السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

تنازلات بايدن لإيران... من الرمزيّ إلى الجوهريّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي جو بايدن - "أ ب".
الرئيس الأميركي جو بايدن - "أ ب".
A+ A-

مكسبٌ جديد ستحصل عليه إيران في المستقبل القريب. المراقبون الذين يُحصون التنازلات شبه اليوميّة التي يقدّمها الرئيس الأميركيّ جو بايدن لطهران غير متفاجئين. سيأتي المكسب هذه المرّة من كوريا الجنوبيّة، على الأرجح بموافقة أميركيّة. فقد أعلنت طهران أمس الثلاثاء عن قبول سيول، "على ما يبدو"، بالإفراج عن مليار دولار من الأموال الإيرانيّة المجمّدة في مصرفين كوريّين جنوبيّين بفعل العقوبات الأميركيّة. لكن في اليوم نفسه، قال مسؤول في وزارة الخارجيّة الكوريّة الجنوبيّة إنّ "رفع التجميد الحاليّ عن الأصول سيتمّ من خلال مشاورات مع الدول المعنيّة في الولايات المتّحدة"، وفقاً لوكالة "رويترز". يمكن استنتاج من هذه التصريحات أنّ إيران اقتربت من الحصول على جزء وازن من مطالبها.

 

بدأت القصّة حين احتجزت إيران ناقلة نفط كوريّة جنوبيّة بناء على مزاعم بخرقها القوانين البيئيّة، في الرابع من كانون الثاني الماضي. كانت ناقلة النفط متوجّهة من السعوديّة إلى الإمارات، وعلى متنها طاقم من 19 شخصاً قبل أن يحتجزها الحرس الثوريّ وينقلها إلى ميناء بندر عبّاس. في البداية، نفت إيران أن يكون للاحتجاز علاقة بطلبها من كوريا الجنوبيّة الإفراج عن أموالها النفطيّة المجمّدة التي تبلغ حوالي 7 مليارات دولار. لكن في الوقت نفسه، كانت الصحافة الكوريّة الجنوبيّة تنقل عن مسؤولين محلّيّين قولهم إنّ الإفراج عن الأموال كان مطروحاً على بند المحادثات. وخلال الأشهر السابقة لعمليّة الاحتجاز، تحدّث المسؤولون الإيرانيّون مع سيول عن مسألة الأموال المجمّدة.

 

أسباب الحلحلة

في الثاني من شباط، شهد الملفّ حلحلة كبيرة حين أعلنت الدولتان موافقة إيران على إطلاق سراح طاقم السفينة مقابل تعهّد كوريا الجنوبية بالتحرّك سريعاً لمعالجة شكاوى إيران من عدم قدرتها على الوصول إلى أموالها المحتجزة. قبل أيّام من انتشار خبر الإفراج عن جزء من الأموال الإيرانيّة، ذكر مدير الشؤون الأكاديميّة في "المعهد الاقتصاديّ الكوريّ الأميركيّ" كايل فيرييه أنّ كوريا الجنوبيّة ستتأذّى كثيراً لو طالت الأزمة.

 

فإضافة إلى خسارتها مصدراً بارزاً للطاقة، خسرت أيضاً عقوداً مربحة لشركاتها البتروكيمائيّة من أجل تحديث منشآت النفط والغاز التابعة لإيران إضافة إلى تحديث ناقلاتها النفطيّة. وأضاف في "منتدى شرق آسيا" أنّ كوريا الجنوبيّة تخاف على سمعتها في إيران، حيث يمكن أن تخسر شركاتها الأولويّة في العمل داخل البلاد بعد رفع العقوبات. وتوقّع أن يقف التقدّم المحرز خلف الأبواب المغلقة مع الولايات المتحدة خلف قرار إيران بالإفراج عن طاقم السفينة.

 

أسلوب مشابه؟

نقلت "بلومبيرغ" عن الناطق باسم الحكومة الإيرانيّة علي ربيعي قوله الثلاثاء إنّ كوريا الجنوبيّة ستفرج عن هذا المبلغ كـ "خطوة أوليّة" في حلّ الخلاف بين الدولتين. وأعلنت إيران أنّها ستستخدم هذه الأصول لشراء الأدوية من أجل مواجهة جائحة "كورونا". لكن خلال التفاوض حول الإفراج عن الناقلة النفطية، قال مدير مكتب الرئيس الإيرانيّ محمود واعظي إنّ إيران رفضت عرض سيول بشأن شراء سيارات إسعاف بالأموال الإيرانيّة المجمّدة.

 

وقال ربيعي إنّ هنالك ما بين 7 إلى 10 مليارات دولار من الأموال النفطيّة المحتجزة في كوريا الجنوبيّة. كذلك، أوضح المتحدّث نفسه أنّ محادثات مشابهة تجري مع اليابان والعراق وسلطنة عمان من أجل الإفراج عن أصول إيرانيّة محتجزة في هذه الدول أيضاً. وهذا يطرح تساؤلات عمّا إذا كانت إيران ستعتمد أسلوباً مشابهاً مع هذه الدول في حال فشلت المحادثات، طالما أنّه يكاد يثبت نجاحه مع كوريا الجنوبيّة. والتساؤلات نفسها تُطرح عمّا إذا كانت إدارة بايدن ستعطي الضوء الأخضر للإفراج عن قسم من هذه الأموال.

 

قبول كوريّ جنوبيّ

سبق إعلانَ ربيعي لقاءٌ جرى يوم الاثنين بين حاكم البنك المركزيّ الإيرانيّ عبد الناصر همّتي وسفير كوريا الجنوبيّة في طهران يو جانغ هيان، بناء على طلب الأخير وفقاً لوكالة "فارس" للأنباء. وأعلن همّتي أيضاً أنّ بلاده ستدافع عن حقوقها إزاء "الأضرار التي نتجت عن عدم التعاون من قبل البنوك الكوريّة في السنوات الأخيرة". وقال السفير أيضاً إنّ حكومته مستعدّة لاتّخاذ أيّ إجراءات مطلوبة لتحويل "جميع أصول إيران في كوريا الجنوبيّة وإنّه لم يكن هنالك أي سقف أو قيود"، وفقاً للوكالة نفسها.

 

في حديث إلى صحيفة "نيويورك تايمس" عقب الإعلان عن إفراج الطاقم، قال فرهاد علوي، وهو شريك في "مجموعة أكريفيس القانونيّة"، إنّ هذا الأمر قد يكون إشارة إلى استعداد إيرانيّ لاستئناف المحادثات أو على الأقلّ تخفيف التوتّرات قليلاً وربّما فتح الباب أمام سيول للإفراج عن الأصول الإيرانيّة. وأضاف: "بشكل مشابه، لن أكون متفاجئاً إذا رفع الرئيس بايدن أو علّق بعض العقوبات الأقلّ حساسيّة أو ربّما بعض العقوبات الأكثر سياسيّة من حقبة ترامب خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة – أمر أكثر رمزيّة منه إلى الجوهريّ".

 

ملاحظتان

الملاحظة الأولى المستنتجة من كلام علوي، هي طريقة إيصال طهران رسائلها إلى واشنطن. فهي تقوم بالتصعيد ثمّ تخفّضه جزئيّاً على قاعدة أنّها تخفّف التوتّرات وتفسح المجال أمام الديبلوماسيّة مع الولايات المتّحدة. ترتبط الملاحظة الثانية بالحديث عن عدم إقدام إدارة بايدن على تنازلات جوهريّة. وهذا صحيح، إلى حدّ ما. فالصحيح أيضاً أنّ تنازلاتها الرمزيّة ذات طابع تراكميّ. فهي رفعت الحوثيين عن لائحة الإرهاب كما رفعت قيود السفر عن المسؤولين الإيرانيّين وسكتت عن الهجوم الإيرانيّ على قاعدتها العسكريّة في إربيل وعن هجوم الحوثيّين على مطار مدنيّ في السعوديّة. وسكتت أيضاً عن جميع الانتهاكات الإيرانيّة للاتّفاق النوويّ وآخرها عثور الوكالة الدولية للطاقة الذرية على جزئيات يورانيوم في منشأتين نوويّتين بعدما واجهت الوكالة عراقيل إيرانيّة أمام عمليّة التفتيش دامت سبعة أشهر.

 

هذه الإشارات، وغيرها الكثير، تعزّز فكرة أنّ استرضاء الإدارة لإيران لن يتوقّف عند هذا الحدّ. ولعلّ إعلان إيران عن توصّلها إلى اتّفاق مع الحكومة الكوريّة الجنوبيّة حول الإفراج عن أموالها دليل إضافيّ على ذلك – إن لم يكن دليلاً على تغيّر طبيعة هذه التنازلات. فالإفراج عن هذا المبلغ الماليّ الضخم يعني أنّ التنازلات الأميركيّة ستبدأ بالتحوّل تدريجيّاً من الرمزيّ إلى ما هو جوهريّ.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم