الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ميثاق غلاسكو للمناخ والجزء الممتلئ من الكأس

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
إحدى فاعليات مؤتمر "كوب-26" للتغيّر المناخيّ في غلاسكو - "أ ف ب" عن "غيتي"
إحدى فاعليات مؤتمر "كوب-26" للتغيّر المناخيّ في غلاسكو - "أ ف ب" عن "غيتي"
A+ A-

انتهى مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرون للتغيّر المناخيّ (كوب-26) بتوقيع الأعضاء على "ميثاق غلاسكو للمناخ". جاء هذا الميثاق بعد مفاوضات درامية إذ مُدّد المؤتمر قرابة 24 ساعة لتفادي الخروج بدون أيّ إنجاز. لكنّ "الخروقات" التي تمّ تحقيقها لا تعني أنّ العالم قريب من تحقيق أبرز هدف نصّت عليه اتفاقية باريس للمناخ، وهو إبقاء ارتفاع درجات حرارة الأرض أقرب ما يكون إلى زائد 1.5 درجة مئوية عن معدّلاتها ما قبل التصنيع.

مساعدة الدول الأكثر هشاشة
في ما يخصّ تمكين الدول الضعيفة من مواجهة التغيّر المناخي والتكيّف معه، يمكن التمييز بين نقطتين على الأقلّ: التعويض على الدول الفقيرة والدول-الجزر بسبب الأضرار الناجمة عن التغيّر المناخيّ من جهة، والأموال التي يجب تخصيصها لها من أجل مواجهة التداعيات المستقبليّة من جهة أخرى. في ما يخصّ النقطة الأولى، تبدو الإيجابيّات خجولة. أوّلاً، ترفض الدول الكبيرة وخصوصاً الولايات المتحدة هذه الفكرة بالنظر إلى ما يترتّب عليها من مسؤوليات مستقبليّة كبيرة. كذلك، إنّ الدول التي طالبت بالتعويض ازدادت مع مرور الوقت بحيث لم تعد تقتصر على الجزر المعرّضة للغرق بفعل ارتفاع مستوى البحار. لا ينفي ذلك وجود بعض المبادرات الشخصية، إلى جانب تأسيس "حوار غلاسكو" لمناقشة آلية للتعويضات، علماً بأنّ بوادر توصّله إلى خطوات عمليّة غير واضحة بعد.
النقطة الثانية هي التي تمكّنت من خلالها الدول الضعيفة من انتزاع بعض المكاسب مثل بناء جدران بحريّة. وتعهّدت الدول في "كوب-26" مضاعفة الأموال المعطاة لهذه الدول للتكيّف مع التغيّر المناخيّ بحلول 2025، علماً بأنّ الدول الثريّة فشلت في الإيفاء بوعودها المالية السابقة، إذ لم تحصل الدول الفقيرة سوى على 80% من المئة مليار دولار التي كان يجب أن تُحوّل إليها حتى سنة 2020. علاوة على ذلك، ثمّة دعوات إلى تحديد أفضل لتداعيات التغيّر المناخي على الناس والمجتمعات الأكثر ضعفاً أمامها.

أهمّية الـ 1.5
من النقاط الإيجابية التي خرج بها المجتمعون أنّه للمرّة الأولى في تاريخ القمم حول التغيّر المناخيّ، اعترفت الدول بأنّ الوقود الأحفوريّ هو السبب الأساسيّ في ارتفاع حرارة الأرض. واتّفقت الدول المشاركة على آلية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة. ثمّة مساهمات محدّدة وطنياً لخفض الانبعاثات من أجل التخفيف من حدّة الاحترار العالمي عند 1.5 درجات مئوية. لكنّ المساهمات الحاليّة غير كافية لتحقيق هذا الهدف. حتى إن تمّ الالتزام بتعهّدات الدول الحالية حيال خفض نسبة الانبعاثات، فمن المتوقّع أن يصل ارتفاع درجة حرارة الأرض مع نهاية هذا القرن إلى معدّل وسطيّ يبلغ زائد 2.4 درجات مئوية بالمقارنة مع معدّل حرارة الأرض لحقبة ما قبل الثورة الصناعية. قد لا يبدو أنّ هنالك فارقاً كبيراً بين هذين الرقمين (0.9 درجة مئوية). لكن تجدر الإشارة إلى أنّ ارتفاعاً بنصف درجة مئوية، وحتى أقلّ، يترك تداعيات كبيرة على المناخ الدولي.
تقول هيئة الأمم المتحدة المعنيّة بتغيّر المناخ إنّ موجة الحرّ الشديد التي كانت تحدث مرّة كلّ عقد من الزمن في مناخ غير متأثّر بالنشاطات البشرية الملوّثة ستتكرّر 4.1 مرّات كلّ عقد عند بلوغ الزيادة 1.5 درجات مئوية، و5.6 مرّات إذا بلغت الزيادة درجتين مئويتين. ويمكن أن يرتفع مستوى البحار إلى بضعة أقدام عند زيادة 1.5 درجات مئوية وحتى عشرة أمتار مع زيادة درجتين مئويتين، بالرغم من الضبابية السائدة حيال وتيرة هذا الارتفاع. مع ذلك، لا يزال التعهّد بخفض الانبعاثات مستنداً إلى النوايا الحسنة ومفتقداً للشروط التنفيذية.
بموجب اتفاقية باريس للمناخ (2015) تقدّم الدول مراجعتها لهذه المساهمات كل خمسة أعوام. لم يقدّم "كوب-26" هذه المراجعة بل سيكون الأمر متروكاً للمؤتمر المقبل في مصر (كوب 27). ترى صحيفة "الغارديان" أنّ هذا الأمر لا يُعدّ تأجيلاً إلى السنة المقبلة بل تأميناً للنفوذ للدول الطموحة عبر ضمان تحرّك الدول المتلكّئة في هذا الإطار. علاوة على ذلك، كان من المفترض أن تكون مراجعة 2025 تتضمّن الأهداف الواجب تطبيقها بحلول 2030 ومراجعة 2025 لأهداف 2035. لذلك، إنّ تقديم الدول لنسبة مساهماتها الجديدة في 2022 بدلاً من 2025 يُعدّ إنجازاً قياساً بموجبات اتفاقية باريس.

"سعادة مشوبة بخيبة أمل"
من النقاط الإيجابيّة الأخرى التي برزت في المؤتمر قدرة القطاع الخاصّ على قطع تعهّدات جريئة. في هذا السياق، التزم تحالف من كبار الضامنين والبنوك والمستثمرين، يسيطر على أصول بقيمة 130 تريليون دولار، باستخدام رأس المال هذا ليصل إلى "صفر" انبعاثات في استثماراته بحلول 2050. لكن فيما تعمل "إيرباص" مثلاً على تكنولوجيا تطوير الهيدروجين كوقود للطائرات لا تزال شركات النفط والطاقة الأبطأ في مجال التعهّدات الخضراء.
كانت ردود الفعل السياسيّة على ميثاق غلاسكو مختلطة. رأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنّ "كوب-26" انتهى بـ"خطوات إلى الأمام مرحّب بها" لكنّها "غير كافية"، قائلاً إنّه "حان الوقت للانتقال إلى وضعيّة الطوارئ". وكان لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي استضافت بلاده القمّة تعليق مشابه معرباً عن "سعادة مشوبة بخيبة الأمل" بما توصّل إليه المؤتمر الذي "دقّ جرس الموت لطاقة الفحم".
لقد أنهى المفاوضون اتفاقية تضع قواعد لأسواق الكربون حيث يمكن أن تؤدّي إلى إنفاق تريليونات الدولارات على حماية الغابات ومشاريع أخرى لمكافحة تغيّر المناخ. ورأت "وول ستريت جورنال" أنّ هذه الاتّفاقيّة هي من بين أكثر الاتّفاقات ملموسيّة بالنسبة إلى الأعمال التي خرج بها "كوب-26". ومن بين الخطوات التي أقرّها الميثاق السماح للشركات التي تضخّ نسبة أقلّ من السقف المخصّص لها من انبعاثات الكربون أن تبيع حصّتها على شكل ائتمان للشركات التي تتخطّى هذا السقف. ومع أنّ هذه الخطوة تشجّع على خفض استهلاك هذه الطاقة للاستفادة من بيع الحصّة لأطراف أخرى، ثمّة مخاوف من انتهاز الملوّثين هذه الفرصة لعدم الوفاء بالتزاماتهم، وقد تحدّث البعض عن وجوب عدم الوقوع في فخّ "تخضير" الأموال (Greenwashing). ومن المتوقّع أن تعمل الاتّفاقيّة على إدارة سوقين رسميّة وغير رسميّة لائتمان الفحم.

عن معنى النجاة
لخّصت مجلّة "إيكونوميست" الوضع بعد "ميثاق غلاسكو" بأنّه يصعب القول إنّ هدف 1.5 درجة مئوية لا يزال حيّاً، "إلّا إن كنتم تتخيّلون أنّه يُصدم (كهربائيّاً) للعودة إلى الحياة عبر مشاريع ضخمة لإعادة سحب الكربون الذي ضُخّ من الغلاف الجوي خلال العقود المقبلة". مع ذلك، وعلى الرغم من أنّ "العالم ليس أقرب بكثير اليوم إلى تحقيقه ممّا كان عليه منذ أسبوعين"، يمكن اعتبار "كلّ جزء من درجة تتمّ إزالته من توقعات الحرارة المستقبلية نتيجةً لهذه الجهود (المرتبطة باتفاقية باريس). بهذا المعنى، على الأقلّ، لا يزال (هدف) 1.5 درجة على قيد الحياة".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم