بِمَ تختلف تظاهرات 2022 في إيران عن تظاهرات 2019؟

تحوّلت مهسا أميني إلى رمز ثوريّ جديد في إيران. بعدما اتّهمت عائلة أميني شرطة الأخلاق بالتسبّب بمقتلها وانفجار الشارع عقب تشييعها، بدت السلطات في إيران عاجزة عن استيعاب الحدث. لم يجرؤ أحد على الدفاع عن "شرطة الأخلاق". وفي اتّصال هاتفيّ مع أهل أميني، قال الرئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي إنّه يعتبر الضحيّة كابنة له واعداً بإجراء التحقيقات. وأرسل المرشد الإيرانيّ علي خامنئي ممثلاً له كي يقدّم التعازي. لكنّ الشارع كان أسرع من محاولة امتصاص الصدمة. اندلعت التظاهرات في محافظة كردستان التي تحتضن بلدة سقز، مسقط رأس أميني، وتبعتها طهران، حيث كانت تنوي أن تبدأ دراستها الجامعية. بعد ذلك، انتشرت التظاهرات في نحو ثلاثين محافظة وهي لا تزال مستمّرة إلى اليوم.

 

اللهجة تنقلب

بدأت الأجواء في طهران تتحوّل من الاستيعاب إلى محاولة القمع. في تحذير إلى المتظاهرين، قال رئيسي الخميس إنّ هناك "حرية تعبير... لكنّ إعمال الفوضى غير مقبول". وخلال حديث في مؤتمر صحافيّ على هامش أعمال الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في نيويورك، ذكّر بأنّ التحقيقات مستمرّة في اغتيال أميني. ودعا الحرس الثوريّ السلطة القضائيّة إلى محاكمة "الذين ينشرون إشاعات وأخباراً مزيّفة". وتتحدّث التقارير عن بدء قطع شبكة الإنترنت في البلاد، كما عن قطع التيّار الكهربائيّ عن العاصمة طهران. يعيد ذلك إلى الذاكرة الطريقة التي أنهت بها السلطات الإيرانية احتجاجات 2019. بحسب وكالة "رويترز" تمّ قطع الإنترنت قبل بدء حملة قمع واسعة ضدّ المحتجّين انتهت بمقتل نحو 1500 شخص. ونقلت الوكالة عن مقرّبين من المرشد الأعلى طلبه من الأجهزة الأمنيّة في ذلك الوقت إنهاء التظاهرات مهما كلّف الأمر. وقالت الحكومة الإيرانيّة الخميس إن 17 شخصاً قتلوا من بينهم ضابطان أمنيّان منذ أن بدأت الاحتجاجات السبت الماضي بالتزامن مع تشييع أميني.

 

نقاط اختلاف

ثمّة فوارق في تظاهرات 2019 و2022 بحسب مراسل موقع "آسيا تايمس" للشأن الإيرانيّ كورش ضيابرى. الفرق الكبير بين تظاهرات 2019 والتظاهرات الحاليّة هو أنّ الأولى أطلقتها المظالم الاقتصاديّة والاستياء الشعبيّ من الظروف المعيشيّة والتضخّم الجامح وارتفاع أسعار الوقود. لكنّ الحركة الحاليّة مرتبطة بالحرّيّات المدنيّة والحقوق الاجتماعيّة. ويضيف ضيابرى في تعليق لـ"النهار": "خلال العقود الأربعة الماضية، كانت هنالك حالات محدودة لهكذا اضطرابات حيث نزل الناس إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم الثقافيّة والاجتماعيّة الأساسيّة".

من جهته، يرى الكاتب السياسي آراش عزيزي أنّ المرء سيجد صعوبة في العثور على إيرانيّ لم تُعتقل قريبة له بسبب ارتداء الحجاب بطريقة "غير ملائمة". وكتب في مجلّة "نيوزويك" أنّ شعار "الموت للديكتاتور" الموجّه ضدّ خامنئي عاد إلى التظاهرات، لكنّ شعاراً إيجابيّاً جديداً برز بين الهتافات وهو "نساء، حياة، حرّيّة".

 

إحراج

قد يحرج الحضور النسائيّ الطاغي في تظاهرات اليوم السلطات الإيرانية بشكل أكبر أمام الإعلام الغربيّ الذي بات أكثر اهتماماً بالقضايا "النسويّة". يمكن أن يكون الإحراج قد تمثّل برفض رئيسي دعوة الإعلاميّة في "سي أن أن" كريستيان أمانبور إلى مقابلته في اللحظات الأخيرة. غرّدت أمانبور موضحة أنّها كانت تنوي استضافة رئيسي لطرح أسئلة عليه بشأن الاحتجاجات، وقد استغرقت تحضيرات المقابلة نحو ثمانية أسابيع. وبعد أربعين دقيقة على الموعد المحدّد لبدء اللقاء، طلب مساعده أن ترتدي أمانبور الحجاب فرفضت بتهذيب مشيرة إلى أنّ أيّاً من الرؤساء الإيرانيين السابقين لم يتقدّم بهذا الطلب.

يتّفق أكثر من مراقب للشأن الإيرانيّ على أنّ التشدّد في فرض ارتداء الحجاب بـ"الشكل المناسب" ازداد أكثر في عهد حكومة رئيسي. هذا ما تعتقده أستاذة الدراسات الشرق أوسطية في جامعة تكساس ناهد صيام دوست. ضيابرى أيضاً ليس بعيداً من هذا المقاربة: "الناس غير راضين عن الإكراه الحكوميّ المتزايد للنساء في (قضيّة) الحجاب الإلزاميّ، وقرار رئيسي توسيع سلطات شرطة الأخلاق وتمويلها السخيّ لمبادرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

ومع أنّ الوفاة المأسويّة لمهسا أميني كانت حافزاً للاحتجاجات، يبقى أنّها ليست سببها الوحيد "لأنّ الناس كانوا يعبّرون عن استيائهم، غالباً عبر الإنترنت، لمضايقة النساء بسبب أسلوبهنّ في ارتداء الملابس السنة الماضية منذ مجيء رئيسي إلى السلطة"، وفقاً لضيابرى.

 

هتافات جديدة

لا شكّ في أنّ المشاركة الكثيفة للمرأة في تظاهرات اليوم دلالة لافتة إلى دور متعاظم للمرأة الإيرانيّة في النشاط السياسيّ. فالنساء الإيرانيّات أكثر تعلّماً من الرجال الإيرانيّين كمعدّل عام، وفقاً لعزيزي الذي أشار إلى أنّ نظام القمع الذي يتعرّضن له منقطع النظير.

علاوة على ذلك، يشير عزيزي إلى تعديل في بعض كلمات الهتافات بما يعبّر عن تحوّل في ذهنيّة المتظاهرين. ففي وقت ساد شعار "سأقتل الذين قتلوا شقيقي" خلال ثورة 1979، أصبح الشعار اليوم "سأقتل الذين قتلوا شقيقتي". وفي ذلك تأكيد على أنّ النساء يحصلن على دعم واسع من الرجال. والشعار يعني أيضاً أنّ كلّ امرأة تُقتل ليست مجرّد مواطنة إيرانيّة بل هي تجسيد لاحتمال أن تكون شقيقة أو قريبة أيّ إيرانيّ ضحيّة لأعمال القمع التي تمارسها السلطات وفقاً لما تقوله صيام دوست لموقع "الإذاعة الوطنية العامة". 

 

الأنظار موجّهة إليها

مدى قدرة طهران على مواصلة قمع تظاهرات تشكّل النساء عنصراً أساسيّاً فيها صعب التكهّن. من المتوقّع أن تحظى الحركة الاحتجاجيّة الحاليّة بالمزيد من إضاءة وسائل الإعلام الغربيّة المهتمّة كثيراً بالقضايا النسويّة في الوقت الراهن. من جهة، تحدّثت تقارير عدّة من بينها لـ"نيويورك تايمس" عن أنّ قسماً من المتشدّدين بدأ يطالب بإنهاء العنف كطريقة لفرض ارتداء الحجاب "بشكل ملائم"، على قاعدة أنّ ذلك يأتي بنتائج عكسية. من جهة أخرى، إنّ تسليط الضوء الغربيّ على هذه الاحتجاجات، أو حتى تشكيل النساء قسماً كبيراً من المتظاهرين ليساً شرطاً ضرورياً لتساهل الحكومة الإيرانية مع المحتجّين.

"من الصعب معرفة ما إذا كان الجهاز الأمنيّ سيقرّر أن يكون أكثر رحمة ويرفض ممارسة القمع بشدّة فقط لأنّ غالبيّة المتظاهرين من النساء"، يتابع ضيابرى. "من دون شكّ، إنّ اضطرابات الإنترنت التي تمنع اتّصال الناس بأحبّائهم وتعطّل قدراتهم على الوصول إلى الأخبار والمعلومات هي انتهاك لحقوق الإنسان وتكتيك يجب أن يتمّ التوقّف عن استخدامه".

ويختم تعليقه لـ"النهار" مشيراً إلى أنّ الإيرانيّات أصبحن تحت "ضغط نفسيّ متزايد" بسبب ممارسات شرطة الأخلاق. ومفهوم الحجاب هو "أحد ضحايا نهج الحكومة المضلّل الذي يجعل المزيد من الشبان عدوانيّاً ضدّ التقليد الدينيّ".