لماذا كانت خسارة موسكفا "مؤلمة جداً" لروسيا؟

"نهايةُ مَجْدٍ غير مجيدة". بهذه الكلمات عبّر أندريه زوبوف، مؤرّخ روسيّ معارض ونجل أميرال سوفياتي سابق، عن خيبة أمله من خسارة موسكو طرّاد "موسكفا" يوم الأربعاء في البحر الأسود. إلى جانب الخسائر البشرية والعسكرية، تفاقمت خسائر روسيا المعنوية مع هذه الحادثة.

وُضع الطراد في الخدمة سنة 1982. يبلغ طوله 186 متراً ووزنه 12 ألف طن. قالت روسيا في البداية إنّ طرّادها تعرّض لأضرار جسيمة بفعل اندلاع حريق تسبب بانفجار مخزن الذخيرة مشيرة إلى أنّ فرق الإنقاذ عملت على إجلاء طاقمه المؤلف من 500 فرد. وأعلنت ليل الأربعاء-الخميس أنّ الطراد "لا يزال عائماً".

لكنّ وزارة الدفاع الروسية ذكرت في بيان لاحق أنّه "خلال سحب الطراد موسكفا إلى الميناء، فقدت السفينة استقرارها بسبب الأضرار التي لحقت ببدن السفينة أثناء حريق ناجم عن انفجار ذخيرة. وسط ظروف البحار العاصفة، غرقت السفينة".

من جهته، أكّد البنتاغون رواية أوكرانيا عن أنّها أغرقت الطراد بصاروخي "نبتون" واصفاً ما حدث بأنّه "ضربة قاسية" لروسيا. كانت تلك أكبر خسارة قتالية لأي بحرية منذ سنة 1982، عندما أغرقت القوات الجوية الأرجنتينية مدمّرة بريطانية خلال حرب فوكلاند. لكنها أكبر خسارة بحرية روسية منذ سنة 1941. وقال أندريه إيلاريونوف، مستشار سياسي سابق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنّ خسارة الطرّاد كانت "ضربة مؤلمة جداً، جداً، لمعنويات ووضع البحرية والجيش الروسي".  

 

الأوكرانيون يثيرون اهتمام المراقبين

صواريخ "نبتون" الأوكرانية مطوّرة محلياً ممّا يفاقم "جرح الكبرياء" الروسيّ كما كتب مارك تشامبيون في شبكة "بلومبرغ". لكنّه أشار أيضاً إلى أنّ هذه الخسارة تحرم الجيش من إمكاناتٍ وحماية عسكرية مهمة في وقت تدخل الحرب مرحلة جوهرية لموسكو. فالطرّاد أمّن "فقّاعة من الدفاع الجوي الطويل المدى" لسائر الأسطول، ويصعب تعويض هذه الخسارة. ونقل تشامبيون عن تدوينة لزوبوف كيف كان والده يصرّ على عدم استخدام الطرّاد لتأمين غطاء ناريّ لهجوم برمائيّ أو لردع الطائرات.

طوّرت أوكرانيا صواريخ "نبتون" عن صواريخ "زفيزدا خ-35" الأوكرانية مع تحديث النطاق والإلكترونيات. ويبلغ مدى هذه الصواريخ قرابة 300 كيلومتر. دخلت تلك الصواريخ الخدمة السنة الماضية وهي مصمّمة للتحليق قرب سطح البحر لتفادي التعقّب. وتضمّ المنظومة الواحدة أربعة صواريخ.

لم تكن القدرات الصاروخية لأوكرانيا وحدها ما لفت أنظار المراقبين. ففي حديث إلى شبكة "سي بي سي" الكندية، قال خبير شؤون الحرب البحرية من "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" سيدارث كوشال: "ربما الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أنّ الأوكرانيين كانوا قادرين على تعقب ‘موسكفا‘ لإبقاء صواريخهم دقيقة – وهو يُظهر بشكل جيّد جداً إمكاناتهم الاستخبارية والاستطلاعية"، على الرغم من أنّ الأحوال الجوية لم تكن مساعدة.

 

عيوب في الصناعة الروسية؟

في حديث إلى وكالة "فرانس برس" يقول المدير العام لـ"المؤسسة المتوسطية للدراسات الاستراتيجية" ومقرها تولوز باسكال أوسّور إنّه كان على الطراد أن يتحمّل تأثير صاروخ وأكثر وأن يسيطر على النار، لكن عوضاً عن ذلك، غرق خلال 12 ساعة وحسب. "لم يكن ذلك جزءاً من الخطة".

تمّ تحديث موسكفا مرات عدة خلال السنوات الماضية، وكان من المفترض، من الناحية النظرية على الأقل، أن تتمتع بالقدرة على إسقاط صواريخ "نبتون" لكنّ ذلك لم يحدث. وقال مسؤول في واشنطن إنّ سفناً روسية عدة ابتعدت عن الشاطئ الأوكرانيّ بعد خسارة "موسكفا".

حتى الرواية الروسية لحادثة غرق "موسكفا" لا تعفي الروس من تحمّل مسؤولية ما حصل. "يشير كلا التفسيرين لغرق موسكفا إلى أوجه قصور روسية محتملة – إما ضعف الدفاعات الجوية أو إجراءات سلامة متراخية بشكل لا يصدّق" على ما كتبه محلّلون من "معهد دراسات الحرب" الأميركي.

وكما أنّ روسيا أخفقت في فرض هيمنة جوية مطلقة فوق أوكرانيا، يبدو أنّها على طريق التعثّر أيضاً في فرض سيطرة بحرية مطلقة. قد لا يكون هذا الاحتمال مهمّاً بالنسبة إلى مسار الحرب، لكنّه يظهر مجدّداً نقاط الضعف الكثيرة في الآلة الحربية الروسية. قال ضابط فرنسيّ رفيع المستوى لـ"فرانس برس" إنّ "روسيا ترتكب الأخطاء نفسها التي ارتكبتها سابقاً في البرّ".

 

ضربة معنوية واسترتيجية

ثمّة شبه إجماع بين المراقبين على أنّ حادثة الغرق/الإغراق لن تغيّر كثيراً في معادلة الحرب. بحسب وزارة الدفاع البريطانية، يمكن أن تؤدّي الحادثة إلى مراجعة روسيا موقعها البحري في البحر الأسود. وقال مسؤولون أميركيون إنّه باستثناء التأثير الرمزيّ على روسيا والأسئلة بشأن إمكانات روسيا البحرية الطويلة المدى، من غير المرجّح أن تترك الحادثة تأثيراً كبيراً على مسار النزاع. فالبحرية الروسية لم تؤدّ أساساً دوراً محورياً في الحرب. وبسبب الفشل في السيطرة على مدينة ميكولاييف، من غير المرجّح أن تشنّ روسيا هجوماً برمائياً على مدينة أوديسا الساحلية في أي وقت قريب.

وميكولاييف كانت مقرّ صناعة "موسكفا" وفقاً لمجلّة "إيكونوميست" ممّا يكثّف أكثر رمزيّة الضربة، إلى جانب أنّ المدينة استطاعت صدّ محاولات روسيا للسيطرة عليها. وكانت "موسكفا" هي التي طالبت جنوداً أوكرانيين في جزيرة الأفعى بالاستسلام في بداية الحرب، فردّوا عليها بأن "تذهب و... نفسها"، الأمر الذي تحوّل إلى "أيقونة" للدفاع الوطني بحسب المجلّة.

من الناحية الاستراتيجيّة، يعدّ البحر الأسود نقطة انطلاق إلى البحر الأبيض المتوسط وكذلك منطقة عازلة بين الناتو وروسيا، لهذا السبب، إنّ الهيمنة على البحر الأسود "ضرورة جغرافية استراتيجية" لموسكو كي تبرز قوّتها في المتوسّط وتؤمّن البوابة الاقتصادية للأسواق في جنوب أوروبا.

 

مجدٌ "محترق"

شارك طراد "موسكفا" في النزاعين السوري والجورجي، وساهم في قيادة أبحاث علمية مع الولايات المتحدة. وتمّ تجهيزه بأسلحة نووية خلال الحرب الباردة. وكان من المتوقع أن يستضيف قمة بين الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشيف والرئيس الأميركي جورج بوش الأب سنة 1989، لكنّ رياحاً عاصفة نقلت القمّة إلى متن طرّاد آخر.

"المجد الروسيّ يحترق قبالة الشاطئ الأوكرانيّ"، بحسب ما كتبه زوبوف، المؤرّخ الروسيّ ونجل الأميرال السوفياتيّ. كيفيّة ردّ روسيا على "احتراق هذا المجد" هي علامة الاستفهام الأهمّ في المرحلة المقبلة. 

 
 
*نُقل عن "النهار العربي"