الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لوبن "لم تعد" يمينية متطرفة... أم لم تكن أصلاً كذلك؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ملصق يصوّر امرأة محجبة فوق صورة للمرشحة إلى الرئاسة الفرنسية مارين لوبن في باريس  (21 نيسان 2022 - أ ف ب).
ملصق يصوّر امرأة محجبة فوق صورة للمرشحة إلى الرئاسة الفرنسية مارين لوبن في باريس (21 نيسان 2022 - أ ف ب).
A+ A-

ترفض المرشحة إلى الرئاسة الفرنسية مارين لوبن تصنيفها في خانة "اليمين المتطرف". حاولت لوبن نزع هذه الصبغة عنها خلال الفترة الماضية. علاوة على ذلك، هي لا تصنّف نفسها في خانة اليمين التقليديّ أساساً. فلوبن ترفض هذا الانقسام السياسي الفكري الذي نشأ في فرنسا نفسها: يمين/يسار.

 

باتت لوبن، كما غيرها من الشعبويين في الغرب، تستخدم عنواناً جديداً للصراع السياسي: وطنيّ/عولميّ (globalist). فالعولميّون أو مناصرو العولمة هم، بحسب تعريف أقصى اليمين (واليسار)، نخب "منفصلة" عن مصالح شعوبها ومهتمّة بإسقاط الحواجز والحدود بين الدول لتحرير حركة التجارة والاستثمارات بغية تعزيز مصالحها الخاصة. هذا هو العنوان السياسي الجديد الذي تركّز عليه لوبن في حملتها الانتخابية. مع ذلك، يرى البعض أنّ جذور هذا التوصيف قديمة جداً.

 

في جميع الأحوال، تنقل لوبن بطريقة غير مباشرة المعركة إلى ميدان الخصوم عبر استخدام هذا العنوان: متّهِموها بالتطرف هم المتّهَمون بازدراء مصالح الفئات الأكثر تعرضاً للتهميش. تسهّل شخصيّة وبعض سياسات الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون مهمة لوبن إلى حد ما. هو الشخص الذي ألغى الضريبة على الثروة والذي يريد رفع سنّ التقاعد من 62 إلى 64 أو 65 عاماً. كما كان الرئيس المسؤول عن رفع سعر صفيحة الوقود وهو القرار الذي أطلق شرارة "السترات الصفر".

 

صعوبة التصنيف... ومفاجأة

يمكن الاصطدام بصعوبات كثيرة في تأطير البرامج السياسية ضمن التصنيف التقليديّ للانقسامات الفكرية. على سبيل المثال، حتى بالنسبة إلى "رئيسٍ للأثرياء"، اللقب الذي يطلقه البعض على الرئيس الفرنسي، لا يمكن تجاهل إنجاز لافت حقّقه، وهو خفض نسبة البطالة في فرنسا. هذا الهدف مشترك بين مرشّحي اليمين واليسار حول العالم وهو أحد الأدلّة على أنّ الخطّ الفاصل أساساً بين اليمين واليسار ضبابيّ في أحيان كثيرة. يدفع ذلك المراقبين إلى تجزئة البرنامج لتسهيل التصنيف. بهذه الطريقة، قد لا يكون تصنيف لوبن في خانة اليمين المتطرف أمراً دقيقاً. ليس بالنسبة إلى الجميع على الأقلّ.

إنّ إلقاء نظرة على تقريرٍ تحليليّ عرضته "سكاي نيوز" البريطانية يطرح نتائج مغايرة للتصوّرات العامّة، وربّما بشكل مفاجئ. استند التحليل إلى معلومات من "مركز برلين للعلوم الاجتماعية" درست البيانات السياسية لأحد عشر حزباً من بينها "التجمع الوطني". وقامت المقارنة على أساس أنّ تأييد الضرائب المرتفعة ودعم توسيع الحكومات يعدّان من البرامج اليسارية وأنّ تأييد تدخّل حكوميّ أقلّ وحماية القيم التقليدية يعدّان من البرامج اليمينية. بحسب النتائج، تبيّن أنّ حزب "المحافظين" في بريطانيا ودونالد ترامب أكثر يمينية من لوبن.

ضمن نطاق يتراوح بين ناقص خمسين (يسار متطرف) وزائد خمسين (يمين متطرف)، حقّق المحافظون بقيادة بوريس جونسون +6 ودونالد ترامب (2020) +33 وحتى باراك أوباما (2008) +11. أمّا مارين لوبن فحقّقت +2 (2017). وهذا يعني أنّها قريبة جداً من سياسات الوسط.

تفسير ذلك بحسب التقرير نفسه أنّ لوبن في سياساتها (أو وعودها) الاقتصادية (توسيع دولة الرعاية، إعفاءات ضريبية، قروض إسكانية بلا فائدة لبعض الفئات) هي يسارية. لكن في السياسات الاجتماعية والثقافية هي يمينية إلى حد كبير. مع جمع هذه السياسات، تصبح لوبن "كمرشحة وسطية لا تختلف كثيراً عن السيد ماكرون".

 

عوامل مساعدة

للتذكير، حصدت لوبن هذه النقاط في 2017، أي حتى قبل أن تبذل جهداً في تخفيف صورتها كيمينية متطرفة. يكمن الفارق بين 2017 و2022 هو حدّة التركيز على القضايا الاجتماعية. عوامل عدّة ساعدت لوبن في جهدها. أوّلاً، لم يعد ماكرون الرئيس الآتي "من خارج المؤسّسة" بل أصبح من صلبها وفي موقف المدافع عن إنجازاته/إخفاقاته في الولاية الأولى. ثانياً، لا يختلف كثر على أنّ بروز إريك زيمور ببرنامجه القوميّ جعل لوبن تبدو معتدلة نسبياً. ثالثاً، ومع انعكاس الحرب على أوكرانيا ارتفاعاً في كلفة المعيشة الفرنسية، تقدّمت الأولوية الاقتصادية على ما عداها من القضايا، موفّرة فرصة شبه مثالية للوبن كي تحقّق انطلاقتها.

ليست قليلة التقارير التي تتحدّث عن أشخاص صوّتوا لليسار (بما فيه الراديكاليّ) في مرات سابقة قبل أن يعلنوا نيّتهم التصويت للوبن في هذه الدورة. من البديهيّ عدم أخذ تلك التقارير على أنّها استطلاعات رأي أو توجّهات عامة حتى. لكنّ إعراب بعض من ينضوون تحت راية اليسار عن رغبة بالتصويت لليمين المتطرّف، بالرغم من وجود خيار وسطيّ متمثّل بماكرون، أمرٌ يستحقّ التوقّف عنده.

يمكن إرجاع ذلك إلى أنّ البرنامج الاقتصادي للوبن هو فعلاً برنامج يساريّ. أمّا وعودها الانتخابية بشأن الإسلام والمهاجرين فقد لا تثير قلق هؤلاء، إمّا لأنّها بالتحديد متطرّفة ويصعب أن تلتزم بها حين تصل إلى السلطة، وإمّا لأنّ أولويّات هذه الفئة واضحة وتتمثّل بالهمّ المعيشيّ أوّلاً بصرف النظر عن احتمالات نجاحها في تطبيق الوعود القوميّة.

في جميع الأحوال، قلّة من المراقبين ترى أنّ لوبن تغيّرت في ما يخصّ القضايا التي تشكّل محور برامج اليمين المتطرف (الهويّة والدين). أمّا بالنسبة إلى المسائل الاقتصادية والاجتماعية، فليس هنالك ما يبرهن اعتناق لوبن قضايا الطبقة العاملة بشكل أكيد. قد تشكّل وعودها في هذا الصدد قناعة راسخة لديها، أو مجرّد أداة لجذب الناخبين من اليسار. الطريقة الوحيدة التي تخوّل المراقبين معرفة ذلك بشكل مؤكّد هي وصولها إلى الرئاسة... وهو أصلاً احتمال يخيف قسماً كبيراً منهم.

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم