الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

خطة أوروبية لمواجهة "مبادرة الحزام والطريق"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
علما الصين والاتحاد الأوروبي (أ ف ب).
علما الصين والاتحاد الأوروبي (أ ف ب).
A+ A-

يبدو أنّه بات لأوروبا "مبادرة الحزام والطريق" الخاصة بها. مشروع طموح بالنسبة إلى قارّة تواجه مشاكل سياسيّة من كلّ حدب وصوب، في الداخل والخارج معاً. "أميركا عادت"، شعار بايدن الشهير الذي طرحه في شباط الماضي، لم يكن مقنعاً كثيراً بالنسبة إلى الأوروبيين. وبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان من دون الحدّ الأدنى من التشاور مع الحلفاء التاريخيين، يكاد يصبح غير مقنع أبداً.

تأسيس جيش أو قوة عسكرية أوروبية بات أكثر إلحاحاً من ذي قبل. لكنّ تحقيق ذلك قد لا يتمّ في أي وقت قريب. ربّما تعيّن على أوروبا مؤخّراً أن تبحث عن طريقة أخرى لتأسيس استقلاليتها على الساحة الدوليّة. ومن المنطقيّ أن تكون هذه الطريقة منبثقة عمّا تجيده بروكسل أكثر: الاقتصاد والاستثمار. من هنا على الأرجح، وُلد مشروع "البوابة العالمية".

 

انتقادات ضمنية للصين

"نريد أن نحول البوابة العالمية إلى علامة تجارية موثوق بها حول العالم". هذا ما قالته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الأربعاء خلال إلقائها خطاب "حالة الاتحاد". وأضافت: "سنبني شراكات بموجب ‘البوابة العالمية‘ مع دول حول العالم. نريد استثمارات في البنية التحتية عالية الجودة، وربط السلع والأفراد والخدمات حول العالم".

وفي انتقاد ضمني لـ"مبادرة الطريق والحزام" التي تركت بحسب منتقديها دولاً كثيرة تابعة للصين بسبب ديونها، قالت فون دير لاين: "نريد إنشاء روابط لا تبعيّات!". أتت ملاحظات فون دير لاين بعد حوالي شهرين على تفويض 27 دولة أوروبية المفوضية بإطلاق اسم وشعار للخطة الأوروبية في مواجهة المبادرة الصينية.

ووجّهت فون دير لاين انتقاداً ضمنيّاً آخر للصين إذ قالت: "سنتّخذ نهجاً مبنياً على القيم، عارضين الشفافية والحوكمة الجيدة على شركائنا". واقترحت أيضاً فرض حظر على منتجات استُخدمت "السخرة" في إطار تصنيعها، في إشارة إلى الاتهامات الغربية للصين بانتهاك حقوق الأويغور في شينجيانغ شرقي الصين.

لا يزال المشروع الأوروبي غير منجز. لكنّ فكرته ستكون مرتكزة إلى التعاون بين القطاعين العام والخاص في ضخّ الاستثمارات إضافة إلى التعاون مع المجتمع المدني وقطاع الأعمال. وسيكون للمشاريع الخضراء حصّة كبيرة من التمويل.

 

تأثير ضئيل؟

من المبكر قياس احتمالات نجاح "البوابة العالمية" منذ اليوم. فمن المحتمل أن يكون المشروع عبارة عن مجرّد محاولة لإعادة تقديم بروكسل نفسها بصورة جديدة، وفقاً لما يوضحه لـ"النهار" الباحث الزميل في "معهد تشاتام" الملكي پيپين بيرغسون. لو صحّ ذلك الأمر فتأثيره سيكون ضئيلاً على الرغم من أنّه يُنظر إلى المشروع كأداة مهمّة للتنافس الجيوسياسيّ مع الصين، وإلى حدّ أقلّ مع الولايات المتحدة بحسب رأيه.

على أيّ حال، ربّما تنتقل بروكسل من إطار الانتقادات الإعلاميّة إلى إطار العمل. هذا ما تشي به تصريحات رسميّة في أوروبا. في تمّوز، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس: "إنّنا نرى الصين تستخدم الوسائل الاقتصادية والمالية لزيادة تأثيرها السياسي في جميع أنحاء العالم. لا جدوى في التذمر من هذا الأمر، علينا عرض بدائل أخرى".

 

عثرات وميزات

إذا كان كلام ماس منطقياً لجهة الكفّ عن انتقاد الصين من دون تقديم مشاريع أخرى في المقابل، فإنّ قدرة بروكسل على تنفيذ تلك البدائل ستخضع لامتحان حقيقيّ. إن أرادت بروكسل إنجاح مشروعها فعليها ضمان حجم هائل من الاستثمارات لكي تتمكّن من مقارعة الصين التي ومنذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق سنة 2013، استثمرت حوالي 2.5 تريليون دولار في المشاريع المرتبطة بها.

إنّ الفارق الأبرز في مقاربة تنفيذ المشاريع بين الصين وأوروبا هو عدم استناد الطرف الأوّل إلى شروط حقوقيّة للاستثمار داخل الدول. هذا الاختلاف وحده كافٍ ليدفع حكومات كثيرة في العالم الثالث لتفضيل الاستثمارات الصينية. بالمقابل، لا يزال "فخّ الديون" موضع قلق لدى حكومات أخرى مع تزايد عدد الدول غير القادرة على ردّ القروض الصينيّة وآخرها دولة مونتنيغيرو.

واقترضت مونتينيغرو مليار دولار من بيجينغ لتمويل طريق بطول أربعين كيلومتراً، وهو مبلغ هدّد بإفلاس الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي. وهي بحسب "رويترز" تتفاوض مع البنوك الغربية لمبادلة الديون أو إعادة تمويل الطريق.

 

رغبتها أكبر

في هذا الإطار، يذكر بيرغسون أنّ فون دير لاين أشارت إلى أنّ الاتحاد الأوروبي بارع بتمويل الطرق في أمكنة أخرى، ذاكراً أنها محقة في ذلك. "لكن السبب الرئيسي لعدم شعور الاتحاد الأوروبي بأنه يحصل على الإشادة اللازمة، وبالتالي على النفوذ، من وراء هذه النشاطات ليس (سوء تقديم نفسه) بصورة جذابة، إنما بسبب إلزام نفسه بمعايير أعلى على مستوى إدارة المخاطر والشفافية عند اختيار المشاريع".

يضيف بيرغسون أنّه من شبه المؤكّد عدم تغيّر هذه السياسة، وهو لا يحضّ على ذلك أساساً. "الصين أكثر رغبة بكثير في توسيع الائتمان، وبناء مشاريع لن يدرسها الاتحاد الأوروبي أبداً". بعبارة أخرى، "ما لم تأتِ البوابة العالمية بزيادة التمويل، سيكون تأثيرها ضئيلاً".

مع ذلك، وكما هي العادة بين الدول الأوروبية، ما من وجهة نظر موحّدة تجاه الصين، حيث تدعو ألمانيا وفرنسا وبلجيكا وغيرها إلى علاقات إيجابيّة مع بيجينغ، على الرغم من الخلافات القوية التي استجدّت في فترة سابقة من السنة الحالية وأدت إلى تعليق "الاتفاقية الشاملة للاستثمار". بالمقابل، تدعو ليتوانيا ومجموعة أخرى من الدول الأوروبية الصغيرة إلى التشدد أكثر مع الصين. معرفة كيفية توليد الأوروبيين مشروعاً موحداً لمواجهة "مبادرة الحزام والطريق" – في حال كان هذا المشروع مستداماً – متروكة للمرحلة المقبلة. 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم