الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الانتخابات الحالية في روسيا غير مهمّة؟... فكّروا مجدّداً

المصدر: "النهار"
انتخابات تشريعية ومحلية في روسيا - "أ ب"
انتخابات تشريعية ومحلية في روسيا - "أ ب"
A+ A-

يمكن مقاربة الانتخابات التشريعية الروسية من زوايا عدّة. إذا كانت التغطية تشمل الصراع السياسيّ بين الحكم والمعارضة، فقد يكون مفهوماً ألّا يحظى هذا الاستحقاق بالأهمية اللازمة بما أنّ الفوز شبه مضمون للحزب الحاكم. لكن بما أنّ للصراع أو التنافس السياسيّ في روسيا امتداداته حتى داخل النخب الحاكمة، يبقى أنّ لنتائج الانتخابات تأثيرات بعيدة المدى.

يؤكّد رئيس برنامج السياسات المحلية والمؤسسات السياسية الروسية في "مركز كارنيغي - موسكو" أندري كولسنيكوف أنّ هذه الانتخابات لن تغيّر ما هو جوهري في النظام السياسي العموديّ للسلطة. لكنها من جهة أخرى انتخابات تحدث لسبب معيّن، وليس لأنّ الدستور يفرضها وحسب.

 

الطبقات الفقيرة والولاء

في روسيا، تابع كولسنيكوف، النظام الروسي هو الذي يحتاج للانتخابات عوضاً عن الشعب. فهي تعمل على إثبات الشرعية للنظام وتقديم الدعم للرئيس والتصويت بالثقة لصالحه. والمستاؤون من الحزب الحاكم سيصوّتون له في جميع الأحوال: تقوم سردية الحكم على أنّ الغالبية المؤيدة للرئيس وحزبه لا تزال حاضرة ولهذا السبب سيفرض الحذر على الناخبين الانضمام إلى تلك الغالبية عوضاً عن الحلم بالتغيير. والغالبية الناخبة أيضاً هي لامبالية بحسب الكاتب وتتكيف مع أي ظرف مستجد.

الهمّ الأساسيّ لتلك الغالبية هو الحصول على وظيفة ومدخول مستقرين. تهدف تقديمات اجتماعية تُدفع مرة واحدة إلى شراء ولاء الناخبين. تكشف الانتخابات مسارين: الأول ينبع من الأعلى حيث تقول السلطة للجمهور أن يقبل المال ويصوّت لها وألّا يعترض على الحكم بانتظار الاستحقاق المقبل والتقديمات التي ترافقه. أمّا المسار الثاني فينبع من القاعدة، حيث هنالك الناخبون الذين يصوتون لمن بيدهم المال والموارد. لهذا السبب، تصوّت الطبقات الفقيرة للنظام، بحسب كولسنيكوف. فالدولة هي مصدرهما الوحيد لجني الأموال وفي حالات كثيرة لكسب الوظائف.

 

الاقتراع الذكي

ويشدّد الكاتب على سمة أخرى لهذه الانتخابات وهي الاقتراع الذكيّ. أطلق المعارض ألكسي نافالني هذه المبادرة القاضية بدعم أي مرشح قوي من أي حزب غير الحزب الحاكم. لكن ثمة ملاحظة هامة يذكرها كولسنيكوف. الاقتراع حتى للحزب الشيوعي غير المنضوي في الإدارة الرئاسية هو اقتراع للحكومة. فالحزب يحتاج إلى أن يكون موالياً بشكل جيد للنظام كي يستطيع النجاة.

جميع الأحزاب المعارضة الأربعة في مجلس الدوما هي عناصر مهمة في الحفاظ على النظام السياسي "التسلطي". وسلطة بوتين الشخصية. إن الاقتراع الذكي هو أسلوب لإظهار أنّ المعارضة تستطيع على الأقل تقسيم الأصوات. وبالتالي، يبرهن الناخبون أنّ النظام القوي، والذي يبدو أنّه لا يُقهر، يمتلك نقاط ضعف في نهاية المطاف. هذا الاقتراع لا يهدف إلى تأييد أي خيار سياسي حقيقي وهو يفضل النتائج على القيم.

 

ترميم نفسه بأدوات قديمة

الباحثة في المركز نفسه تاتيانا ستانوفايا تقارب الانتخابات من زاوية أخرى. إنّها باختصار عبارة عن خلاصة سنوات من الصراع الفكريّ داخل أروقة الحكم تجاه مصير حزب روسيا الموحّدة. فمن المسؤولين من يرون أنّ الحزب أداة سياسية قوية لا يمكن الاستغناء عنها بالرغم من الضربات التي تلقاها (رفع سن التقاعد، تهم الفساد...) يأمل هؤلاء أن يكون بالإمكان إعادة تعزيز الموقع الشعبي للحزب، ولهذا السبب، يسعون إلى توفير كامل الموارد لتحقيق فوز صارخ. بالمقابل، ثمّة من يعتقد أنّ الحزب عفا عنه الزمن وأنّه لم يعد بالإمكان استعادة بريقه، ولهذا السبب بات يتوجّب تقديم ما هو جديد من دون أن يعني ذلك بديلاً عن الحكم برمّته.

 

تتّفق ستانوفايا مع كولسنيكوف بأنّ بوتين يحتاج لهذه الانتخابات لتأكيد شرعيّة نظامه، لا بالنسبة إلى الشعب وحسب لكن أيضاً بالنسبة إلى النخب التي يجب ألا تتعرض لأي إغراء من أجل البدء بالبحث عن خلف لبوتين. تشبّه الكاتبة الصراع السياسي الذي يحصل بين النخب الحاكمة بأشخاص يعيشون في مبنى تتداعى أسسه: مالك المبنى لا يريد الإصغاء، والسكان بدأوا بالذعر باحثين عن حل - إمّا تجديد كامل أو تثبيت الهياكل الموجودة.

بحسب الكاتبة، تقارب السلطات الروسية الانتخابات حيث تريد من جهة الحصول على نتائج يريدها الرئيس، ومن جهة أخرى هي معرضة لإغراء التقليل من أهمية أي انتصار للحزب الحاكم من أجل إضافة الشكوك حيال قدرة الحزب على تكرار هذه النتيجة في المستقبل. هنالك استياء جماعي سينمو بالتوازي مع نمو الحاجة لفعل أي شيء كي تتم المحافظة على النظام في وجه التآكل. فمن دون حزب حاكم مقنع، تخسر هيكلية نظام بوتين قوتها الجوهرية. وانتخابات الدوما تؤدي ببساطة إلى تفاقم الوضع، بما أنّها محاولة للنظام كي يعيد ترميم نفسه باستخدام منطق قديم في واقع سياسي جديد.

 

نقاط للمتابعة

ثمّة أسباب أخرى، وهي غير منفصلة عمّا عرضه الباحثان، تدعو لمراقبة نتائج الانتخابات عن كثب. يهيمن حزب "روسيا الموحدة" على حوالي 75% من مجلس الدوما، بينما أشارت استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنّ شعبيته على الصعيد الوطني انخفضت إلى 27%، حتى أنّ استطلاعاً آخر أظهر أنّ 55% من ناخبي موسكو سيصوّتون لمرشّحين معارضين. هل تُفرز صناديق الاقتراع نتائج قريبة من تلك الاستطلاعات؟ إذا صحّ ذلك فقد تستعين بها النخب الحاكمة المؤيّدة للتجديد كي تثبت شرعيّة ادّعائها بضرورة التغيير. بالمقابل، هل بإمكان النخب أن تقبل بخسارة كبيرة كهذه وتخاطر بموقعها داخل الحكم في روسيا؟ إنّها أسئلة يصعب الإجابة عنها حاليّاً. لكنّ تلك الصعوبة بالضبط هي التي تجعل من تلك الانتخابات ونتائجها أمراً مثيراً للاهتمام.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم