الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

لماذا قد تمتنع الصين عن مساعدة روسيا اقتصادياً؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب).
الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب).
A+ A-

لعلّ أفضل دليل على حجم المفاجأة التي شعر بها الروس بسبب نوعيّة العقوبات المفروضة عليهم هو ما قاله وزير الخارجية سيرغي لافروف يوم الأربعاء في "معهد موسكو للعلاقات الدولية": "ما من أحد أمكنه توقّع" أن تستهدف العقوبات الغربية بنك روسيا المركزيّ. ووصف الخطوة الغربيّة بـ"السرقة".

من بين تداعيات العقوبات الغربيّة على روسيا، محو نحو 200 مليار دولار من أسواق البورصة الروسيّة وتوقّعات بانكماش الاقتصاد الروسيّ بحدود تتراوح بين 7 إلى 15% هذه السنة. وقد يصل التضخّم إلى 14% بحلول كانون الأوّل. كيفيّة مضيّ روسيا قدماً في حربها على أوكرانيا مسألة ضبابيّة، على الرغم من رهان روسيّ على دعم صينيّ، قد لا يتوفّر بالحجم المطلوب، هذا إن توفّر أساساً. وتكلّف الحرب الاقتصاد الروسيّ أكثر 20 مليار دولار يوميّاً بحسب إحدى الدراسات. ويمكن أن يخسر اقتصادها مكاسب حقّقتها روسيا طوال 15 عاماً.

قبل غزو أوكرانيا، سافر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين لنيل دعم رئيسها شي جينبينغ في مواجهة الغرب. بينما يظلّ السؤال عمّا إذا كان بوتين قد أبلغ شي نيّته اجتياح أوكرانيا بلا جواب حاسم، كانت الحاجة إلى توثيق العلاقات مع الصين ملحّة بصرف النظر عن النوايا الروسيّة والملفّ الأوكرانيّ. على المستوى الاستراتيجيّ، تشترك روسيا والصين في هدف إبعاد واشنطن عن ملفّي أوكرانيا وتايوان، وبشكل أعمّ عن منطقتي أوروبا الشرقية والإندو-باسيفيك. بالمقابل، تحتاج روسيا إلى رافعة في علاقتها مع الغرب كي تقول إنّ الأسواق الصينيّة جاهزة للتعويض عن الأسواق الأوروبية.

يصعب قياس نجاح روسيا والصين على مستوى الترابط الاستراتيجيّ، بما أنّه يستغرق فترة زمنية طويلة لتبيان معالمه. لكن على المستوى الاقتصاديّ، يمكن تلمّس بعض المؤشّرات التي تحدّد ما إذا كانت الصين قادرة على مساعدة روسيا أو عاجزة عن ذلك. حتى اليوم، لا تبدو المؤشّرات مشجّعة بالنسبة إلى الروس.

قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي في 15 آذار إنّ "الصين ليست طرفاً في الأزمة، ولا تريد أن تؤثّر العقوبات على الصين". موقف بيجينغ سلبيّ بالنسبة إلى الروس، لكن من المحتمل أن يكونوا قد توقّعوه. بعد فرض عقوبات على روسيا بسبب ضمها القرم سنة 2014، التزمت الصين إلى حدّ بعيد بها فتراجع حجم التبادل التجاري مع موسكو خلال السنوات التالية قبل أن يعاود ارتفاعه خلال السنتين الماضيتين. وفي وقت مبكر من الحرب، أعلن مصرفان صينيّان بارزان أنّهما لن يساعدا روسيا في التبادلات التجارية. مع استمرار الاستنزاف العسكريّ والاقتصاديّ الذي تتعرّض له موسكو، تزداد حاجتها إلى الدعم الصينيّ.

يعتقد البعض أنّ بيجينغ قادرة على تحقيق ذلك. الأكاديميّ في "معهد أبحاث السياسة الخارجية" ماكسيميليان هس قال إنّه على مستوى نطاق دعم الصينيين لروسيا، هم قادرون على مساعدتها في الكثير لكنّهم سيخاطرون بالتعرض لحرب تجاريّة ثانية مع الولايات المتحدة والغرب. لا يشاطر كثر اعتقاد هس. تستطيع الصين على الأرجح مساعدة روسيا لكن ليس بشكل يحصّنها من العقوبات الغربيّة أو يجعلها قادرة على إدامة حربها لفترة طويلة.

 

خطوات تشجيعيّة تصطدم بواقع قاسٍ

تتّخذ الصين إجراءات تبدو في ظاهرها مشجّعة على مساعدة روسيا، لكنّ انعكاسها على المستوى العمليّ يبقى ضبابياً. يوم الأحد، حثّ السفير الصينيّ في موسكو جانغ هانهوي رجال الأعمال الصينيين الموجودين في روسيا على عدم إضاعة الوقت و"ملء الفراغ" في السوق المحلية. غير أنّ كبيرة الاقتصاديين في قسم آسيا-الهادئ من شركة "ناتيكسيس" للخدمات المصرفية أليسيا هيريرو تعتقد أنّ الشركات الخاصة والصغيرة ستصغي إلى رسالة الديبلوماسيّ الصينيّ إنّما ستتردّد في تنفيذها قبل أن ترى الشركات الكبيرة المدعومة من الدولة تستثمر في روسيا.

يبدو أنّ الصين رفضت توفير قطع إلى الطيران التجاري الروسي بعدما حظرت "بوينغ" و"إيرباص" المبيعات المرتبطة إلى موسكو، كما أنّ شركات الهواتف الذكية الصينية لم تكن قادرة على انتهاز مزية رحيل نظيرتها الأميركية عن السوق الروسية بسبب صعوبات في الدفع، بينما تسمح بيجينغ بانخفاض قيمة الروبل أمام اليوان لشراء السلع الروسية بكلفة أدنى. وثمّة مخاوف صينية من أن تتعرّض بيجينغ لتداعيات العقوبات أكثر ممّا قد تتعرّض له روسيا بسبب الترابط الأكبر بين اقتصادها والاقتصاد العالميّ. علاوة على ذلك، تملك الصين الكثير من الأصول في دول العالم بما يجعلها تتردّد في مساعدة روسيا على الالتفاف حول العقوبات الغربيّة. ترى الأستاذة في جامعة "نورث إيسترن" مايئا كروس أنّ "الصين أكثر اعتماداً بكثير على احتياطاتها الأجنبيّة. لديها أكبر احتياطات أجنبيّة في العالم. وسبق أن رأينا كيف أنّ روسيا لم تعد قادرة على الوصول إلى احتياطاتها الأجنبيّة".

ربّما كانت الأصول البالغة أكثر من 600 مليار دولار والتي راكمتها روسيا خلال السنوات الماضية حافزاً أساسياً كي يقرّر بوتين غزو أوكرانيا على قاعدة أنّ هذا المبلغ سيقيه قساوة العقوبات. لكنّ تجميد الغرب نصف هذا المبلغ الموجود في الخارج فاجأ روسيا وغيّر حساباتها. ثمّة قسم كبير من هذه الأصول موجود في الصين، قرابة 140 مليار دولار، لكنّ أغلبه مرتبط بسندات ومقوّم بالعملة الصينيّة. والقسم الباقي مرتبط باتفاقات ثنائيّة بين المصرفين المركزيّين.

 

التعويض صعب جداً

ليس سهلاً على الصين أن تعوّض روسيا عن غياب الأسواق الغربيّة لأسباب عدّة. أوّلاً يساوي حجم التبادل التجاريّ بين روسيا والاتحاد الأوروبي (2021) 1.5 مرات حجم التبادل بين روسيا والصين. ثانياً، إنّ زيادة حجم صادرات الطاقة الروسيّة إلى الصين يعني بالضرورة توسيع البنية التحتيّة القادرة على استقبال الكميات الإضافية من الطاقة. يقتضي ذلك إنفاق روسيا عشرات المليارات من الدولارات. وتستورد أوروبا من روسيا كميات من الطاقة تفوق بأربعة أضعاف تلك التي تستوردها الصين من روسيا.

يبيّن قسم وازن من الأدلّة أنّ الصين لن تكون مستعجلة لمساعدة روسيا في تخطّي العقوبات الغربيّة. لهذا السبب، يعتقد البعض أنّ الصين ستواصل انتقاد الولايات المتحدة لكنها لن تصل إلى حد استعداء الولايات المتحدة. فهل يقتصر الدعم على البيانات والتصاريح؟ ربّما تلجأ بيجينغ إلى ما هو أكثر بقليل من الدعم اللفظيّ.

يرى الاقتصاديّ في جامعة كورنيل إسوار براساد أنّ "الصين لن تنقذ قارب الاقتصاد الروسيّ الغارق. ربما تسمح له بأن يطفو لفترة أطول بقليل وأن يغرق بشكل أبطأ بقليل". بالتأكيد، لا يناسب هذا التحليل طموحات بوتين.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم