الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حمّام دم في مطار كابول وتوعّد أميركي بالردّ... بايدن يتحمّل "المسؤولية كاملة" (صور)

المصدر: "النهار"
مأساة كابول المتجدّدة (أ ف ب).
مأساة كابول المتجدّدة (أ ف ب).
A+ A-
لم تبرح كابول تُصارع الواقع للتأقلم مع سقوطها السريع والسهل في أيدي "طالبان" حتى سادت "حالة من الهلع" في صفوف الأفغان المحتشدين قرب مطار كابول الذي استُهدف بانفجارين، بعد ساعات على تحذير دول غربية من وجود مخاطر عالية بوقوع هجوم تبنّاه "تنظيم الدولة الإسلامية" في وقت لاحق ولاقى ردّات فعل أميركية ودولية أبرزها هجوم الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب المبطّن على إدارة خلفه جو بايدن وقرار الانسحاب من أفغانستان على وجه التحديد، معتبراً التفجير "مأساة ما كان ينبغي أبداً السماح بحدوثها، ما يجعل حزننا أعمق وأصعب على الفهم"، فيما شدّدت بريطانيا بلسان وزير خارجيتها على أنّها لن تسمح للأعمال الإرهابية بوقف الإجلاء من أفغانستان.
 
(أ ف ب)
 
عند غروب الشمس، سُمع دوي انفجارين في العاصمة الأفغانية. وقال المتحدث باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد لوكالة "فرانس برس" إنّ الانفجارين اللذين وقعا قرب مطار كابول أسفرا عن سقوط 13 إلى 20 قتيلاً و52 جريحاً، في وقت نقلت "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) عن مسؤول صحّي تأكيده مقتل 60 شخصاً على الأقل وإصابة 140، وذكر مسؤولان أميركيّان لوكالة "أسوشيتد برس" أنّ ما لا يقلّ عن 12 عنصراً من القوات الأميركية قضوا في التفجير، بينهم 11 عنصراً من مشاة البحرية ومسعف واحد في البحرية، و"الحصيلة مرشّحة للارتفاع بالنظر إلى عدد المصابين"، وهو ما حدث بالفعل مع وفاة عنصر جديد في ساعة متقدّمة.
 
من جانبه، توعّد بايدن منفّذي الهجوم الانتحاري بأنّ الولايات المتحدة "ستطاردهم"، مؤكّداً تحمّله "المسؤولية كاملة" لما حدث للقوات الأميركية وتمسّكه بقرار الانسحاب من أفغانستان.

وفي خطاب ألقاه في البيت الأبيض ووصف فيه جنود بلاده الذين قتلوا في هذا التفجير بأنّهم "أبطال"، قال بايدن لمنفّذي الهجوم: "لن نسامح. لن ننسى. سنطاردكم ونجعلكم تدفعون الثمن".

وأشار بايدن إلى أنّ أجهزة الاستخبارات توقّعت هجوماً مماثلاً في كابول، "فيما الوضع الميداني في أفغانستان متقلّب"، مشيداً بـ"عملية إجلاء غير مسبوقة" نفّذتها القوات الأميركية "شملت أكثر من 100 ألف مواطن أميركي وأفغاني".

من جهة أخرى، قال الرئيس الديموقراطي إنّ الاستخبارات الأميركية أكّدت أنّ الهجوم على مطار كابول نفّذه "تنظيم الدولة الإسلامية- ولاية خراسان"، مضيفاً: "منفّذو الهجوم يعرفون أنّنا لا نغفر ولا ننسى وسنلاحقهم حتى يدفعوا الثمن".

وأكّد بايدن أنّ "الهجمات الإرهابية لن تثني القوات الأميركية عن متابعة عملية الإجلاء"، مشيراً إلى أنّ واشنطن ستخطّط لتوجيه ضربة لـ"الدولة الإسلامية" في الوقت المناسب. وأضاف: "قواتنا ستردّ بقوة وحزم على هجوم مطار كابول".

وتابع: "مهمّتنا في أفغانستان غير عادية ومحفوفة بالمخاطر من هنا كان إصرارنا على وضع مدّة محدّدة لإنجازها". وأشار إلى أنه أمر القادة العسكريين باتخاذ "أقصى الخطوات الضرورية" لحماية القوات في كابول، مضيفاً: "لا أستبعد إرسال قوات إضافية إذا تطلّب الأمر".

واعتبر بايدن أنه من مصلحة "طالبان" عدم تمدّد "تنظيم الدولة الإسلامية" في أفغانستان، مضيفاً: "أبلغنا (طالبان) بضرورة زيادة التدقيق الأمني في محيط مطار كابول".
 
 
"الدولة الإسلامية" تتبنّى وواشنطن تتوعّد
أكّد "تنظيم الدولة الإسلامية" عبر وكالة "أعماق" أنّ "مقاتلاً (من الدولة الإسلامية) تمكّن من الوصول إلى مسافة لا تزيد عن خمسة أمتار من القوات الأميركية (...) ومن ثمّ فجّر حزامه الناسف وسطهم".
 
من جانبه، توعّد قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي "تنظيم الدولة الإسلامية" بالردّ على الهجوم قائلاً: "نعمل بجهد كبير لنحدّد مَن المسؤول ومَن الأشخاص المرتبطين بهذا الهجوم الجبان ونحن مستعدون للتحرك ضده"، مضيفاً أنّ القوات الأميركية "جاهزة ومستعدة لمواجهة" أي هجمات أخرى لـ"الدولة الإسلامية".
 
(أ ف ب)

في الجانب الآخر، أكّد ماكنزي أنّ "الجسر الجوي سيستمرّ رغم الهجوم"، موضحاً أنّ قوّات واشنطن تواصل تنفيذ مهمتها الأولى، "وهي إخراج أكبر عدد من الأشخاص من أفغانستان"، مضيفاً أنّ "تنظيم الدولة الإسلامية" لن يثنيها عن إنجاز هذه المهمة"، مشيراً إلى أنّ الولايات المتحدة تتوقع "أن يواصل" التنظيم شنّ هجمات في كابول.
 
قبل أيام من الموعد النهائي الذي حدّده بايدن في 31 آب لسحب القوات الأجنبية من أفغانستان واستكمال إجلاء الأشخاص الذين يريدون المغادرة بعدما سقطت في أيدي "طالبان"، كان آلاف الراغبين في المغادرة لا يزالون محتشدين الخميس قرب المطار. وتجاهلوا التحذيرات الغربية التي صدرت قبل يوم وأشارت إلى تهديدات موثوقة بوقوع عمليات انتحارية حول المطار، حيث نظم الغرب جسراً جوياً ضخماً منذ استيلاء "طالبان" المفاجئ على السلطة في منتصف الشهر الحالي.
 
أظهرت صور نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أشخاصاً ملطخين بالدماء يُجرّون في عربات، وطفلاً يمسك بذراع رجل مصاب في الرأس، وجثثاً ملقاة في مياه قناة تصريف فيما يحاول ناجون الوقوف مع تصاعد دخان كثيف في الهواء عقب الانفجار الذي ضرب نقطة قريبة من "أبيي غايت" إحدى بوابات الوصول إلى المطار، والآخر الذي وقع قرب فندق "بارون"، حسبما ذكرت إفادة صحافية للبنتاغون.
 
 ووثّق شاهد يدعى ميلاد المشهد قائلاً: "لقد كان انفجاراً ضخماً وسط حشد كان ينتظر أمام إحدى بوابات المطار" حيث مرّ في الأيام الأخيرة أشخاص قام بإجلائهم الفرنسيون والبريطانيون. وأضاف: "هناك عدد كبير من القتلى والجرحى"، مشيراً إلى أنه شاهد "جثثاً وأشلاء بشرية" في الموقع.

وأكّد شاهد آخر أنه "عندما سمع الناس دوي الانفجار سادت حالة من الهلع. ثم أطلق عناصر (طالبان) النار في الهواء لتفريق الناس الذين كانوا ينتظرون أمام البوابة"، مؤكّداً أنه شاهد رجلاً يركض "حاملاً طفلاً مصابا". ووسط الفوضى، قال إنه فقد الوثائق التي كانت ستسمح له بالمغادرة مع زوجته وأطفاله الثلاثة في إحدى الرحلات الجوية. وأضاف: "لا أريد أن أذهب (إلى المطار) مرة أخرى. الموت لأميركا وعمليات الإجلاء التي تقوم بها وتأشيراتها".
 
(أ ف ب)

في المقلب الآخر، أُرجئ اللقاء الذي كان مقرّراً اليوم بين جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى الجمعة، على ما أعلن البيت الأبيض، بعدما ألغى الرئيس الأميركي كل مواعيده ليركز على التفجير، حسبما أوضح البيت الأبيض.
 
 
تنديد دوليّ وتضامن
عبّرت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة واستنكارها الشديدين لما وصفته بـ"الهجوم الإرهابي" الذي استهدف مطار حامد كرزاي الدولي في العاصمة الأفغانية كابول. ونقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) عن الخارجية السعودية تأكيدها أنّ "المملكة تتابع باهتمام الأحداث الجارية في جمهورية أفغانستان الإسلامية الشقيقة".

وأعربت الخارجية عن أمل المملكة باستقرار الأوضاع في أفغانستان بأسرع وقت، مُؤكدة في الوقت ذاته وقوفها إلى جانب الشعب الأفغاني. وجدّدت تأكيد موقف المملكة "الرافض لهذه الأعمال الإجرامية التي تتنافى مع المبادئ الدينية والقيم الأخلاقية والإنسانية كافة".
 
بدورها، بدأت الإمارات العربية المتحدة استضافة العائلات الأفغانية من نساء وأطفال، واتخاذها الإجراءات كافّة لتوفير الرعاية والدعم اللازمين لهم في المجتمع بصفة موقتة بما يوفر لهم مقومات الحياة، تنفيذاً لتوجيهات ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة محمد بن زايد آل نهيان.

وأشارت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) أنّ "المبادرة تأتي تزامناً مع قيام دولة الإمارات بتسهيل تقديم الدعم واستقبال عشرات الرحلات الجوية التي تقل المواطنين الأجانب من أفغانستان بما في ذلك عدد من الديبلوماسيين والموظفين الدوليين من مختلف الجنسيات والعاملين في المنظمات غير الحكومية إلى مطارات الدولة"، مؤكّدة أنّ "الإمارات قامت بتسهيل عمليات الإجلاء لنحو 39 ألفاً و827 من الأجانب والأفغان من أفغانستان باستخدام طائراتها وعبر مطاراتها".
 
في الأثناء، أعربت وزارة الخارجية المصرية عن "بالغ إدانتها" للتفجيريّن الإرهابييّن، مندّدة بما وصفته بـ"الإرهاب الغاشم"، ومؤكّدةً "تضامنها من أجل مكافحة ظاهرة الإرهاب والعنف والتطرف بكافة أشكالها وصورها".
 
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي الى اجتماع لمناقشة الوضع الفوضوي في أفغانستان، وفق ما أفاد ديبلوماسيون.
 
(أ ف ب)
 
وبعث غوتيريس برسائل رسمية يدعو فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين إلى اجتماع يعقد الإثنين، بحسب ما قال ديبلوماسيون لوكالة "فرانس برس"، فيما أكّد متحدث باسم غوتيريس صحّة الدعوة.
 
إلى ذلك، دان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ "الاعتداء الارهابي"، وقال إن الأولوية "تبقى إجلاء أكبر عدد ممكن من الناس".

في الأثناء، أعلنت فرنسا إعادة سفيرها في أفغانستان ديفيد مارتينون إلى باريس لأسباب أمنية. وكان السفير في مطار كابول حيث تشرف القوات الغربية على إجلاء آلاف الأجانب والأفغان منذ تولي "طالبان" السلطة في 15 آب. وشدد الرئيس إيمانويل ماكرون على أن الوضع لا يزال "محفوفا بالمخاطر" في المطار، وأعلن أن فرنسا ستستمرّ في إجلاء "مئات من الأفغان".

في واشنطن، يتم إطلاع بايدن على التطورات بعد التفجيرين، وفق البيت الأبيض. وفي لندن، دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى اجتماع أزمة وزاري بعد الظهر، في وقت يشارك الجيش البريطاني في عمليات الإجلاء الجارية في كابول بإشراف القوات الأميركية.
 
حياة أفضل
رغم التحذيرات الغربية قبل الانفجار، استمرّ كثيرون من الأفغان بالاحتشاد في محيط المطار أملاً بالخروج من البلاد. ومن بين هؤلاء عدد كبير من سكان المدن والمثقفين الذين يخشون أن يعتمد الإسلاميون النظام الأصولي نفسه الذي فرضوه عندما كانوا في الحكم بين عامي 1996 و2001.

وتشمل الحشود أيضاً أشخاصاً عملوا لحساب قوات الحكومة السابقة القريبة من الغرب وحلفائها من القوات الغربية أعداء "طالبان" لمدة 20 سنة، أو لشركات أجنبية. ويخشى هؤلاء انتقام الإسلاميين المتشدّدين. لكن أفغان لم يحصلوا على إذن بالمغادرة من الدول الغربية ويسعون إلى حياة أفضل في الغرب انضمّوا إلى الأعداد الغفيرة.
 
قبل المأساة بدقائق، نفى البنتاغون التقارير التي تفيد بأن عمليات الإجلاء من أفغانستان قد تنتهي، بسبب هذه التهديدات، قبل 31 آب. وقد بدأت وتيرة الإجلاء التي تسارعت باطّراد في الأيام الأخيرة، في التباطؤ منذ الأربعاء.
 
(أ ف ب)
 
وفق تقرير صادر عن البيت الأبيض صباح اليوم، تمّ إجلاء 13 ألفاً و400 شخص خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية (5 آلاف و100 على متن 17 طائرة عسكرية أميركية و8 آلاف و300 على 74 طائرة تابعة للتحالف). منذ بدء الجسر الجوي في 14 آب، ورغم الفوضى في المطار بسبب تدفق المرشحين للمغادرة، ساهمت الولايات المتحدة في إجلاء ما يقرب من 95 ألفاً و700 شخص.

في السياق، أعلن عدد من الدول الحليفة للولايات المتحدة قرب انتهاء عملياتها. فقد وأكّدت كندا وقف عمليات الإجلاء، كما أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب-كارينباور اليوم أنّ بلادها أنهت سحب جميع جنودها من أفغانستان مع مغادرة آخر طائرة إجلاء تابعة لها مطار كابول.

من جهته، أكّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء أنّ "طالبان" التزمت بالسماح للأميركيين والأفغان المعرّضين للخطر بمغادرة البلاد بعد 31 آب. وقالت ألمانيا إنها تلقت تأكيدات بأن بإمكانها القيام برحلات تجارية.
 
تثير النهاية الوشيكة لعمليات الإجلاء مخاوفاً من أنّ عدد من الأفغان الذين عملوا في السنوات الأخيرة مع الأجانب أو الحكومة المخلوعة الموالية للغرب، ويشعرون بالتهديد من "طالبان"، لن يتمكّنوا جميعاً من مغادرة البلاد في الوقت المناسب.
 
(أ ف ب)
 
في هذا الإطار، اعتبرت وزيرة الخارجية الهولندية سيغريد كاغ والدفاع أنك بيليفيلد أنّ "هذه لحظة مؤلمة لأنها تعني أنه رغم الجهود الكبيرة التي بذلت في الآونة الأخيرة، سيتمّ التخلي عن أشخاص مؤهلين للإجلاء إلى هولندا".


عودة التهديدات الإرهابية؟
تحت اسم "الدولة الإسلامية-ولاية خراسان"، أعلن "تنظيم الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن بعض أكثر الهجمات دموية في أفغانستان في السنوات الأخيرة أسفرت عن مقتل المئات. فقد استُهدف في الغالب الشيعة، وأودى الهجوم الذي تبناه على حفل زفاف شيعي في كابول في آب 2019، على سبيل المثال، بحياة 91 شخصاً.

لكن، رغم أنهما مجموعتان سنّيّتان متطرّفتان، إلّا أنّ "تنظيم الدولة الإسلامية" و"طالبان" في تنافس وتحركهما كراهية متبادلة. وأشار محللون أمنيون في وقت سابق اليوم إلى أن نشاط "تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان" قد توقف بشكل مفاجئ لمدة 12 يوماً، في إشارة محتملة إلى أنه كان يستعدّ لعملية واسعة النطاق، عبر قذائف الهاون أو الهجمات الانتحارية بسيارات أو أفراد.

لم تثنِ تلك التحذيرات قبل الانفجارين الكثير من الأفغان عن الاستمرار في التوافد على المطار على أمل الصعود على متن طائرة متوجهة إلى الغرب. وقال رجل قدّم نفسه على أنّ اسمه حامد وعمل في وزارة قبل وصول "طالبان" إلى السلطة لوكالة "فرانس برس": "سأنتظر حتى يغلق المطار". وأضاف متسائلاً: "سوف يعطون وظائفنا لأقاربهم. كيف سأعتني بأسرتي؟"، معبّراً عن عدم تصديقه وعود "طالبان" بأنه ليس لدى السكان ما يخشونه منها، فيما تحاول "طالبان" الظهور بشكل أكثر اعتدالاً، غالباً من دون إقناع، على الأقلّ في كابول.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم