الاجتماعية والتعايش السلمي".

وقال ديسو إنه قُبض عليه في آذار من العام الماضي هو ومراسل آخر وسائقهما بعد تغطية اعتقال ناشط سياسي من الأورومو.

ولم يرد مفوض شرطة أوروميا على طلب للتعليق على قضية ديسو.

وتم احتجاز ديسو وزميله والسائق قرابة ثلاثة أشهر من دون توجيه اتهامات على الرغم من صدور أوامر قضائية بالإفراج عنهم، حسبما قال هو ولجنة حماية الصحافيين ومقرها نيويورك. ولم تراجع رويترز تلك الأوامر.

ويتجنب ديسو الآن العمل خارج الاستوديو الخاص به في أديس أبابا، خوفا من الاعتقال مجددا. وقال إن بعض الصحافيين الذين يعرفهم يمارسون رقابة ذاتية أو يسعون مجددا لمغادرة البلاد.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم