الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

كيف تُحطَّم نظريات المؤامرة حول لقاحات كورونا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
لقاح كورونا (أ ف ب).
لقاح كورونا (أ ف ب).
A+ A-

بالرغم من أنّ عدد متلقّي اللقاح حول العالم إلى ازدياد، ذكرت آنّا راسل في مجلّة "نيويوركر" منذ أيّام كيف تستمر المخاوف من انتشار المعلومات المغلوطة المتعلّقة باللقاحات. فمنها ما يتحدّث عن ضررها على الخصوبة وعلى احتوائها رقائق إلكترونيّة فائقة الصغر لزرعها في جسم الإنسان وغيرها من الأوهام. واستشهدت باستطلاع رأي لمجلّة "نايتشر" نشرته الشهر الماضي، وجد أنّ التضليل على وسائل التواصل الاجتماعيّ أدى إلى هبوط نسبة البريطانيين الذين سيتلقّون اللقاح بشكل "حتميّ" بـ 6.2% بعدما شاهدوا نظريّة مؤامراتيّة من بينها أنّ بيل غايتس وضع مخطّطاً ضدّ مواطنيه.

 

في لبنان، ربّ ضارّة نافعة. الجدل الحادّ الذي أثاره انتشار خبر تلقّي بعض النوّاب اللبنانيّين اللقاح ضدّ كوفيد-19 من خارج المنصّة الرسمية، له وجه إيجابيّ: النوّاب حريصون على تلقّي اللقاح وبأسرع ما يمكن. قد يكون هذا الأمر أفضل دعاية لمواجهة نظريّات المؤامرة المحيطة باللقاحات والتي انتقلت سريعاً من الغرب إلى لبنان.

 

في زمن تسمح وسائل التواصل الاجتماعيّ لأيّ كان بأن يصبح "خبيراً" في أيّ موضوع، قفز إلى الواجهة الإعلاميّة والإلكترونية "المؤثّرون" (influencers) ليدلوا بدلوهم في علوم الفيروسات والأوبئة والجينات!

 

قال هؤلاء، من دون أدلّة، إنّ الفيروس يهدف إلى التخلّص من كبار السنّ لأنّهم يشكّلون عبئاً على خزينة الدول. حتى اليوم، توفّي أقلّ من ثلاثة ملايين شخص حول العالم بسبب الفيروس. كيف لهذا الرقم الضئيل نسبيّاً أن يريح خزينة الدول من "عبء" كبار السنّ يبقى لغزاً. وقيل إنّ اللقاحات هي التي ستقتل الملايين و/أو سيطوّرها العلماء بإشراف أثرياء العالم ومنهم بيل غيتس، لزرع رقائق فائقة الصغر في جسم الإنسان. تمّ دحض هذه النظريّات التي استندت إلى فيديوهات معدّلة ومركّبة، بشكل متكرّر (هنا وهنا وهنا).

 

اللقاح خطير والأرض مسطّحة

ليست قواعد اللعبة متساوية بين أصحاب الاختصاص من جهة والمؤثّرين الاجتماعيين المعارضين للّقاحات من جهة أخرى. ففيما يتطلّب شرح آليّة عمل اللقاحات منهجيّة علميّة رصينة، يستخدم أصحاب نظريّات المؤامرة سيناريوهات مسلّية مع تغليفها بقشرة علميّة. يصعّب هذا الواقع على المتخّصصين مهمّة إيصال الفكرة لدى أكبر شريحة ممكنة من الناس بطريقة سهلة. ونظريّات المؤامرة المحيطة باللقاحات ليست وليدة "كوفيد-19". واجهت اللقاحات حملات تشكيك منذ زمن طويل. ولا تنحصر هذه النظريّات المؤامراتيّة بالمواضيع الطبّيّة.

 

فمن بين معتنقي هذه النظريّات من يؤمن، على سبيل المثال، بأنّ الأرض مسطّحة. في 2018، وجد استطلاع أنّ 84% فقط من الأميركيّين "آمنوا دوماً بأنّ العالم (كوكب الأرض) مستدير" بينما يؤمن 2% بشدّة بأنّ الأرض مسطّحة. وانخفضت هذه النسبة بشكل لافت إلى 66% لدى الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً. وينتشر مروّجو هذه الفكرة في دول غربيّة عدّة. وصادف الشهر الماضي مرور عام على مقتل مايك هيوز، سائق سيارات رياضية، بعد تحطّم صاروخ أعدّه بنفسه لإثبات أنّ الأرض مسطّحة.

 

أسباب نظريّات المؤامرة

يعتقد أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة مدينة نيويورك، ميشيو كاكو، أنّ في الإنسان "جيناً" (وحدة وراثية) تتعلّق بالإيمان بنظريّات المؤامرة أو بالتفكير السحريّ. حين كان الإنسان لا يزال يعيش في الغابات، ساعده ذلك الجين على النجاة. كانت الخرافات مخطئة في 90% من الحالات. لكن في 10% منها نجحت عن طريق الصدفة وأنقذته، كما يشرح.

 

المهندس الميكانيكيّ والإعلاميّ بيل ناي يرى أنّ الإنسان يكوّن طوال سنوات نظرة إلى العالم. ثمّ يأتي دليل لينقض نظريّته. فيكون عليه إمّا أن يغيّرها، وهذا صعب لأنّ هذه النظرة رافقته طوال حياته، أو أن يتخلّى عن الدليل أو السلطة التي قدّمت الدليل وهذا أسهل بالنسبة إليه لأنّه يمنعه من الدخول في صراع داخليّ.

 

وتضيف عالمة النفس ساره روز كافانانيْ أنّ ثمة رغبة لدى الإنسان بالاعتقاد بأنّه سيحلّ لغزاً ضخماً وقد أعطته "هوليوود" هذه الفكرة، وساعده فيلم "دافنشي كود" مثلاً على تكوين انطباع بأنّه سيكون "البطل" الذي سيحلّ هذا السرّ.

 

المتعة

إن كيفيّة تفنيد نظريّات المؤامرة بتقديم العلوم بأسلوب ممتع، أمرٌ متاح دوماً. لكنّ انتشار البرامج الشعبيّة العلميّة بدأ يسهّل المهمّة. يقول عالم الفيزياء الفلكيّة نيل دي غراس تايسون، الذي يقدّم برامج شعبيّة عن علم الفضاء، إنّ الحرارة على كوكب الزهرة هي 482 درجة مئويّة. ويضيف: "أستطيع أن أقول لكم إنّها تذيب الرصاص. لكنّ هذا ليس ممتعاً بمقدار قول "يمكنكم طهي بيتزا على حافة النافذة (على الكوكب نفسه) في تسع ثوانٍ". وفي المرة المقبلة التي يأكل فيها متابعو البيتزا، سيفكّرون بالزهرة!". وفي مثل آخر يشرح فيه قابليّة البشر للعيش على الكواكب، يقول تايسون: "بإمكان الإنسان أن يعيش ثانية واحدة على الزهرة".

 

إذا كان إدخال التسلية في إطار التسويق للعلوم رائجاً في الفترات الطبيعيّة وفي مسائل لا ترتبط بصحّة الإنسان مباشرة، فالمشكلة تكمن في طريقة تسويق اللقاحات وسط جائحة واسعة الانتشار كجائحة "كورونا" بالتوازي مع انتشار الأفكار المضلّلة على وسائل التواصل الاجتماعيّ. لكن بالنظر إلى ما حقّقه عالم الفيروسات الدكتور روبرتو بوريوني من جامعة القديس رافاييل في ميلان الإيطاليّة على مستوى مكافحة التشكيك باللقاحات، يمكن استخلاص أنّ هذه المشكلة غير مستعصية على الحلّ.

 

في أيّار 2016، دُعي بوريوني للحلول ضيفاً على أحد البرامج لمواجهة شخصَين مناهضَين للّقاحات. ظنّ بوريوني أنّه سيقابل اختصاصيَّين في علم الفيروسات ففوجئ بأنّهما دي جاي سابق وممثلة. أُعطي هذان الضيفان الوقت الكامل للتحدّث عن نظريات المؤامرة. وقبل دقائق من إنهاء البرنامج، طلب الإعلاميّ من بوريوني الكلام. فقال ببساطة: "الأرض دائريّة، الوقود قابل للاشتعال، واللقاحات آمنة وفعّالة. كلّ ما تبقّى هو أكاذيب خطيرة".

 

هكذا يردّ على التشكيكات

نشرت مجلّة "ساينس" تقريراً مطوّلاً عن مسيرة بوريوني. وصف الإعلامي أليساندرو ميلان كلمات العالم الإيطاليّ بأنّها "أجمل 13 كلمة سُمعت على التلفزيون خلال العام الماضي". ووصفته مجلّة "فوربس" بنسختها الإيطالية بأنه واحد من أكبر خمسة أشخاص غيّروا قواعد اللعبة على الإنترنت.

 

في 2015، طُلب من بوريوني الردّ بمنشور فايسبوكيّ على القائلين إنّ اللقاحات مجرّد منتجات لإثراء الشركات المصنّعة لها، فكتب أنّ شركات أدوية العلاج تكسب أموالاً أكثر بكثير من الشركات المصنّعة للّقاح. وتابع: "لذا إذا لم تلقّحوا أطفالكم، فستكون شركات الأدوية المتعدّدة الجنسيّة ممتنّة لكم بصدق". في غضون أسبوع، ازداد متابعوه من 100 إلى أكثر من 100 ألف.

 

أدرك بوريوني ضرورة جذب الجماهير بلغة لا يستخدمها في المحاضرات فلجأ إلى الأمثال. وسأل: "هل يطرح مهندس الطيران مسألة عدد العجلات الواجب استخدامها في الطائرة على التصويت بين الركّاب؟". ولبوريوني أربعة كتب من بينها: "اللقاحات ليست رأياً: عمليات التلقيح مفسّرة لأولئك الذين لا يريدون حقاً الفهم"، و"مؤامرة المغفّلين: لماذا لا يمكن أن تكون العلوم ديموقراطيّة".

 

البابا فرنسيس يتدخّل

ينصح كاكو مفنّدي نظريّات المؤامرة بالصبر لأنّ طريقهم سيكون طويلاً وشاقّاً. لكنّ هؤلاء بحاجة لدعم الإعلام. ينتقد بوريوني إتاحة المجال أمام مروّجي نظريّات المؤامرة على أنّهم أصحاب رأي آخر يجب استضافتهم. ما يعنيه ذلك هو إعطاء مساحتين متساويتين "للحقيقة والكذب" بحسب رأيه. من جهة موازية، يبقى دور التوعية حول أهمّيّة اللقاح غير محصور بالإعلام وحده. القادة السياسيّون والرؤساء والشخصيّات العامّة يتمتّعون بمسؤوليّة كبيرة. لهذا السبب مثلاً، طلب أمس كبير خبراء الأوبئة في البيت الأبيض أنطوني فاوتشي من الرئيس السابق دونالد ترامب أن يحضّ مناصريه على أخذ اللقاح، مؤكّداً أنّ هذا الأمر سيشكّل "فارقاً كبيراً" بسبب شعبيّته داخل الحزب الجمهوريّ. لرجال الدين أيضاً كلمتهم المدوّيّة. هذا ما يعمل عليه إمام أحد الجوامع في منطقة ليدز البريطانيّة، بحسب "نيويوركر". والبابا فرنسيس نفسه واجه الأفكار المروّجة لعدم تلقّي اللقاح بتوصيف قاسٍ: "النكران الانتحاريّ".

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم