الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

هل ينهي اتصال بايدن - ماكرون أزمة الغواصات؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيسان بايدن وماكرون خلال قمة مجموعة السبع، حزيران 2021 - "أ ف ب"
الرئيسان بايدن وماكرون خلال قمة مجموعة السبع، حزيران 2021 - "أ ف ب"
A+ A-

أجرى الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون المكالمة الهاتفية المنتظرة من أجل حلّ الأزمة الناجمة عن اتّفاق "أوكوس" الذي أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة بموجبه عن مساعدة أوستراليا في بناء غواصات نووية مع نقل هذه التكنولوجيا إليها. أثار هذا الإعلان غضباً فرنسياً تجلّى على لسان وزير الخارجية لودريان الذي وصف التصرّف بـ"الطعنة" و"الازدواجية" و"الازدراء". وتعليقاً على الاتصال الهاتفي الذي دام نصف ساعة والذي قالت فرنسا إنّه جاء بطلب من بايدن، نشر البيت الأبيض وقصر الإليزيه بياناً جاء فيه أنّ إجراء "مشاورات مفتوحة بين الحلفاء بشأن القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة إلى فرنسا والشركاء الأوروبيين كان من شأنه تفادي هذا الوضع". كما "قرر الرئيسان إطلاق عملية تشاور معمّق تهدف إلى تأمين الظروف التي تضمن الثقة واقتراح تدابير ملموسة لتحقيق الأهداف المشتركة".

 

على صعيد الكلام عن تعزيز الأحلاف والتشاور مع الحلفاء وبناء الديبلوماسية المتعددة الأطراف، يصعب إيجاد إدارة أفضل من الإدارة الحالية في صياغة البيانات البليغة على هذا المستوى. لكن على الصعيد العملي، يصدف أنّ عكس ذلك هو الذي يحدث. لهذا السبب، قال لودريان في اجتماعه مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في الأمم المتحدة: "الخروج من الأزمة بين بلدينا يتطلب وقتاً وأفعالاً". بالفعل، قليلة هي المؤشرات التي توحي بأنّ الاتصال وحده قادر على ردم الهوة المتوسّعة بين الطرفين.

 

لماذا غضبت فرنسا؟

عقدت أوستراليا العزم على المضيّ قدماً في صفقتها الجديدة، حتى أنّها تحدثت عن استعدادها لدفع ملياري دولار كتعويض عن إنهاء صفقتها الأساسية. أمكن أن يكون التعويض مهدئاً لفرنسا لو أنّ خلافها مع الولايات المتحدة مادي فقط. واقعياً، تحتل صفقة الغواصات المرتبة الثانية على لائحة الأولويات الفرنسية مع الأوستراليين. أغضب تحالف "أوكوس" باريس لأنه جرى من دون إخطار البيت الأبيض قصر الإليزيه. لم يعرف الفرنسيون بالاتفاق الجديد إلا قبل ساعة من إعلانه بحسب لودريان. لكنّ عدم الإبلاغ هذا، وإن كان ينطوي على إخفاق استخباري فرنسي في رصد اتفاق كانت مؤشراته واضحة لفترة طويلة، هو الخطأ الأميركي الأصغر تجاه باريس.

 

ما ارتكبته الولايات المتحدة من وجهة نظر الفرنسيين هو أنها حجّمت بلادهم في منطقة الإندو-باسيفيك البالغة الأهمية بالنسبة إلى باريس كما هي بالنسبة إلى واشنطن. وبدأ التركيز الفرنسي على تلك الناحية من العالم منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات. يرى الفرنسيون أنّ اتفاق "أوكوس" شامل لدرجة أنه لا يترك مساحة كبيرة للفرنسيين في تلك المنطقة التي أصبحوا "قوة مقيمة" فيها. علاوة على ذلك، اضطرت فرنسا للقبول على مضض بإدراج الصين كقوة "تهديد" في اجتماع مجموعة السبع شهر حزيران الماضي، لتجد نفسها فجأة خارج حسابات واشنطن في أي سياسة صينية إقليمية.

 

لماذا تخلّت أوستراليا عن الغواصات الفرنسية؟

لم يكن الإخفاق الفرنسي مقتصراً على عدم قدرة استشراف التحالف الجديد في المنطقة. فمشروع تسليم الغواصات الاثنتي عشرة كان متباطئاً ومتزايد الكلفة الأمر الذي دفع الأوستراليين إلى انتهاز الفرصة البديلة التي سنحت لهم. وبطبيعة الحال، تقدّم الغواصات الأميركية العاملة على الطاقة النووية بدلاً من تلك الفرنسية العاملة على الديزل والكهرباء إضافة استراتيجية للأوستراليين لن يكونوا قادرين على تجاهلها. وفشلت فرنسا في قراءة التطورات السياسية التي دفعت أوستراليا إلى إعادة تقييم استراتيجيتها. ففي 2016، تاريخ توقيع اتفاقات الغواصات بين فرنسا وأوستراليا، والسنوات التحضيرية لها، كانت الصين قوة اقتصادية متعاظمة تقوم في توسّعها الدوليّ على قدرات تجارية واستثمارية هائلة. لم يكن ذلك مزعجاً للأوستراليين.

 

على العكس من ذلك، كانت العلاقات الأوسترالية-الصينية إيجابية على صعد عدة. شكلت الصين زبوناً ضخماً للمعادن الأوسترالية بينما تدفق الطلاب الصينيون إلى الجامعات الأوسترالية. من هنا، نظرت أوستراليا إلى بناء غواصات كجزء من تحديث أسطولها عوضاً عن أن يكون استعداداً لحرب محتملة، وهذا يعني أنّه حين تفاوضت كانبيرا على صفقة الغواصات الفرنسية، لم يكن عليها مقاربة المسألة من زاوية الحفاظ على خطوط الإمداد. من جهة ثانية، وربّما ملخّصة للرؤية الأوسترالية ككل، على الأرجح فكّرت أوستراليا في أنّ الولايات المتحدة ستقف بشكل حتميّ إلى جانبها في أيّ حرب مقبلة مع الصين، بعكس فرنسا، كما يشرح جورج فريدمان في موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز".

 

خطط فرنسية محتملة

يمكن أن يهدّئ الاتصال بين ماكرون وبايدن التوترات – لكن بشكل موقت. قد تنتظر فرنسا إلى حين توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الستة الأولى من 2022 لتحاول فرض أجندتها الخارجية على بروكسل. لعلّ الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان، بما فيه من إهانة للحلفاء الأوروبيين بسبب عدم إخطارهم به وعدم قبول طلبهم بتمديد فترة الإجلاء، هو أبرز فرصة لإقناع بروكسل بفكرته عن الاستقلالية الأوروبية. تملك فرنسا خيارات عدّة، لكنّها قد تكون محدودة التأثير في الوقت عينه. وهذا ما أظهره الأكاديميان البارزان في "المركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" هيذر كونلي ومايكل غرين.

 

فالاحتمال كبير على مستوى عدم وقوف الأوروبيين إلى جانب فرنسا في محاولة التشدد مع الأميركيين وهذا ما أعلنه مؤخراً رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ الألمانيّ نوربرت روتغين الذي تمسّك بحيوية واشنطن الأمنية بالنسبة إلى الأوروبيين والفرنسيين معاً. على الرغم من ذلك، طالب الأكاديميان في مجلة "فورين بوليسي" بعدم التقليل من أهمية الخلاف الأميركيّ-الفرنسيّ. فبإمكان باريس حين تترأس الاتحاد أن تؤثّرعلى استراتيجية بروكسل في منطقة الإندو-باسيفيك عبر الشراكة مع الصين وتقليل حجم الردود السياسية عليها. وقد توقف فرنسا استراتيجية أطلسية استباقية في تلك المنطقة خلال القمة المقبلة للناتو، كما العمليات البيروقراطية لمشاركة أميركية مستقبلية في مشاريع الدفاع الأوروبية.

 

اعتراف نادر

رأت "سي أن أن" في بيانِ  المكالمة الهاتفية اعترافاً نادراً وإن غير صريح من بايدن بارتكاب خطأ وبأهمية إصلاح العلاقات. في هذا الوقت، أعادت باريس سفيرها الذي استدعته للتشاور إلى واشنطن. وكانت خطوة الاستدعاء هي الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين منذ تأسيسها سنة 1778. لذلك، وعلى الرغم من تشبيه البعض للأزمة الحالية بأزمة الخلاف بين البلدين حول حرب العراق سنة 2003، من المرجّح أن تكون أشدّ وطأة. بعد الاتصال، يمكن أن تعود العلاقات الثنائية إلى الهدوء ظاهرياً. لكن إذا كان هنالك من جمر تحت الرماد، فقد لا يستعر قبل القسم الأول من 2022، خصوصاً على أبواب الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم