الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل أمكن أوكرانيا تفادي الغزو لو لم تطمح للناتو؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
جندي أوكراني يقف بالقرب من العلمين الأميركي والأوكراني (أرشيف) - "أ ف ب"
جندي أوكراني يقف بالقرب من العلمين الأميركي والأوكراني (أرشيف) - "أ ف ب"
A+ A-

إنّها الإشكاليّة-اللغز التي تتكرّر عند كلّ محاولة بحث عن سبب التوتّرات الدائمة في شرق أوروبا. انفجر التوتّر الأخير حرباً روسيّة على أوكرانيا. هذه المرّة لم تكن الحرب خفيّة أو بالواسطة، كما كان الأمر عليه خلال السنوات الثماني الماضية في دونباس. لا اكتفاءَ روسياً بدعم الانفصاليين في لوغانسك ودونيتسك، ولا حتى بالاعتراف باستقلال الإقليمين. يبدو الهجوم أنّه يستهدف إطاحة الحكومة في كييف، أو أقلّه إجبارها على توقيع الاستسلام بالشروط الروسيّة. ما الذي تريده موسكو من الغزو ولماذا هي مستعدة لتحمّل أكلافه الاقتصاديّة؟

 

أوّل جواب بديهيّ يتبادر إلى الأذهان هو منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). كان ذلك أبرز مطلب تقدّمت به روسيا في حوارها مع الغرب منذ أكثر من شهرين. لم يعد بإمكان روسيا تحمّل مزيد من التقدّم الأطلسيّ باتّجاه حدودها الغربيّة. رفض الغرب أخذ هذا الطلب على محمل الجدّ فشعرت روسيا بالخطر. دفعها ذلك إلى التحرّك ضدّ أوكرانيا لمنعها من الانضمام مستقبلاً إلى الناتو. هذه الفكرة لم تجد مؤيّدين لها بين الروس وحسب.

 

"ليسا بريئين"

مراقبون غربيّون قالوا إنّ التوسّع الأطلسيّ هو على الأقلّ سبب من أسباب السلوك الروسيّ. توماس فريدمان اتّهم مؤخراً في "نيويورك تايمس" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بافتعال الحرب مضيفاً "لكنّ أميركا والناتو ليسا متفرّجين بريئين". استشهد الكاتب بكلام أحد أبرز الديبلوماسيين الأميركيين جورج كينان الذي قال له منذ قرابة 30 عاماً إنّ "الآباء المؤسّسين لأميركا يتقلّبون في قبورهم" بسبب توسيع الناتو، متوقّعاً منذ ذلك الحين ردّ فعل عكسيّاً من الروس.

واستشهد فريدمان أيضاً بما قاله وزير الدفاع الأسبق بيل بيري لصحيفة "الغارديان" البريطانية سنة 2016 حين أشار إلى أنّ بوتين يتحمّل معظم اللوم على ما فعله في السنوات الأخيرة. لكن في السنوات الأولى، تتحمّل الولايات المتحدة الكثير من المسؤوليّة إذ وضعت الغرب في "الاتجاه الخاطئ" بعدما ضمّ الناتو الدول الأوروبية الشرقية إلى صفوفه.

أيّد محلّلون آخرون هذه الفكرة. الكاتبة السياسية والمراسلة السابقة لصحيفة "ذا تايمس" البريطانية في موسكو ماري ديجيفسكي علّقت على تغريدة "متهكّمة" للسفير الأميركي الأسبق إلى روسيا مايكل ماكفول. كتب ماكفول على حسابه: "حمداً لله وسّعنا الناتو". جاء في تعليق ديجيفسكي: "إنّ توسيع الناتو كان كلّ المشكلة؛ هناك بدأت كارثة اليوم". وكتبت في تغريدة سابقة أخرى أنّ التوتّرات "تتعلّق بالأمن. روسيا تنظر إلى توسيع الناتو كتهديد مباشر للأمن الروسيّ". ومع أنّها لفتت إلى تشكيل الحرب "كارثة" على أوكرانيا لكن أيضاً على روسيا التي ستصبح دولة "منبوذة" في المدى المنظور، أشارت إلى أنّه "لو أخذ الغرب مخاوف روسيا الأمنية على محمل الجد، لأمكن أن يكون الأمر مختلفاً".

 

تحليل مخالف

في مقابل هذه السرديّة، ثمّة مراقبون آخرون للشأن الروسيّ يرون أنّ عرقلة أوكرانيا عن دخول الناتو هو ما أوصلها إلى الكارثة التي حلّت بها اليوم. مدير "مؤسسة شيشرون"، وهي مؤسسة رأي هولندية تعنى بشؤون الاندماج الأوروبي والتعاون العابر للأطلسي، مارسيل فان هيربن حمّل باريس وبرلين مسؤوليّة هذه العرقلة. غرّد هيربن: "لو أنّ فرنسا وألمانيا (ساركوزي وميركل) لم تحظرا "خطط عمل العضوية" لانضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو في 2008، لكانت أوكرانيا آمنة اليوم. الظاهر أنّ المرء لا يتعلم قط من التاريخ".

يبدو المراقبون أمام نظريّتين حيال ما تعنيه عضويّة أوكرانيا الأطلسيّة بالنسبة إلى السلوك الروسيّ في السنوات الأخيرة. تقول النظريّة الأولى إنّ التوسّع الأطلسيّ هو على أحد أسباب هذا السلوك، بينما تشير الثانية إلى أنّ هذا التوسّع ليس سوى ذريعة لحروب روسيا في جورجيا وأوكرانيا. فبوتين الذي يشتكي من انهيار الاتحاد السوفياتي كـ"أكبر كارثة جيوسياسية" في القرن العشرين، يريد استعادة النفوذ السوفياتيّ بأيّ ثمن وفقاً لبعض التحليلات. لهذا السبب، مع أو بدون توسّع للناتو، سيجد الرئيس الروسيّ سبباً لإعادة الجمهوريّات السوفياتيّة السابقة إلى مدار موسكو. لكنّ آخرين يشبّهون وضع موسكو الجيوسياسيّ بوضع واشنطن. كما أنّ الأميركيّين فرضوا "مبدأ مونرو" في بدايات القرن التاسع عشر لحماية الأميركيّتين من التدخّل الغربيّ، كذلك تريد موسكو مبدأ مماثلاً خاصّاً بها يحميها من الوجود العسكريّ الغربيّ على حدودها مع أوروبا.  

سأل "النهار العربي" هيربن عن إمكانات التمييز بين عضويّة أوكرانيا الأطلسيّة كسبب أو كذريعة للسلوك الروسيّ. الباحث الذي ألّف كتباً عدّة عن روسيا مثل "البوتينية"، "حروب بوتين"، "آلة بوتين الدعائية"، وعن غيرها من الملفّات، أجاب:

"قبل 2008، لم يتمّ ذكر توسيع الناتو قط على لسان بوتين بأنه أمر غير مقبول. لقد أصبح ذريعته المفضّلة حين أراد عكس ‘أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين‘: زوال الاتحاد السوفياتي واستعادة النواة السلافية للاتحاد السوفياتي السابق".

وتابع هيربن: "لقد أصبح ذريعة أفضل من ‘الإبادات‘ المفترضة من قبل الجورجيين والأوكرانيين، لأنّ الشعب الروسي حتى لم يعد يصدّق هذا النوع من الاتهامات. الهدف الوحيد لبوتين هو إعادة دمج بيلاروسيا وأوكرانيا في ملكية روسيا. من هنا، بإمكان المرء توقع أنّه بعد تعيين نظام ودّيّ تجاه الكرملين في كييف، ستكون الخطوة التالية ضمّ أوكرانيا".

 

أسئلة أخرى

يوافق مراقبون على قضيّة دمج بيلاروسيا (روسيا البيضاء) وأوكرانيا في روسيا، حتى أنّهم يقولون إنّ عملية الدمج جارية حالياً مع بيلاروسيا. لكن لا يزال هنالك بعض الأسئلة بشأن محوريّة التوسع الأطلسيّ في السلوك الروسيّ: هل كان بوتين مقتنعاً بأنّ أوكرانيا يمكن أن تنضمّ إلى الناتو في المدى المنظور؟ يصعب توقّع وجود قناعة كهذه. المستشار الألمانيّ أولاف شولتز نفسه نفى، حين كان واقفاً إلى جانب الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي، أن تكون هذه القضيّة مطروحة على الطاولة في الوقت الحالي. القائد السابق للناتو ياب دي هوب شيفر أكّد ذلك أيضاً: لكنّ نفيه أن تصبح أوكرانيا أطلسيّة امتدّ إلى "المستقبل المنظور وغير المنظور".

على أيّ حال، اقترح زيلينسكي حواراً مع روسيا على قاعدة الاستعداد لعدم الانضمام إلى الناتو مستقبلاً وتطبيق الحياد. الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف وصف هذا التطوّر بالإيجابيّ. فهل تهتمّ روسيا بالردّ عليه بإيجابية أيضاً؟ 

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم