الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لماذا لا يزال اليمين المتطرف قوياً شرقيّ ألمانيا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
مناصرون لحزب "البديل لأجل ألمانيا" في إحدى الحملات الانتخابية، (أرشيف) - "أ ف ب"
مناصرون لحزب "البديل لأجل ألمانيا" في إحدى الحملات الانتخابية، (أرشيف) - "أ ف ب"
A+ A-

تغادر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الساحة السياسية وحزبها (الاتحاد الديموقراطي المسيحي) يعاني من أكبر خسارة تاريخية له على الإطلاق. في الواقع، كانت الخسارة أكبر من تلك التي مني بها في الانتخابات الماضية (2017) حين فاز بأصوات 33 بالمئة من الألمان. التراجع الذي تبيّنه النتائج الرسمية الأولية يفوق 8 بالمئة من الأصوات وهو بالتأكيد ليس أفضل طريقة لتوديع ميركل بعد 16 عاماً من الحكم.

من بين النتائج اللافتة للنظر أنّه وعلى الرغم من الخسارة التي مني بها الحزب اليمينيّ المتطرف "البديل لأجل ألمانيا" على الصعيد الوطنيّ (ومعه اليسار المتطرّف "دي لينكه")، لا يزال يتمتّع بشعبية كبيرة في شرق ألمانيا تفوق شعبيّة "الاتحاد الديموقراطي المسيحيّ" وقد حلّ ثانياً بعد "الحزب الديموقراطي الاجتماعيّ" الذي خرج فائزاً أيضاً على المستوى الوطني (25.7 بالمئة). مع العلم أنّ فوزه لا يعني حكماً تمكّن مرشّحه أولاف شولتز من تشكيل الحكومة المقبلة. إذاً لماذا لا يزال "البديل" يتمتّع بهذه الشعبية في شرق البلاد؟ وهل من ترابط بين هذه النتيجة وخصوصيّة معيّنة تتمتّع بها هذه المنطقة؟

 

تأثّر بدكتاتورية الاتحاد السوفياتي؟

بحسب النتائج غير النهائية، حتى في شرق ألمانيا، سجّل "البديل" تراجعاً طفيفاً عن انتخابات 2017: 19.1 بالمئة مقابل 21.9 بالمئة. لكنّ الفارق الكبير في النتائج الذي يحققها الحزب بين شرق وسائر البلاد هو نفسه تقريباً (10 بالمئة). منذ شهرين، وفي مقال لـ"فورين بوليسي" تحت عنوان "شرق ألمانيا لا يزال دولة قائمة بذاتها"، استشهدت الصحافية المقيمة في برلين إميلي شولثيس بما قاله مفوّض الحكومة الألمانية الخاص بشرق البلاد ماركو فاندرفيتز حين سئل عن الأداء القوي لحزب "البديل". أجاب حينها بأنّ هؤلاء الأشخاص "لم يصلوا إلى الديموقراطية، حتى بعد 30 عاماً" على سقوط الاتحاد السوفياتي، مشيراً إلى أنّ قسماً قليلاً من هؤلاء الناخبين "بالإمكان استرداده" لصالح الأحزاب السائدة. لكن أن يكون خُمس الناخبين في شرق البلاد لم يستطيعوا الخروج من حالة الديكتاتورية يطرح علامات استفهام كثيرة عن نتائج محاولات الاندماج طوال فترة ثلاثة عقود – هذا إن صحّ كلام فاندرفيتز.

بالنظر إلى مقاربات أخرى، يبدو كلام المفوّض تبسيطيّاً. على سبيل المثال، أعاد فريديريك غولدنر في مجلة "عيون على أوروبا" هذه الظاهرة إلى الاختلاف الاقتصادي-الاجتماعيّ بين شرق البلاد وغربها. يشير غولدنر إلى شعور الشرقيّين بأنّهم ألحِقوا بالغربيّين لا بأنّهم توحّدوا معهم. فبعد إعادة التوحيد، ارتفعت نسبة البطالة في الشرق حتى بين المتمتّعين بالكفاءات، وانهارت شركات عدّة أو اندمجت في أخرى غربية، ممّا "عزّز تصوّر أنّ رأسماليين جشعين كانوا يستغلون الشرق ويبتلعون شركات أمكن أن تواصل الإنتاجيّة".

بحسب غولدنر، تحسّن الوضع قليلاً فقط بمرور الوقت. قبل 20 عاماً، كانت البطالة في الشرق أعلى بـ10 بالمئة من معدّلها في الغرب قبل أن تنخفض إلى 2 بالمئة (2020) كما أنّ معدّل معاشات التقاعد في الشرق أعلى منه في الغرب. لكنّ معظم الإنتاج متركّز في الشطر الغربي، مع 464 من أصل أكبر 500 شركة مقرّها في غرب ألمانيا (2016). وليس أوضح في هذا الإطار من عدم تجانس التمثيل الاجتماعيّ/السياسيّ سوى هذا المثل: 4 بالمئة من أعلى المناصب الاقتصادية والقضائية والسياسية يديرها ألمان شرقيّون بالرغم من تمثيلهم 15 بالمئة من نسبة السكان (2019). لهذا السبب، يقدّم "البديل" نفسه كبديل عن النخب التي تخلّت عن الألمان الشرقيين.

 

"جدار نفسيّ"

يبدو أنّ التصويت المستمرّ لصالح "البديل" ما هو إلّا إشارة جزئيّة على استمرار وجود "جدار نفسيّ" بين الشرق والغرب، بحسب تقرير عرضته "النهار" بمناسبة مرور 30 عاماً على سقوط جدار برلين. حينها أشارت الأستاذة المشاركة في مادة التاريخ والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن هوب هاريسون في حديث خاص للموقع إلى وجود شعور لدى بعض من الشرق بأنّهم "يُعامَلون كمواطنين من الدرجة الثانية".

إذاً، لا يتعلّق الموضوع فقط بغياب قدرة بعض ناخبي "البديل" على تقبّل الديموقراطية. صحيح أنّ كثيراً من مناصري الحزب لا يحملون القيم الليبيرالية ويستخدمون شعارات نازيّة ويهاجمون اللاجئين، على اعتبار أنّ كبار السنّ عاشوا في ظلّ الديكتاتوريّة وغياب التنوّع في ألمانيا الشرقيّة. لكنّ قسماً آخر سبق أن صوّت في السابق لليسار المتطرّف بحسب غولدنر. لا شكّ في أنّ الانتقال من ضفّة متطرّفة إلى ضفّة مقابلة لها على مستوى التطرّف هو دليل إلى وجود خيار اعتراضيّ على ما بات يصطلح مؤخّراً على تسميته بالنخب الحاكمة. في الوقت نفسه، ثمّة مفارقات لا يمكن تخطّيها بسهولة.

 

نقطة سلبية بحقّ إرثها

بعد استمرار أنجيلا ميركل المتحدّرة من شرق المانيا لعقدين من الزمن في الحكم، سيظل التساؤل مُثاراً عن سبب عدم تمكّنها من ردم الهوّة النفسيّة، بل عن سبب احتلال حزبها المركز الثالث في تلك المنطقة. في ما يمكن أن يشكّل ردّ فعل على سياستها، يرى مراقبون أنّ قولها "لا بديل" عن سياسات التقشّف الماليّ هو الذي أوحى للحزب اليمينيّ المتطرّف باسمه.  

الظاهرة الأخرى المحتملة التي لن يكون بالإمكان تجاهلها أيضاً لو تحقّقت هي جذب "البديل" لنسبة كبيرة من الشباب. هذا ما حصل في الانتخابات المحلية شهرَ حزيران الماضي في ولاية ساكسونيا-أنهالت (شرق) التي خرج فيها "البديل" فائزاً بين الشباب دون الثلاثين من العمر. علماً أنّ "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" فاز على المستوى العام. بحسب تقرير لشبكة "دويتشه فيله" الألمانية، استخدم "البديل" آنذاك تكتيكات ناجحة مثل التواصل الشخصيّ في الأيام الأخيرة من الحملة مع الشبان، واستغلال غضبهم من قيود "كورونا"، وتراجع نوادي الشباب في الولاية، كما اقتطاع لافتات مرشّحي الأحزاب التقليدية ووضعها في إطار جديد مع تعليق: "كان لديكم 30 عاماً (لتحقيق برنامجكم)". 

لو احتفظ الحزب اليمينيّ المتطرّف بجزء واسع من الناخبين الشباب فمعنى ذلك، إضافة إلى كونه ضربة إضافيّة لنظريّة تعايش كبار السن مع الديكتاتورية، أنّه باقٍ لفترة طويلة في شرق البلاد بصرف النظر عن نتائجه في سائر أنحائها. إنّها إحدى النقاط السلبيّة في إرث ميركل.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم