السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

كيف تركت "سي آي أي" بصمتها في أوكرانيا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
مقر "سي آي أي" في فرجينيا، 2016 - "أ ب"
مقر "سي آي أي" في فرجينيا، 2016 - "أ ب"
A+ A-

الـ"سي آي أي" كانت حاضرة في الميدان الأوكرانيّ... منذ فترة طويلة، وبفاعليّة. "لماذا زار مدير "سي آي أي" برينان كييف: في أوكرانيا الحرب السرية بدأت". كان هذا عنوان تقرير لمجلة "فوربس" الأميركية في مثل هذا الشهر من سنة 2014. اليوم، بعد ثمانية أعوام، يبدو أنّ الأضواء عادت لتُسلّط مجدّداً على جهود وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) في تدريب القوات الأوكرانية.

التطور الذي شهده الجيش الأوكراني خلال ثمانية أعوام من القتال لم يكن سببه التمرّس ولا الخبرة المكتسبة فقط. معنويات الأوكرانيين مهمة أيضاً في صناعة الصمود، لكنّها بدورها لا تقدّم وحدها تفسيراً كاملاً للنقلة النوعية التي شهدتها القوات الأوكرانية في بعض عمليّاتها العسكريّة.

 

تدخّل جريء

عملياً، بمجرّد دخول القوات الروسية الأراضي الأوكرانية سنة 2014، دخل معها بالتوازي عملاء شبه عسكريين من "سي آي أي"، على ما ينقله مراسل شؤون الأمن القومي في موقع "ياهو" زاك دورفمان عن مسؤولين استخباريين.

"كان للقناصة الأوكرانيّين مشكلة: القوات الروسية في شرق أوكرانيا كانت تحاول إصابتهم بالعمى... بينما كان الأوكرانيون يبحثون عبر مناظيرهم للعثور على أهدافهم، بدأ الروس في تحديد مواقعهم باستخدام وهج الزجاج، وكانوا يطلقون أشعة ليزر عالية الطاقة باتجاههم، مما ألحق الضرر ببصر القناصين"، كتب دورفمان منذ قرابة الشهر.

 

قد يعدّ تدخّل عناصر من "سي آي أي" في أوكرانيا جريئاً لأسباب عدّة. من جهة، لا تزال الذاكرة حتى القصيرة تحفظ فشل مهمّة هذه الوكالة في سوريا حيث عملت على تدريب معارضين سوريين لحكم الرئيس بشار الأسد. أنهى الرئيس السابق دونالد ترامب برنامج الوكالة في 2017.

 

مع ذلك، قد لا يكون بالإمكان لوم الوكالة على فشل مهمتها. لم تكن إدارة أوباما راغبة بالاستثمار العسكريّ والأمنيّ في سوريا فكانت تدعو إلى رحيل الأسد من دون إقران كلماتها بالأفعال. رأت الإدارة أنّ الحلّ يكمن في الحوار بين المعارضة والنظام فكان التدريب جزءاً من مجهود ديبلوماسي لزيادة الضغط على الحكومة من أجل القبول بالتفاوض. ومع بروز داعش وانهماك الإدارة في التفاوض مع إيران، لم يعد دفع الأسد إلى القبول بالمفاوضات يحتلّ أيّ أولويّة أميركيّة. بالتالي، كان فشل برنامج "سي آي أي" أقرب ما يكون إلى انعكاس الفشل في التخطيط السياسي داخل أروقة البيت الأبيض.

 

لكنّ آخرين عادوا إلى خمسينات القرن الماضي لإظهار فشل سابق منيت به "سي آي أي". في 25 شباط، كتب المؤرّخ في شؤون الاستخبارات الأميركية جيف روغ في صحيفة "لوس أنجيليس تايمس" أنّ الوكالة نفسها اعترفت بأنّ دعمها للتمرد الأوكراني ضد السوفيات سنة 1949 كان "مأسوياً".

حذّر روغ، وهو أيضاً أستاذ مساعد في الدراسات الاستخبارية والأمنية في المعهد العسكري الأميركي، من أنّ روسيا والصين على علم بجهود "سي آي أي" وبالتالي ستعملان معاً على ملاحقة المسؤولين الأميركيين في البرنامج خصوصاً أنّ الوكالة كانت تعاني في حماية عملائها الخارجيين.

 

2022... رواية مختلفة

ما يحصل لغاية اليوم على الأقلّ، ينفي تكرّر هذا السيناريو. بحسب دورفمان، أبقت واشنطن عدد عناصر "سي آي أي" عند قرابة الخمسة. وتأكّد هؤلاء من أنّهم لا يدرّبون القوات المتطرفة في حماستها كي لا تجرّ واشنطن إلى صدام مع الروس. ولم تشمل مهمّة "سي آي أي" التدريب فقط على استخدام الصواريخ وجمع المعلومات وتفادي التعرّض لكمائن الروس وحسب، بل شملت أيضاً التأكّد من أنّ القوّات الأوكرانية لن تنهار، وهذا ما أبلغته للقيادة في واشنطن. وعلى أيّ حال، غادر العملاء الأراضي الأوكرانية بعد اندلاع الحرب، وفقاً للمراسل نفسه.

 

لقد كان برنامج تدريب "سي آي أي" جزءاً من برنامج تدريب أوسع بين أوكرانيا وحلف شمال الأطلسيّ لتعزيز إمكانات "قوّات العمليات الخاصة" في أوكرانيا (نحو 2000 عنصر). وأشار مراقبون إلى أنّ هذا التعاون المكثّف أدّى إلى تحسين قابلية التشغيل البينيّ وقدرات قوات العمليات الأوكرانية الخاصة حتى أصبح مركز العمليات الخاصة رقم 140 في أوكرانيا أول وحدة غير أطلسيّة تحصل على شهادة قوات العمليات الأطلسية الخاصة. كما أصبحت مؤهّلة للانتشار تحت مظلّة قوة الرد التابعة للناتو.

 

كشفت الحرب على أوكرانيا عيوباً عدة في الجيش الروسي مثل ضعف اللوجستيات وغياب الوحدة في القيادة وعدم الإعداد النفسيّ وغيرها. لكن من بين الأكثر لفتاً للأنظار، هو أنّه وفي سنة 2022، يبدو الجيش الروسيّ قد ارتكب الأخطاء نفسها التي ارتكبها نظيره الأوكراني في 2014، خصوصاً لجهة استخدام قنوات تواصل غير آمنة الأمر الذي أدّى إلى كشف عناصره واغتيال بعضهم.

 

شهادة ضابط سابق عن التدريب

خلال الحرب الباردة، أدرك عناصر "سي آي أي" بعد عام على وصولهم إلى أوكرانيا، أنّهم كانوا سيخسرون المعركة، وفقاً لروغ. وبحلول أواسط الخمسينات، كان السوفيات قد نجحوا بقمع التمرّد الأوكرانيّ وإنهائه. يصعب أن تملك روسيا اليوم ترف انتظار عام واحد على الأقل كي تفوز بالحرب.

في الخمسينات، لم يكن اقتصاد الاتحاد السوفياتي متداخلاً مع الاقتصاد العالمي كما هي الحال عليه اليوم مع الاقتصاد الروسي الذي قد يتقلّص بحوالي 35% بسبب العقوبات الغربية وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي. يضاف إلى ذلك أنّ روسيا أقلّ قدرة اليوم من الاتحاد السوفياتي على تحمّل الخسائر البشرية التي تتكبّدها.

 

من ناحية أخرى، يبدو أنّ التدريب الذي يتلقّاه الأوكرانيون على يد "سي آي أي" يعدّ من بين الأصعب. ضابط الاستخبارات السابق في الوكالة راين هيلسبرغ يقول في حديث إلى شبكة "فوكس نيوز" إنّ العملاء يجعلون التدريبات ضاغطة وصعبة إلى درجة يجد المتدربون ما يواجهونه في الحرب سهلاً نسبياً. واعترف بأنّه بعد خبرته في المؤسسة التي بلغت 30 عاماً، لم يواجه في العالم الحقيقي المقدار نفسه من الصعوبات التي اختبرها خلال فترة التدريبات.

لن تكون "سي آي أي" العنصر الوحيد ولا ربما الأكثر فاعلية حتى في إنجاح الجيش الأوكرانيّ. لكن حتى العوامل الثانوية في تلك الحرب لا تخلو من الأهمية.

بحسب ما يقوله مسؤول أميركيّ سابق في "سي آي أي" لدورفمان، إنّ وحدات العمليات الخاصة التي تدربت على يد وكالة الاستخبارات المركزية أسّست مثالاً للجيش الأوكراني عبر "تحقيق بعض الانتصارات الصغيرة" وعبر "توفير بعض قصص النجاحات". تمّ ذلك على قاعدة أنّ "الشجاعة يمكن أن تعدي".

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم