السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

أوكرانيا على مشارف مرحلة جديدة من الحرب؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الدمار الهائل في العاصمة الأوكرانة كييف (أ ف ب).
الدمار الهائل في العاصمة الأوكرانة كييف (أ ف ب).
A+ A-

"نحن نرى جيش دولة ينهار". لو قال أحد المحلّلين العسكريّين هذا الكلام في الأيام الأولى للحرب الروسيّة على أوكرانيا، لكان بإمكان المستمع تخيّل أنّ الحديث يدور عن الجيش الأوكرانيّ. لكن بعد قرابة شهر واحد على انطلاق الغزو، لم يعد مستغرباً أن يكون الجيش الروسيّ هو المقصود بهذا الكلام الصادر عن الأستاذ في جامعة كنتاكي والباحث في شؤون القوّات الجوّيّة روبرت فارلي.

 

مع ذلك، لا يزال قسم كبير من الخبراء العسكريين يتفادى إصدار أحكام نهائية بشأن هوية المنتصر في الحرب الروسية على أوكرانيا. لكن في هذه الأثناء، يبدو أنّ الأوكرانيين متفائلون بانتصار قواتهم على الجيش الروسي. أجرت "رايتينغ غروب" وهي مجموعة أبحاث محلية استطلاع رأي نشرت نتائجه في 18 مارس وجد أنّ 93% من الأوكرانيين (خارج القرم ودونباس اللتين لم يشملهما المسح) يعتقدون أنّ بلادهم ستفوز بالحرب ضد روسيا. وأمل نصف المستطلعين أن ينتهي النزاع خلال الأسابيع القليلة الماضية بينما اعتقد ربعهم أنّه سيستمر لأشهر عدة.

 

تبدو معنويّات الأوكرانيين مرتفعة بفعل تمكّن قوّاتهم من صدّ التقدّم الروسيّ أو إبطائه إلى حدّ كبير في غالبيّة محاور النزاع. حتى أنّها تمكّنت في الأيام القليلة الماضية من شنّ هجمات معاكسة ضدّ الجيش الروسيّ كما حصل منذ يومين بالقرب من كييف (إيربين وهوستوميل) كما بالقرب من خاركيف الأسبوع الماضي. ورفض 89% من الأوكرانيين القبول بهدنة موقتة لا تتضمّن انسحاباً روسياً من الأراضي الأوكرانية.

 

لا تزال مسارات الحرب قيد التحليل من دون التوصّل إلى نتائج حاسمة، وهو أمر مفهوم بالنظر إلى ضبابيّة الحروب. لكن في وقت كان الغرب يتوقّع سقوط كييف في أربعة أيام، على أن تبدأ لاحقاً حركات التمرّد لإجبار الروس على خوض حروب استنزافية طويلة، يبدو أنّ كييف في طريقها إلى الصمود أربعة أسابيع بدلاً من أربعة أيّام، إن لم يكن أكثر.

 

لماذا أخفقت روسيا؟

من أسباب الإخفاق الروسيّ في تحقيق انتصار سريع، توقّعات القيادتين السياسية والعسكرية بانهيار القوات المدافعة بمجرّد دخول الجيش الروسيّ الأراضي الأوكرانية. ثمّة سرديّة في أروقة الكرملين تقول إنّ أوكرانيا لم تكن قطّ دولة بالمعنى الكامل للكلمة، بالتالي، ستتفكّك حكومتها بمجرّد دخول القوّات الروسيّة الأراضي الأوكرانيّة بينما يستقبل الأوكرانيّون الروس بـ"أذرع مفتوحة". لم يحصل ذلك. حتى المدن الناطقة إلى حدّ كبير بالروسيّة (خاركيف مثلاً) أبدت مقاومة شرسة للروس، أو اعترضت سلمياً على وجودهم بعدما دخلوها مثل خيرسون.  

 

من ناحية ثانية، أشارت تقارير إلى أنّ الجيش الروسيّ لم يوضع في أجواء الاجتياح إلّا قبل ساعات على إعلان الغزو الأمر الذي قلّل من استعداداته النفسيّة لخوض المعارك. كما غاب التنسيق بين القوات الجوية والبرية ممّا أبطأ التقدّم وعرّض القوات الروسيّة للغارات الجوية الأوكرانية. أضيفت إلى ذلك عوامل أخرى مثل الفساد الذي تبيّن جانب منه في غياب الصيانة للآليّات الحربيّة الروسيّة ومثل غياب الخبرة القتاليّة إذ لم يخض الجيش الروسيّ حرباً برّيّة بهذا الحجم منذ الحرب العالمية الثانية. بالمقابل، خضع الجيش الأوكرانيّ لتدريبات مكثّفة على يد قوّات أميركيّة خاصّة كما قوّات أطلسيّة فشهد تطوّراً كبيراً على صعيد قدراته القتاليّة منذ 2014 وحتى اليوم.  

 

لا تؤكّد كل هذه الوقائع انتصار الجيش الأوكرانيّ في نهاية المطاف. لكن ما كان مجرّد فكرة خياليّة في 24 فبراير (شباط) الماضي أصبح فكرة غير بعيدة جداً من التبلور اليوم.

ويرى اللفتنانت-جنرال المتقاعد بن هودجز أنّ الروس يعانون من مشاكل كبيرة في تأمين الذخائر والمقاتلين الأمر الذي يصعّب عليهم خوض معركة طويلة: "قال البنتاغون إنّ 50% من القوة القتالية الروسية أرسِلت إلى أوكرانيا. في ذروة حربينا في العراق وأفغانستان، كنّا ألزمنا قرابة 29% (من قوّتنا القتالية). وكان يصعب استدامة ذلك".

 

ووجد تقييم استخباريّ الأسبوع الماضي أنّ روسيا فقدت أكثر من 10% من قوّتها الغازية الأساسية الأمر الذي ينذر بالأسوأ للروس وفقاً لأستاذ الدراسات الاستارتيجية في جامعة سانت أندروز فيليب أوبراين: "بمجرّد أن يصلوا إلى ما دون 75% من المفترض أن تنخفض فاعليّتهم الإجماليّة... إذا لم يرسل الروس قوات جديدة مدرّبة بشكل جيّد في القريب العاجل فإنّ استراتيجيّتهم بأكملها تبدو بلا جدوى".

 

منعطف... و"خطّة باء"

يعتقد اللواء المتقاعد ميك رايان أنّ ذروة العمليّات العسكريّة الروسيّة بلغت أو ستبلغ ذروتها قريباً. تعني الذروة الوصول إلى "نقطة تعدّ فيها مواصلة الهجوم غير ممكنة وحيث على القوّة دراسة ما إذا كان ينبغي العودة إلى موقع دفاعيّ أو محاولة وقف العمليّة". هذا لا يعني نهاية الحرب، بل فقط وقف العمليّات العسكريّة التي قد تمكّن بوتين من إعادة تقييم التقدّم العسكريّ والموارد المخصّصة له وقد تعني إقفال جبهة في الجنوب أو الشرق لتعزيز الشمال.

بالفعل، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين كبار في الإدارة الأميركيّة اعتقادهم أنّ روسيا انتقلت إلى "الخطة باء" بعد فشل المرحلة الأولى من حربها فباتت تريد إجبار كييف على القبول بسيطرتها على الأراضي التي احتلّتها في جنوب وشرق البلاد. في الوقت نفسه، ومع استمرار القصف الروسي على المدن الأوكرانيّة، يرى الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين أنّ ذلك سيدفع نظيره الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي إلى التخلّي عن طموحاته بالانضمام إلى الغرب ويوافق على اعتناق بلاده الحياد. ولفت خبراء للصحيفة نفسها النظر إلى أنّ الهدف الروسيّ لم يتغيّر بل فقط التكتيكات: من محاولة الاقتحام إلى القصف والحصار.

وهذا ما كتبه رايان بعبارة أخرى: "الاستنزاف عن بعد". لكنّ هذا الاستنزاف قد لا يقتصر على القصف بالأسلحة التقليديّة بل يمكن أن يتضمّن استخدام أسلحة نووية تكتيكية أو بيولوجية أو كيميائيّة أو إشعاعيّة بحسب رأيه.

إن كانت أوكرانيا قد استطاعت إدهاش العالم بقدرتها على الصمود وتفادي انهيار سريع توقّعته الغالبيّة الساحقة من المراقبين فهذا لا يعني بالضرورة أنّ الأسوأ بات خلف الأوكرانيّين. أمهلت روسيا الأحد أوكرانيا حتى صباح الاثنين لتسليم ماريوبول. رفضت كييف الطلب. ليس واضحاً ما إذا كان مصير المدينة سيشكّل لمحة عن "الخطة باء" المحتملة.

 
*نُقل عن "النهار العربي"

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم