الأربعاء - 17 نيسان 2024

إعلان

بعد أزمة "أس-400"... تركيا أمام أزمة "أف-16"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
القوات الجويّة لتركيّا تواجه مشكلة - "أ ب"
القوات الجويّة لتركيّا تواجه مشكلة - "أ ب"
A+ A-

لا تزال أزمة شراء تركيا منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية "أس-400" تعيق أيّ إمكانيّة للتقدّم على مستوى العلاقات الأميركية - التركية. في السنوات الأخيرة، ازدادت الصعوبة في إمكانيّة الفصل بين السياسيّ والعسكريّ على مستوى تلك العلاقات. تعيد أنقرة جوهر أزمة "أس-400" إلى رفض واشنطن نقل التكنولوجيا إليها في حال أرادت شراء منظومة "باتريوت" الأميركية. لكنّها تضيف إلى ذلك جملة أسباب سياسية من بينها رفض الأميركيين الوقوف إلى جانب تركيا في أوقات "حرجة"، كما حين تعرّض الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان إلى محاولة انقلاب في 2016، أو في تحالف واشنطن مع المقاتلين الأكراد في سوريا.

 

سقطت الحصانة... هل قبلت الخسارة؟

حذّرت الولايات المتحدة تركيا لفترة طويلة من عواقب هذه الصفقة قبل أن تتحرّك في أواسط 2019. حينها، علّقت واشنطن أنقرة من "كونسورتيوم" دوليّ لبناء مقاتلات "أف-35"، كما ألغت عقداً لشراء أنقرة حوالى 100 مقاتلة من هذا الطراز. جاء ذلك في وقت كان الطيّارون الأتراك يجرون تدريبات على هذه الطائرات في قاعدة عسكرية بفلوريدا. مع ذلك، لا يمكن إنكار أنّ الرئيس التركيّ نجح نسبياً بكسب الوقت، مستغلّاً وجود رئيس كدونالد ترامب الذي كان يكنّ له الودّ، ويكنّ خصومة شديدة لسلفه أوباما في آن.

فقد اتّهم الرئيس السابق سلفه بعدم رغبته ببيع صواريخ "باتريوت" إلى أنقرة ممّا تسبّب بأزمة "أس-400". ووقف ترامب طويلاً في وجه الكونغرس الذي طالب بفرض عقوبات بموجب "كاتسا" (قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات)، لكنّ الحصانة التي تمتّعت بها أنقرة تجاه القانون انهارت قبل مغادرة ترامب الرئاسة. ففي كانون الأول 2020، رضت إدارة ترامب عقوبات بموجب هذا القانون على تركيا، وقد شملت حظر جميع تراخيص التصدير وتجميد الأصول وتقييد التأشيرات على رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية إسماعيل دمير.

وكانت واشنطن قد عرضت على أنقرة في 2019 شراء صواريخ "باتريوت" في مقابل عدم تشغيل منظومة "أس-400" لكن من دون جدوى. ذهبت تركيا بعيداً في تحدّي الولايات المتحدة حتى اختبرت المنظومة الروسية في تشرين الأول 2020. كان ذلك على الأرجح الدافع وراء فرض ترامب عقوبات بموجب "كاتسا" على تركيا.

لكنّ القوة العسكرية التركية لا تستطيع الاكتفاء بمنظومات أرض - جو الدفاعية. حين يتعلّق الموضوع بالقوة الجوية، تواجه تركيا أزمة ثانية متفرّعة عن "أس-400". ولا يعني التفرّع أنّ الأزمة الثانية أقلّ حجماً من الأولى. خسرت تركيا مقاتلات "أف-35" ويبدو أنّها قبلت بنهائية هذه الخسارة. لهذا السبب، هي تسعى إلى رفد أسطولها الجوي بالمزيد من مقاتلات "أف-16". والعوائق أمام ذلك متنوّعة.

 

تركيا تفاوض بلا نفوذ؟

يوم الأحد، كشف إردوغان أنّ الولايات المتحدة عرضت على بلاده شراء طائرات "أف-16" مقابل خسارة استثماراتها في برنامج "أف-35". وكانت أنقرة قد دفعت مسبقاً 1.4 مليار دولار. لكن للكونغرس الكلمة الفصل في هذا السياق. وإذا كانت الإدارة الحالية برئاسة جو بايدن مرتابة من السلوك التركي ككلّ، فالكونغرس بحزبيه يحمل ارتياباً أكبر. لذلك، إنّ إمكانية الموافقة على طلب تركيا يبدو مستبعداً في الوقت الحالي، خصوصاً أنّ الموافقة ستبدو انتهاكاً من الكونغرس لقوانينه الخاصة. علاوة على ذلك، نفى الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس أن تكون بلاده قد تقدّمت بأيّ عرض ماليّ بشأن مطالب تركيا لشراء مقاتلات "أف-16".

أمكن أن يكون لإردوغان نفوذ على واشنطن بعدما كانت هنالك نقاشات سريعة مع بايدن بخصوص توفير تركيا الأمن لمطار كابول وللمجمعات الديبلوماسية بعد رحيل الأميركيين. لكنّ الانسحاب الفوضوي من أفغانستان وسيطرة "طالبان" السريعة على البلاد أفقدا تركيا ورقة تفاوض مهمّة في هذا الإطار. لم يعد أمامها اليوم سوى اللجوء إلى الورقة القديمة - الجديدة، أي التهديد باللجوء إلى روسيا، لتجديد أسطولها الجوّي. لكنّ هذا التجديد ليس بالسهولة المفترضة.

فأنقرة لم تطلب 40 مقاتلة "أف-16" وحسب، بل أيضاً 80 قطعة لتحديث أسطولها القديم. إنّ طلب مقاتلات روسية، وهو مقترح تحدّث عنه إردوغان مراراً في السابق، يتطلّب استبدالاً كاملاً في البنية التحتية للقوة الجوية التركية من أجل أن تتلاءم مع المقاتلات الروسية. وهو يتطلب أيضاً تخطيطاً استراتيجياً جديداً قد لا تكون تركيا مهيأة له وسط المشاكل المالية التي تعاني منها، إلى جانب كون هذه الخطوة باباً محتملاً لإنهاء العلاقات التركيّة - الأطلسيّة بشكل نهائيّ. وعلى المديين القصير والمتوسط، لا تبدو خيارات تركيا كثيرة.

 

تسوية مطلوبة... هل يتوصّل إليها الطرفان؟

بحسب الصحافيّ التركي بوراك بكديل، تملك أنقرة قرابة 270 مقاتلة من طراز "أف 16"، وستدخل مرحلة التقاعد بين عشرة إلى خمسة عشر عاماً، والبدائل غير متاحة. لتركيا برنامج محلّيّ لتصنيع مقاتلات "تي أف-أكس" لكنّه لا يمضي قدماً. حاولت تركيا التواصل مع شركة "رولز رويس" لتوفير محرّك لهذه الطائرات، لكنّ الطرفين أخفقا في التوصّل إلى اتفاق بسبب قضية نقل التكنولوجيا.

يرى المدير في "معهد أبحاث السياسة الخارجية" آرون شتاين أنّ خيار تركيا طلب 40 طائرة "أف-16"، هو إشارة واضحة إلى أنّ أنقرة حريصة على تشغيل مقاتلة أميركية حين تُجبر على الاختيار. ومع غياب الوضوح بشأن مستقبل "تي أف-أكس"، يبدو أنّ مستقبل القوّة التركية الجوّية برمّته غامض.

كذلك، أشار بكديل إلى أنّ تغيير مقاتلات تمّ تشغيلها لسبعين عاماً على النظام الأطلسيّ باتجاه استخدام مقاتلات روسيّة، ليس كاستبدال سيّارة أميركيّة بأخرى يابانيّة. فبناء الهكيليات الجديدة وتعديل القواعد الجوية، وإدخال أنظمة صيانة وإصلاح جديدة ستكون مكلفة جداً على الصعيد الماليّ والزمنيّ والتكنولوجيّ.

رأى شتاين أنّ منظومة "أس-400" لم تكن تستحقّ كلّ هذه الكلفة. ويضيف أنّ على كلا الطرفين إيجاد تسوية بشأن هذه القضية، لكن عليهما أيضاً الاستعداد لواقع أنّهما لن يفعلا ذلك على الأرجح، بحسب رأيه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم