الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ما الذي يمكن توقّعه من قمّة بايدن-ميركل؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
نائب الرئيس الاميركي حينها جو بايدن والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مؤتمر ميونخ للأمن، 2015 - كلاينشميدت/أم أس سي
نائب الرئيس الاميركي حينها جو بايدن والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مؤتمر ميونخ للأمن، 2015 - كلاينشميدت/أم أس سي
A+ A-

يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اليوم الخميس وعلى جدول الأعمال الكثير من النقاط الخلافية. في العنوان العريض، تتّفق الشخصيّتان على ضرورة تعزيز العلاقات العابرة للأطلسيّ. لكن يبدو أنّ ذلك العنوان محصور بالبلاغة الديبلوماسيّة. فحين يتعلق الموضوع بتنفيذ الهدف، يصطدم الطرفان بعقبات كثيرة. تعيش ميركل أسابيعها الأخيرة في منصب المستشارية بعدما خدمت بلادها لفترة هي الأطول في تاريخ ألمانيا الحديث بعد فترة حكم المستشار الألماني هلموت كول الذي يسبقها ببضعة أشهر فقط. فعقب الانتخابات العامة التي ستنظمها ألمانيا في أيلول 2021، ستغادر ميركل السلطة طاوية فصلاً بارزاً في السياسة الداخلية والخارجية.

تأتي زيارة ميركل البيت الأبيض بعد السنوات الصعبة التي عانت منها خلال رئاسة ترامب. أحد أهداف زيارة اليوم تصحيح ما أمكن من العلاقات التي تضرّرت خلال الولاية الماضية. وهي أيضاً تعبير عن رغبتها بتأكيد استمرار إرثها السياسي عبر مرشّحها المقبل إلى منصب المستشارية أرمين لاشيت. تعبّد ميركل الطريق أمام الأخير كي يكون قادراً على مواصلة مدّ الجسور بين برلين وواشنطن، وتالياً بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. لكن المهمة ليست سهلة.

 

نقاط الاختلاف

يختلف الطرفان بداية حول النظرة إلى مشروع استجرار الغاز الروسي من خلال "تيار الشمال 2". أعفت إدارة بايدن الشركة المشغّلة للمشروع من العقوبات، لكنّ الإعفاء قد لا يستمرّ لفترة طويلة. الصين والعلاقات الاستثمارية والتكنولوجية معها عنوانٌ خلافيّ آخر. كانت بروكسل وبيجينغ قد توصلتا إلى التوقيع على "اتفاقية الاستثمار الشاملة" في كانون الأول 2020، على الرغم من مناشدات الديموقراطيين لتأجيل المشروع حتى استلام الفائز الحكم في 20 كانون الثاني. مضت برلين في المشروع قبل أن يشهد انتكاسة بفعل عقوبات حقوقية فرضتها أوروبا على مسؤولين صينيين. علاوة على ذلك، تحتل الصين المرتبة الأولى على لائحة شركاء ألمانيا التجاريين، مع تبادل تجاري وصل حجمه إلى حوالي 250 مليار دولار السنة الماضية.

في هذا الوقت، تواصل الولايات المتحدة فرض قيود على سفر الأوروبيين إلى أراضيها. وتعدّ ألمانيا واحدة من أكبر الدول المساهمة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل الولايات المتحدة حتى أنّ استثماراتها وأعمالها توظّف حوالي مليون أميركيّ. وكان ترامب قد فرض هذه القيود في بداية تفشي الوباء ثم رفعها قبل مغادرة منصبه. لكنّ بايدن أعادها سريعاً. لا شكّ في أنّ هذا الملفّ سيكون حاضراً أيضاً في النقاش.

مسألة أخرى لن تغيب عن الاجتماع هي اقتراح واشنطن رفع براءات الاختراع عن اللقاحات المضادة لفيروس "كورونا" من أجل تسريع إنتاج وتوزيع اللقاحات. لكنّ برلين ردّت بأنّ "حماية الملكيّة الفكريّة هي مصدر الابتكار ويجب أن تبقى كذلك في المستقبل". وهنالك أيضاً قضية رفع ألمانيا إنفاقها الدفاعي إلى 2% والذي لن يتحقق على الأرجح قبل عقد من الزمن. بالرغم من أهمية هذا الملف بالنسبة إلى تعزيز إمكانات حلف شمال الأطلسي، قد لا يحظى حالياً بالأولوية الأميركية التي كانت سائدة في ولاية ترامب.

 

ردّ بايدن: ليونة أم تشدّد؟

ثمة فرصة كي يبدي بايدن ليونة في هذه القضايا كنوع من "هدية الوداع" لميركل. إعفاء الشركة المشغّلة لـ"نورد ستريم 2" من العقوبات مؤشر إلى ذلك. يتوقع المستشار الخاص السابق للحكومة البريطانية أندرو هاموند في صحيفة "عرب نيوز" السعودية الصادرة بالإنكليزية أن يفعل بايدن كلّ ما بوسعه لزرع الاستقرار في العلاقات الثنائية قبل مغادرة ميركل منصبها. مع ذلك، ما من أمر مؤكد في إطار هذه العلاقات التي أفقدت المراقبين القدرة على التنبؤ بمسارها خلال السنوات الأخيرة. فبحسب مجلة "دير شبيغل"، كانت ألمانيا أول دولة أوروبية تعتقد أنّ العلاقات الثنائية لن تعود إلى سابق عهدها، مع أو بدون ترامب. الاستعجال في التوقيع على "اتفاقية الاستثمار الشاملة" بعد شهر ونصف فقط على فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية قد يكون الدليل الأحدث على ذلك. وهذا يفسّر أيضاً محاولة برلين إيجاد توازن في العلاقات الخارجية بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى.

بالمقابل، يجوز أيضاً افتراض ألّا يقدّم بايدن تنازلات كثيرة لميركل خصوصاً أنّ شكل الحكومة الألمانية المقبلة غير واضح المعالم. فشعبية حزب "الاتحاد الديموقراطي المسيحي" في أدنى مستوى لها على الإطلاق، وحظوظ فوز لاشيت بمنصب المستشارية كبيرة لكنها غير مضمونة. وهنالك احتمال لتشكيل حكومة من الوسط واليسار بقيادة "الحزب الديموقراطي الاجتماعي" و"الديموقراطيين الأحرار" و"الخضر" مع ذهاب حزب ميركل، أو في هذه الحالة حزب لاشيت، إلى صفوف المعارضة. لكن الاحتمال الأكبر يبقى في نشوء ائتلاف حكومي بين "الاتحاد" و"الخضر".

حتى في حال تحقق ذلك، من المرجّح أن تشهد ألمانيا بعض التغيّرات في السياسة الخارجيّة. ذلك أنّ "الخضر"، خصوصاً بقيادة أنالينا بيربوك (مرشحة أيضاً لمنصب المستشارية)، يملكون سياسة متشدّدة تجاه روسيا والصين بسبب قضايا حقوق الإنسان. يثير هذا الاحتمال تساؤلات عن الحافز الذي سيدفع بايدن إلى تقديم تنازلات قد لا يطلبها أو قد يختلف عليها أساساً الائتلاف الحكومي المقبل في برلين. وفي هذه الأثناء، صدر تقرير لشبكة "بلومبيرغ" منذ ساعات قليلة أشار إلى أنّ ديبلوماسيين أوروبيين يقولون إنّ إدارة بايدن لم تعط أيّ مؤشّر عن الموعد الذي يمكن أن تتراجع فيه عن قيودها.

 

صورة محتملة لنتائج اللقاء

بعد كلّ هذه الخلافات، ما الذي بقي لتقدّمه قمّة بايدن-ميركل؟ بحسب مراقبين، ليس الشيء الكثير، أو على الأقلّ، ليس الشيء الجوهريّ. مع ذلك، يبقى القليل أفضل من عدم انعقاد القمّة. قد ينتهي اللقاء باستعراض "الكثير من السياسات الرمزية"، تقول مديرة المجلس الألماني للعلاقات الخارجية كاثرين كلوفر لصحيفة "نيويورك تايمس". مع ذلك، تبقى "تلك الرمزية أساسية بعد نهاية حقبة ترامب. يحتاج طرفا هذه العلاقة إليها"، بحسب تعبير كلوفر.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم