هل يضغط أوليغارشيو روسيا على بوتين لوقف غزو أوكرانيا؟

قبل انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا، انتقدت الكاتبة السياسية في مجلة "أتلانتيك" آن أبلبوم "غياب المخيّلة" لدى الغربيين لدفع الروس إلى تخفيف التصعيد. وانتقدت أبلبوم وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس وقبلها الممثل السامي للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزف بوريل لعدم تهديد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وسائر المسؤولين الروس بما يؤلمهم: الممتلكات الفاخرة التي يملكونها في لندن والمدارس التي يرتادها أبناؤهم في باريس أو لوغانو أو سويسرا أو حجز يخوتهم الراسية على شواطئ المتوسّط.

في روسيا، تشير كلمة "أوليغارشيين" إلى أفراد نافذين مادّياً مقرّبين من بوتين كانوا قد أصبحوا أثرياء بعد سقوط الاتحاد السوفياتي الذي أمّن فرصاً للفساد على أعلى المستويات، إبّان خصخصة الشركات المملوكة للدولة. يسيطر المليارديرات الروس اليوم على نحو 30% من الثروة الوطنية.

 

أحد الأهداف المفترضة

تغيّرت المعادلة إلى حدّ كبير بعد شنّ روسيا عمليّاتها العسكريّة. فرضت بريطانيا عقوبات على 51 أوليغارشياً روسياً وأعضاء من عائلاتهم. تملك هذه المجموعة ثروة تناهز 130 مليار دولار. تأتي العقوبات إلى جانب فرض حظر على صادرات السلع الفاخرة إلى روسيا وزيادة الرسوم على البضائع مثل الفودكا والتحف الفنية. وحجزت السلطات الفرنسية والإيطالية ممتلكات عدد من الأثرياء الروس. كذلك، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ثمانية أوليغارشيين وعائلاتهم بحيث تمّ فصلهم عن النظام المالي الأميركي وتجميد أصولهم ومنعهم من استخدام ممتلكاتهم. وعاقبت واشنطن قرابة 40 أوليغارشياً. من جهته، صنّف الاتحاد الأوروبي أكثر من 862 شخصاً و53 كياناً على القائمة السوداء التي تحظر الدخول إلى دوله وتسمح لسلطاته مصادرة ممتلكاتهم.

أحد الأهداف المفترضة للعقوبات التي فرضها الغرب هو دفع هذه الطبقة الثرية إلى الانقلاب على بوتين أو على الأقل ممارسة ضغوط كبيرة عليه لوقف العملية العسكرية. عادة ما يكون كبار الأثرياء مرتبطين بشكل وثيق بالحكّام في الدول الأوتوقراطية. يتبادل الطرفان "الخدمات" و"المنافع" فيقدّم الحكّام فرصاً استثمارية للمتموّلين الطامحين إلى زيادة ثرواتهم مقابل تقديم هؤلاء مظاهر الولاء. بمرور الوقت، تترسّخ شبكة المصالح المشتركة بين الطرفين فتصبح نجاة الأوّل مرتبطة إلى حدّ كبير بنجاة الطرف الثاني. وهذا يعني بشكل آخر أنّ انهيار مصلحة أيّ طرف تؤدّي حكماً إلى انهيار مصلحة الآخر. أو هكذا يفترض.

 

ماذا عن روسيا؟

يعتقد مراقبون كثر لشؤون الكرملين وآليات الحكم في روسيا أنّ هذه الفرضية لا تصحّ هناك. فالعلاقات بين الكرملين والأوليغارشيّين هي علاقة ذات اتجاه واحد. بعبارة أخرى، يستفيد الأوليغارشيّون من دعم بوتين، لكنّ العكس غير صحيح بعدما رسّخ بوتين حكمه. الأستاذة المساعدة في قسم العلوم السياسية في جامعة تورونتو أولغا تشيزه ترى في الغارديان أنّ مواصلة دعم الأوليغارشيين بوتين ومواصلة الأخير حكمه يضمنان استمرار الثروة والأمان. تشير تشيزه إلى أنّ الأوليغارشيين الروس ليسوا جزءاً من الحكم، وهم يتمتّعون بالثروات طالما أنّهم يبقون خارج السياسة. وعلى الرغم من أنّ "الكعكة" تتقلّص بفعل العقوبات، تبقى الأخيرة موجودة وقادرة على إقناعهم بالبقاء ساكتين للحفاظ على ما أمكن من مكتسباتهم.

يبدو أنّ بوتين نصح الأوليغارشيين طوال سنوات بإبقاء ثرواتهم داخل روسيا لأنّ هذا سيحميهم من العقوبات، لكنّ المقرّبين منه هم من عملوا على الأكثر بنصيحته، بينما فضّل الباقون الاستثمار خارج روسيا، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي". يعني ذلك بشكل أنّ الأوليغارشيين الذين حموا الجزء الأكبر من ثرواتهم هم من الدائرة الضيّقة للرئيس الروسيّ، ممّا يجعل انقلابهم أو ضغطهم عليه أمراً غير مرجّح إن لم يكن مستحيلاً.

 

ما يحتاجه الأوليغارشيون

على الرغم مما سبق، يبدو أنّ أوليغارشيين روس بدأوا يرفعون الصوت ضد الحرب. من بين هؤلاء ميخائيل فريدمان مؤسّس أكبر مصرف روسيّ خاصّ وقطب صناعة المعادن أوليغ ديريباسكا والمصرفي أوليغ تينكوف. وقبل تعرضه للعقوبات البريطانية الأسبوع الماضي والأوروبية يوم الاثنين، تحدّث مالك نادي تشيلسي رومان أبراموفيتش عن أنّه يساعد أوكرانيا في التفاوض على السلام مع روسيا. وطالب مؤسسة مجموعة الملكية الخاصة "في آي واي" أندري ياكونين عدم الخلط بين الروس والدولة الروسية: "هنالك الكثير من الروس الذين يعارضون بشدة العملية العسكرية الحالية، وأنا واحد منهم". لكنّ غالبية هذه الأصوات تتجنّب الانتقاد المباشر لسياسات الكرملين لغاية اليوم.

هنالك أكثر من سبب يجعل الأوليغارشيين الروس بحاجة إلى بوتين أكثر من حاجة بوتين إليهم. ولا يتعلّق الأمر فقط بالحفاظ على مكتسباتهم المالية، أو ما سيتبقى منها بعد العقوبات. بحسب إريك ليفيتز من "مجلّة نيويورك"، يخشى الأوليغارشيّون من احتمال تعرّضهم للملاحقة القانونيّة في حال سقوط حكم الرئيس الروسيّ. وأشارت شيزه أيضاً إلى أنّ الأوليغارشيين يحتاجون إلى بوتين لحمايتهم من "الرجال الأقوياء" داخل الحكم.

 

بين المنافع والفرص شبه المعدومة

الصحافي الاستقصائي المقيم في الولايات المتحدة كايسي ميشال يشير في "بوليتيكو" إلى أنّه حتى ولو لم تكن هذه العقوبات ستغيّر حسابات بوتين، يبقى أنّ الإجراءات المتّخذة بحقّ الأوليغارشيين ستمنع أموالهم من التدفق إلى الأسواق الغربية وتشويهها بدءاً من قطاع العقارات مروراً بالتحف الفنية والأسهم الخاصة وصولاً حتى إلى التبرعات للأحزاب السياسية. وذكرت "نيويورك تايمس" أنّ المستشارين الغربيين للأوليغارشيين الروس يتعرّضون للضغوط أيضاً.

في نهاية المطاف، من غير المرجّح أن تدفع العقوبات الأوليغارشيين إلى الانقلاب على بوتين، خصوصاً مع خوف هؤلاء من البديل. لباحث الشؤون الروسية في "المجلس الأطلسي" بن جوداه صورة معبّرة. "إذا كان سيرغي ناريشكين (قائد المخابرات الخارجية الذي أحرجه بوتين علناً خلال مناقشة الاعتراف بسيادة دونيتسك ولوغانسك) خائفاً إلى هذا الحدّ من بوتين، ويبدو مبعداً عنه، فعندها هنالك فرصة ضئيلة جداً لرجال الأعمال هؤلاء أن يسيروا ببساطة ويوقفوه". وأيّ توقّع بخلاف ذلك هو "تفكير رغبويّ".