الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بريطانيا... لم ولن تكون أوروبية

المصدر: "النهار"
بريطانيون مؤيدون لخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي ويحملون لافتات تدعو إحداها إلى "جعل بريطانيا عظيمة ثانية" - "أ ب"
بريطانيون مؤيدون لخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي ويحملون لافتات تدعو إحداها إلى "جعل بريطانيا عظيمة ثانية" - "أ ب"
A+ A-
عدّد المؤرّخ البريطانيّ روبرت تومبس أسباباً كثيرة تجعل البريطانيّين يشعرون بأنّهم لا ينتمون إلى أوروبا، منها ما هو تاريخيّ، جغرافيّ، سياسيّ وحتى تجاريّ.

وكتب في صحيفة "ذا دايلي تيليغراف" أنّ البريطانيّين، كسكّان جزيرة، لم يشعروا بالمخاوف الوجودية حول "هويتهم" أو حول حدودهم. لكنّ فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولونيا والمجر اختبرت خلافات حدودية أو تغييرات إقليمية في زمن ليس ببعيد.

هذا ما فكّر به الآباء المؤسّسون للمشروع الأوروبّي الذين برز بينهم أشخاص من الأراضي الحدودية وقد أرادوا إنهاء ذلك الكابوس. لا يمكن هذا الأمر أن يكون انشغالاً بريطانياً غريزياً وفقاً للمؤرّخ. كذلك، ليس بإمكان البريطانيين مطلقاً أن يكونوا في قلب "هذه الـ‘أوروبا‘" التي تمتلك مهمّة شبه دينيّة بتحويل القوميّات القديمة إلى مشروع أوروبّيّ اصطناعيّ يوصف بأنّه حميد.

يشير تومبس إلى أنّ القرن العشرين يعلّم القارئين درساً مختلفاً وهو أنّ الدولة (-الأمّة) الديموقراطيّة هي حصن الحضارة الأوروبّيّة، لا عدوّتها. ويذكر أنّ "أوروبا" هي "هناك"، لا "هنا"، حتى بالنسبة إلى أحرص البريطانيّين على الانضمام إلى ذلك المشروع. هم يتحدّثون عنها على أنّها مكان مختلف يتمنّون أن يصبحوا جزءاً منه.

واصل الكاتب نفسه الحديث عن كيفيّة تميّز التاريخ البريطانيّ بشبه انفصال في علاقته مع أوروبا. كانت لدى بريطانيا علاقات متبدّلة مع أجزاء مختلفة من القارّة، بحيث يصعب قول أيّ من هذه الأجزاء هو الأقرب إلى قلوب البريطانيّين. أتت المسيحيّة إلى بريطانيا من روما. لاحقاً أصبحت البلاد مستعمرة جنوبية للدول الاسكندينافية الوثنية. واللغة البريطانية هي جرمانيّة.

مرّت بريطانيا في علاقة تحوّليّة مع فرنسا طوال أربعة قرون. كانت لبريطانيا أيضاً علاقة أمنية واقتصادية طويلة مع هولندا، حيث كان للدولتين حاكم واحد لبعض الوقت. وفي القرن الثامن عشر أصبحت بريطانية قوة في ألمانيا.
ذكر المؤرّخ أنّ بريطانيا كانت حليفاً وعدواً لكل دولة كبيرة في القارة. لم يتمّ إغراؤها أو إجبارها على التحالف مع القوّة المهيمنة في أوروبا لتقاسم مغانم السيطرة على القارة.
 
وإذا كانت الهوية الوطنية مهمة فالأميال العشرون التي فصلتها عن أوروبا احتلت المستوى نفسه من الأهمية. والعلاقات العابرة للمحيطات وفّرت الموارد لمواجهة التهديدات القارية ولتأسيس "توازن قوّة". وقد جذب إغراء الفرص الخارجية البريطانيين بعيداً من الطموحات القارية.

بريطانيا كانت الدولة الأوروبية البارزة الوحيدة التي لم تتحالف أو تلتحق بنابوليون أو هتلر، لكنّها قررت مقاومتهما حتى حين بدا أنّ النضال ميئوس منه. في أواسط القرن التاسع عشر، لم تبذل بريطانيا جهداً كبيراً لرسم توحيد إيطاليا، ولم تبالِ كثيراً بتحويل بيسمراك الدول الألمانية الصغيرة إلى إمبراطورية كبيرة.

لم تكن بريطانيا قوة عظمى قط، بل قوة متوسطة. بذلت أحياناً جهداً عسكرياً أكبر من حجمها من دون أن تدخل الحلبة على الإطلاق طالما أنّها تمكّنت من تفاديها. أطلق بيسمارك طرفة قائلاً إنّه إذا وصل الجيش البريطاني إلى ألمانيا فسيضطر إلى اعتقاله. وقال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بنجامين دزرائيلي إنّ بريطانيا كانت أقرب إلى قوة آسيوية منها إلى قوة أوروبية.

أضاف المؤرّخ أنّ ملايين البريطانيين الذين هاجروا خلال العقدين الماضيين بحثاً عن حياة أفضل لم يتوجّهوا إلى القارة الأوروبية بل ذهبوا إلى الدول الناطقة بالإنكليزية. اليوم، يعيش البريطانيون في الفضاء الإنكليزي بعدد يوازي ضعفين ونصف أولئك الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي. والأقليات الإثنية البريطانية الأساسية هي من دول الكومنولث. وطوال عشرين عاماً، كانت التجارة البريطانية تبتعد باطّراد عن القارّة.

تظهر استطلاعات الرأي أنّ وجهات نظر البريطانيين لا تختلف كثيراً عن جيرانهم القارّيّين، أي إمّا أنّها غير متحمّسة، أو أسوأ من ذلك. الفارق هو أنّ الجيران لا يملكون خياراً سوى البقاء أعضاء في المشروع الأوروبي. تضاف إلى ذلك الحسابات الاقتصادية والمشاعر الغريزية التي تنبع من الجغرافيا والتاريخ.

يستشهد المؤرّخ بكلام الرئيس الفرنسيّ شارل ديغول حين استخدم حقّ النقض امام دخول بريطانيا المجتمع الأوروبي الاقتصاديّ واصفاً إياهم بأنهم عالميّون للغاية: "جزيرة، كثيرة الإبحار، مرتبطة، بتجارتها، أسواقها، إمداداتها الغذائيّة، بأكثر الدول تنوّعاً وغالباً أكثرها بعداً".

يعلّق تومبس على كلام ديغول كاتباً: "لقد لزمنا الأمر نصف قرن لإدراك أنّه كان محقّاً، والسير أخيراً بما تمليه عاداتنا".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم