الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

سياسة بايدن الخارجيّة... أوباميّة أم كلينتونيّة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي جو بايدن - "أ ب"
الرئيس الأميركي جو بايدن - "أ ب"
A+ A-

في 13 شباط الحالي، تساءل الكاتب السياسي في صحيفة "واشنطن بوست" فريد زكريا عن سبب التلكّؤ الكبير الذي أبداه فريق بايدن إزاء إطلاق المفاوضات النوويّة مع إيران. بعكس الأجندة الداخليّة "الطموحة" للإدارة، اتّخذت الأخيرة مقاربة "متردّدة، خجولة ومركّزة بشكل استباقيّ على تهدئة منتقديها الجمهوريّين".

 

ألا يؤمنون بإنجازاتهم؟

أضاف الكاتب أنّ فريق بايدن لم يبدِ "شهيّة" كبيرة لإجراء انعطافات كبيرة في السياسات تجاه الصين وكوبا وإيران ولا يبدو أيضاً عازماً على إعادة تنفيذ سياسات أوباما التي تراجع عنها ترامب مثل الاتّفاق النوويّ. ولأنّ معظم فريق بايدن خدم في إدارة أوباما وساهم في بلورة الأهداف التي حقّقتها الإدارة الديموقراطيّة السابقة، سأل زكريا: "ألا يؤمن هؤلاء بإنجازاتهم الخاصّة؟"

 

كتب زكريا مقاله حين كانت كلّ الأجواء توحي بأنّه، في ما يخصّ الاتّفاق النوويّ على الأقلّ، لم يكن بالإمكان توقّع أيّ تحرّك مبادِر من الإدارة. بدأ المسؤولون الذين عيّنهم بايدن بتطمين الكونغرس عن أنّ العودة إلى الاتّفاق النوويّ ستستغرق وقتاً طويلاً. هذا ما قاله وزير الخارجيّة أنطوني بلينكن ومديرة وكالة الاستخبارات القومية أفريل هينز أمام لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشيوخ الشهر الماضي.

 

السؤال عمّا إذا كانت إدارة بايدن ستشكّل امتداداً لإدارة أوباما نوقش كثيراً في الإعلام، ليس لأنّ بايدن كان نائباً لأوباما وحسب بل الأهمّ لأنّ فريقي الرئيسين الديموقراطيّين شبه متطابقين. ويمكن ملاحظة ذلك بدءاً من وزارتي الدفاع والخارجية مروراً بمجلس الأمن القوميّ وصولاً إلى الوكالات الاستخباريّة. بحسب هذه النظرة، الشخصيّات نفسها ستعتمد السياسات نفسها. لكن لا يوافق الجميع على هذا التحليل.

 

اختلافات

الممثّل السابق الخاص لشؤون فنزويلا وإيران في ولاية ترامب إليوت أبرامز رأى في صحيفة "ذا هيل" أنّ هنالك أكثر من فارق أساسيّ بين المرحلتين. يستشهد أبرامز بكلام الديبلوماسيّ الأميركيّ السابق دانيال فرايد عن أنّ مركز ثقل هذا الفريق أكثر قرباً من أوروبا والقيم الديموقراطيّة. وتعلّم هذا الفريق من تجاربه السابقة في الشرق الأوسط: الحجّة التي تقول إنّ التواصل مع الأنظمة العدوّة يمكن أن تدفعها إلى التخفيف من عدوانيّتها وتتّجه صوب الليبيراليّة، كما حصل مع إيران وكوبا وبورما، أثبتت فشلها.

 

ثمّة فارق آخر أشار إليه أبرامز: الرئيس. أخطاء إدارة أوباما يتحمّلها أوباما لا فريقه. ويضيف أنّ بلينكن عارض عدم تدخّل رئيسه في سوريا، وأنّ أوباما رفض نصيحة وزير الدفاع الحاليّ والقائد السابق للقيادة المركزية الأميركيّة لويد أوستين حول الطريقة الفضلى لمحاربة داعش. بحسب الديبلوماسيّ السابق، كان أوباما الشخصيّة المهيمنة في السياسة الخارجية ولم يختر مستشاراً مقرّباً منه طوال ولايتيه الرئاسيّتين. إنّ فكرة قيام رئيس بزيارة "باسمة" إلى كوبا وتقديم جميع التنازلات من دون أي مقابل لم تكن ناتجة عن عمل مشترك بين الوكالات بل عن توجّه أوباما نفسه. لهذا السبب، توقّع أبرامز عودة فريق بايدن إلى ما قبل سياسات أوباما أي إلى "الوسطيّة الكلينتونيّة" المهتمّة أكثر بالتحالف مع الأوروبّيّين والترويج للقيم الديموقراطيّة.

 

انفتاح تحت الضغط

تفصل المراقبين أشهر طويلة عن معرفة ما إذا كان أبرامز محقّاً في ترجيحاته. لكن أقلّه في الشأن الإيرانيّ، وبما يمكن استخلاصه لغاية اليوم من الخطوات الأميركيّة تجاه طهران، يبدو أنّ فريق بايدن لا يزال "أوباميّ" التوجّه. وهذا ما تظهّر حين قبلت واشنطن الخميس بالعودة إلى طاولة التفاوض مع الإيرانيّين. لا يتوافق هذا القبول مع ما قاله بلينكن وهينز عن بعد فترة العودة إلى التفاوض. يعيد هذا التطوّر المراقبين إلى تحليل زكريّا. ما أراده فريق بايدن هو تمرير الوقت وتهدئة الجمهوريّين. فالإدارة بحاجة إليهم لتمرير مشروع التحفيز البالغة قيمته حوالي تريليوني دولار لمواجهة جائحة "كورونا" إضافة إلى مشاريع أخرى في البنية التحتيّة. وبات بإمكان الكاتب السياسيّ نفسه أن يتأكّد من أنّ مستشاري بايدن "يؤمنون بإنجازاتهم الخاصّة"، ربّما مع بعض التعديل.

 

ما تحدّث عنه الديبلوماسيّ دانيال فرايد من أنّ فريق بايدن "لُدغ" من التجارب في الشرق الأوسط ليس مؤكّداً. لقد اختارت الإدارة إعلان العودة إلى المفاوضات تحت الضغوط الإيرانيّة. تعرّضت قاعدة عسكريّة أميركيّة لقصف صاروخيّ الاثنين الماضي تبنّته مجموعة باسم "سرايا أولياء الدم". بصرف النظر عمّا إذا كانت "السرايا" تابعة لإيران أم مستقلّة عنها، لم تنتظر واشنطن نتائج التحقيق لمعرفة ما إذا كانت طهران متورّطة. يبدو أنّ هذا التورّط لا يدخل في معادلة تفاوضها مع الإيرانيّين. واكتفت الخارجيّة الأميركيّة ببيان أعلنت فيه "غضبها" ممّا حدث.

 

في الوقت نفسه، تُواصل إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% في منشأة فوردو وتنتج المعدن نفسه الذي يدخل في صناعة الرؤوس النوويّة كما تقوم بتفعيل مراكز طرد متطوّرة، وتهدّد بتقييد التفتيش الأمميّ الذي يتمّ التبليغ عنه قبل فترة زمنيّة قصيرة. في مقابل كلّ هذه الخطوات، قدّم فريق بايدن مبادرات كثيرة مثل سحب "آليّة الزناد" الذي تقدّمت به الإدارة السابقة إلى الأمم المتّحدة ورفع القيود عن الديبلوماسيّين الإيرانيّين بالتوجّه إلى نيويورك ورفع الحوثيّين عن لائحة الإرهاب.

 

"استنتاج مفروغ منه"

في حديث إلى مجلّة "فورين بوليسي"، قال مسؤول بارز في إدارة بايدن إنّ الولايات المتحدة كانت تبحث عن "حلول خلّاقة مختلفة" لمساعدة الاقتصاد الإيرانيّ، بما فيها قروض محتملة لصندوق النقد الدوليّ وأساليب أخرى لضخّ السيولة.

 

كلّ هذه الخطوات تظهر أنّ فريق بايدن للشؤون الخارجيّة أقرب إلى التوجّه "الأوباميّ" منه إلى التوجّه "الكلينتونيّ". والوقت كفيل بتأكيد هذه النظريّة بحسب البعض. يقول  الخبير في شؤون الشرق الأوسط رويل مارك غيركت للمجلّة نفسها: "هو استنتاج مفروغ منه أن تَضعف إدارة بايدن أوّلاً (أمام طهران) وأنّ العقوبات ستُرفع بطريقة غير متناسبة بينما تظل إيران في انتهاك بارز لمعاهدة حظر الانتشار النووي، ناهيكم عن خطة العمل الشاملة المشتركة".

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم