الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عودة بايدن للاتّفاق النوويّ مع إيران... لماذا باتت أصعب؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس المنتخب جو بايدن - 1 تشرين الأول 2020 - "أ ب"
الرئيس المنتخب جو بايدن - 1 تشرين الأول 2020 - "أ ب"
A+ A-
لكي يتحقّق رهانها بعودة الولايات المتّحدة إلى الاتّفاق النوويّ، كانت إيران بحاجة إلى أكثر من مجرّد فوز المرشّح الديموقراطيّ جو بايدن بالبيت الأبيض. ما كانت تحتاج إليه فعلاً هو تحقّق التوقّعات بإفراز الانتخابات "موجة زرقاء" شاملة. بعكس تمنّيات الديموقراطيّين، وربّما الإيرانيّين، لم تصدق استطلاعات الرأي التي بالغت في هكذا توقّعات.

أمِل الديموقراطيّون توسيع الفارق في مجلس النوّاب، فضاق الهامش بشكل كبير. في آخر انتخابات نيابيّة أميركيّة (2018)، فاز الديموقراطيّون بـ 235 مقعداً مقابل 199 للجمهوريّين. اليوم، كسب الجمهوريّون تسعة مقاعد صافية وخسر الديموقراطيّون ثمانية. النتائج غير النهائيّة حتى الآن تشير إلى تقدّم الديموقراطيّين بـ 12 صوتاً وحسب: 221 مقعداً مقابل 209.

الخوف الأكبر
توقّع الديموقراطيّون السيطرة على مجلس الشيوخ وإن بشيء من الحذر. لا توحي الأرقام بذلك، لكنّ الأمر ليس مستحيلاً تماماً. فاز الجمهوريّون مجدّداً بـ 50 مقعداً مقابل 48 للديموقراطيّين. بقي مقعدان عن ولاية جورجيا. تتمتّع تلك الولاية بنظام انتخابيّ خاص يفرض فوز أيّ مرشّح بالغالبيّة المطلقة من الأصوات للوصول إلى مجلس الشيوخ. لم يحدث ذلك في الانتخابات الأخيرة. بالتالي، تنتقل المعركة النهائيّة إلى كانون الثاني المقبل.

حقّق بايدن مفاجأة في تلك الولاية حيث فاز على منافسه دونالد ترامب بفارق ضئيل. أعطى الفوز أملاً للديموقراطيّين بتحقيق نتيجة إيجابيّة بعد أقلّ من شهرين. فهو أوّل رئيس ديموقراطيّ يكسب تلك الولاية منذ سنة 1992. لكنّ الانتخابات أظهرت تقدّماً للجمهوريّين في الدائرة الانتخابيّة الأولى مع فوز السيناتور دايفد بيرديو على منافسه جون أوسوف بـ 49.7% من الأصوات مقابل 48%. وفي الدائرة الثانية الخاصّة، حصد الديموقراطيّ رافاييل وورنوك على 32.9% من الأصوات في مقابل 25.9 للمرشّحة الجمهوريّة كيلي لوفلر و 19.9 للجمهوريّ دوغ كولينز، وتقاسم بقيّة النقاط عدد كبير من المرشّحين الجمهوريّين والديموقراطيّين.

وبالتالي سينتقل كولينز ولوفلر إلى الانتخابات النهائيّة في 5 كانون الثاني. دايفد بيرديو يرفض إجراء مناظرات إضافيّة مع منافسه الديموقراطيّ، قائلاً إنّ المناظرتين اللتين أجريتا سابقاً كافيتان. من غير الواضح كيف سينعكس ذلك على حظوظه الانتخابيّة. بالمقابل، قبِلت لوفلر بإجراء مناظرات مع منافسها الديموقراطيّ قبل الاستحقاق الانتخابيّ المقبل.

إذا فاز الديموقراطيّون بالمقعدين الانتخابيّين فسيصبح موقعهم أفضل حتى ولو تعادلوا في مجلس الشيوخ لأنّ صوت نائب الرئيس، في هذه الحالة كامالا هاريس، سيكون مرجّحاً في حال تعادل الأصوات. ومع ذلك، لن تلبّي تلك النتيجة طموحات الديموقراطيّين. فهم كانوا بحاجة إلى 60 صوتاً في المجلس لتمرير القوانين من دون مماطلة جمهوريّة، كما أنّ إبداء جميع الديموقراطيّين رأياً واحداً داخل المجلس ليس مضموناً كذلك.

هذه المعادلة تنطبق أيضاً على الجمهوريّين، لكن لا يتوقّع مراقبون انفصال أكثر من ثلاثة جمهوريّين عن الحزب في بعض القرارات وليس دفعة واحدة. لكن لماذا يتوجّب مراقبة الديناميّات الداخليّة في الكونغرس لمعرفة ما الذي سيحصل في الملفّ الإيرانيّ؟

"بطّة عرجاء"
من مفارقات نتائج الانتخابات الأخيرة، أنّ هامش التحرّك الأوسع للرئيس المنتخب سيكون في السياسة الخارجيّة لا الداخليّة. ستصطدم أجندات الحزب الديموقراطيّ بعرقلة واضحة من الجمهوريّين، أكان على صعيد السياسات البيئيّة أم الصحّيّة أم الضريبيّة. على الأرجح، ستصل مقترحات بايدن إلى الكونغرس شبه ميتة. بالمقابل، سيتمكّن الرئيس المنتخب من تطبيق أفكاره الخارجيّة عبر الأوامر التنفيذيّة كما فعل سلفه ترامب.

لكن من غير المرجّح أن يكتفي بايدن أو الديموقراطيّون بالإنجازات الخارجيّة التي لا تترك الأثر الأكبر في نفوس الناخبين الأميركيّين. وقبل الانتخابات النصفيّة المقرّرة في 2022، يجب على الديموقراطيّين أن يكونوا قد حقّقوا إنجازات داخليّة لكسب قدرات جدّيّة على التنافس انتخابيّاً مع الجمهوريّين. هنا يأتي دور الكباش/التفاوض بين الحزبين داخل الكونغرس.

إذا أراد بايدن تحقيق بعض الإنجازات الداخليّة فعليه التنازل للجمهوريّين في ملفّات لا تثير حساسيّتهم قد يكون من بينها الملفّ الإيرانيّ، إن لم يُضف إليه أيضاً التراجع عن تعهّده بالعودة إلى اتّفاقيّة باريس للمناخ. توقّع الكاتب السياسيّ في صحيفة "فايننشال تايمس" إدوارد لوس أن يصبح بايدن "بطّة عرجاء" خلال السنوات الأربع المقبلة، لذلك نصح الرئيس المنتخب أن يعيّن جمهوريّاً أو اثنين في إدارته. إذا عمل بايدن بهذه النصيحة فسيصبح هامش المناورة لديه أوسع في الداخل على حساب حرّيّة تحرّكه في الخارج.

لا يرتبط الموضوع فقط بتعيين جمهوريّين من مقرّبين من ترامب في إدارته. فبايدن قد يضطرّ إلى مكافأة الجمهوريّين الذين رفضوا التصويت لترامب مثل كولن باول والمقرّبين من السيناتورين جون ماكّين وميت رومني وبعض المحافظين الجدد. موازين القوى هذه، خصوصاً إذا لم يفز الديموقراطيّون بالمقعدين الإضافيّين، تجعل لرئيس مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل "اليد العليا" في مواجهة بايدن، كما لاحظ لوس. يضاف إلى كلّ ذلك، أنّ مجلس الشيوخ هو الذي يصادق على تعيين كبار المسؤولين في إدارة بايدن.
 

هل تشعر إيران بالقلق؟
حتى مع قدرة بايدن على تخطّي التعقيدات الداخليّة والحفاظ على حرّيّته في الشؤون الخارجيّة، تفعل الإدارة الحاليّة المستحيل لمنع بايدن من الانفتاح على إيران. من المرجّح أن يصبّ تسريب خبر قتل تل أبيب للمسؤول البارز في تنظيم القاعدة أبي محمّد المصري في أحد شوارع طهران الراقية رسالة قويّة إلى بايدن. تهدف الرسالة إلى تقليص خيارات بايدن للانفتاح أمام طهران ووضعه أمام خيار أوحد: الانفتاح على إيران يعني الانفتاح على "راعي" تنظيم "القاعدة".

لا تعني هذه المؤشّرات استحالة فتح بايدن باب الحوار الديبلوماسيّ مع إيران. لكنّ الأسباب التي تدفعه إلى اتّخاذ هذا القرار متضائلة حاليّاً. يبدو أنّ إيران نفسها تشعر بذلك. تحدّثت "نيويورك تايمس" اليوم عن محاولة إيران التواصل عبر وسطاء مع مسؤولين مقرّبين من بايدن. وإعلانُ وزير خارجيّتها محمّد جواد ظريف الثلاثاء أنّ الإيرانيّين "مستعدّون لمناقشة كيف يمكن عودة الولايات المتّحدة دخول الاتّفاق" يُظهر أيضاً استعجال طهران للتقرّب من واشنطن. لا يصبّ ذلك الاستعجال في مصلحة دولة تريد الاحتفاظ ببعض النفوذ قبل إطلاق المفاوضات المحتملة. هذا إذا كان بايدن مهتمّاً بإطلاقها قريباً.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم