كيف تتأثّر روسيا بانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو؟

في خطوة غير مفاجئة، أقلّه بالنسبة إلى المسار العام خلال الأسابيع القليلة الماضية، أعلنت فنلندا أمس الخميس رغبتها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. جاء إعلان النوايا في بيان للرئيس ساولي نينيستو ورئيسة الوزراء سانا مارين. بذلك، تخلّت فنلندا عن سياسة الحياد أو بشكل أدقّ "عدم الانحياز" التي تبنتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. خاضت فنلندا حرباً مع الاتحاد السوفياتي انتهت باتّفاقيّة  تخلّت الأولى بموجبها عن قرابة 10% من أرضها والامتناع عن الدخول في أحلاف إقليمية.

جاء إعلان نينيستو ومارين بعدما قدّمت الحكومة الأوكرانية تقريراً عن الأمن القوميّ إلى البرلمان الذي رسم مسار الانضمام إلى الناتو كأحد الخيارات أمام فنلندا. وأعرب الرئيسان عن ثقتهما بأنّ العضوية الأطلسيّة ستعزّز أمن فنلندا، وبالعكس، ستعزّز أيضاً قوة الحلف وأمنه. وشدّدا على وجوب حصول هذا الانضمام "من دون تأخير".

 

المزاج ينقلب

شكّل الغزو الروسي لأوكرانيا السبب المباشر في الخطوة الفنلندية. قبل الغزو، كانت النسبة الأكبر من الفنلنديين معارضة للتخلي عن سياساتها التقليدية. قبل انطلاق العمليات العسكرية، كان 20 إلى 30% من الفنلنديين يؤيدون الانضمام إلى الناتو. في آذار، وصلت النسبة إلى 60%. منذ أيام قليلة، أعرب 76% منهم عن تأييدهم لدخول النادي الأطلسيّ. ويؤيّد 121 نائباً فنلندياً من أصل 200 هذه الخطوة، بينما لا يعارضها سوى 10 نواب. في نيسان، وافق فقط 96 نائباً على الفكرة. لذلك، من المتوقّع أن يحصل إعلان النوايا على الموافقة التشريعية من دون أي عراقيل. لكنّ الأنظار موجّهة إلى روسيا لمعرفة ردّ الفعل المحتمل.

 

حذّرت وزارة الخارجية هلسينكي قائلة إنّ "عليها أن تدرك مسؤولية وتداعيات خطوة كهذه"، بما أنّ سياسة عدم الانحياز كانت "أساساً للاستقرار". وأضافت: "روسيا ستضطر إلى اتخاذ خطوات انتقامية، من طبيعة عسكرية-تقنية، ومن طبيعة أخرى، من أجل وقف التهديدات ضد أمنها القومي التي تبرز في هذا الإطار". لكن وسط انشغالها بالمعارك التي لا تسير وفقاً لطموحاتها في أوكرانيا، يصعب توقّع أيّ ردّ فعل عسكريّ من روسيا أقلّه في الوقت الحالي.

 

من جهة ثانية، يبدو أنّ فنلندا حصلت على ضمانات أمنية من دول عدة في الحلف الأطلسي بشأن أيّ هجوم عسكريّ روسيّ محتمل على أراضيها. سيستغرق انضمام فنلندا إلى الناتو بعض الوقت. لذلك، سيضمن الأطلسيّون أمن فنلندا خلال هذه الفترة الزمنية الفاصلة بين طلب العضوية والحصول عليها. تحدّث أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ والبريطانيون والأميركيون وحتى الألمان عن هذه الضمانات، إلى جانب آخرين. وستشمل هذه الضمانات السويد أيضاً التي تتطلّع هي الأخرى إلى دخول الناتو.

 

على الخطى نفسها

من المتوقّع أن تتقدّم الحكومة السويدية بطلب الانضمام إلى الناتو الأسبوع المقبل. سيناقش البرلمان الأسوجي الوضع الأمنيّ يوم الاثنين قبل أن تدعو رئيسة الوزراء ماغدالينا أندرسون إلى عقد اجتماع وزاري خاص لاتخاذ القرار اللازم. توحي الأجواء العامة في البلاد بتأييد هذه الخطوة، وإن كانت نسبة الدعم أقل مما هي عليه في فنلندا. في آذار، دعم 47% من السويديين عضوية بلادهم في الناتو وعارض 33% ذلك. في نيسان، ارتفع التأييد إلى 53%. سهّل تصاعد التأييد الشعبي في كلتا الدولتين مهمّة التحرّك لطلب الحصول على العضوية الأطلسية. لكنّ تسهيل المهمّة ليس عمليّة داخلية وحسب، إنّها عمليّة متبادلة إقليمياً أيضاً.

كانت هنالك توقّعات سابقة بأن تنتظر فنلندا اتّخاذ السويد الخطوة الأولى. حصل العكس. مع ذلك، إنّ تقدّم الدولتين بطلب الانضمام إلى الحلف الأطلسيّ بشكل متزامن تقريباً، يقلّص من مخاوف هلسينكي حيال الاضطرار لتحمّل ردّ الفعل الروسيّ بشكل منفرد، كما تشرح الأستاذة في جامعة تامبيري الفنلندية حنة أوجانين.

وإذا كانت سياسة فنلندا خلال العقود الماضية مبنيّة على اتّفاقيّة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة مع روسيا التي تم توقيعها بعد الحرب، فإنّ سياسة السويد بعدم الانضمام إلى الناتو بعد الحرب العالمية الثانية تنبع من أفكار أكثر إيديولوجية. لقد ركّزت ستوكهولم في مقاربتها على الحوار المتعدد الأطراف ونزع السلاح النووي والوساطة لحلّ النزاعات على الساحة الدولية. في جميع الأحوال، يبدو أنّ الدولتين ذاهبتان باتجاه تغيير سياستيهما الطويلتي المدى. سيمثّل ذلك مشكلة جديدة لروسيا تضاف إلى مشاكلها السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تواجهها خلال، أو بسبب غزوها لأوكرانيا.

 

مشاكل روسيا

إنّ تمكّن فنلندا من تحقيق حلمها المستجدّ بدخول الناتو سيجعل روسيا في موقع استراتيجيّ أضعف. فجأة، ستجد روسيا نفسها على تماس مباشر مع حدود أطلسية إضافية. يبلغ طول الحدود الفنلندية-الروسية قرابة 1300 كيلومتر. هذه الحدود أطول من تلك التي تفصل الدول الأطلسية الأخرى (النرويج، بولونيا، ودول البلطيق) مع روسيا حالياً بنحو الضعفين. ليس تطوّر كهذا مريحاً لموسكو. ومع انضمام السويد إلى الناتو، ستكون روسيا قد خسرت منفذاً بحرياً نحو المحيط الأطلسيّ، مع "تأطلس" ضفّتي بحر البلطيق.

إنّ انضمام فنلندا والسويد المتوقع إلى الحلف الأطلسيّ سيعزّز التضامن الأمنيّ بين دول منظّمة "نوردفكو" أو "التعاون الدفاعي الشماليّ" الذي يضمّ هاتين الدولتين إلى جانب الدنمارك والنرويج وآيسلندا. ضِمن "نوردفكو"، كان التركيز ينصبّ على التنسيق. لكن ضِمن الناتو ستخضع جميع القوات العسكرية لقيادة مشتركة كما تشرح وكالة "أسوشييتد برس". علاوة على ذلك، سيعزّز "الشمال" قبضته الاستراتيجية على بحر البلطيق الذي يشكّل مسار روسيا البحري الأساسي نحو مدينتي سانت بطرسبورغ وإقليم كالينينغراد. بذلك، إنّ التخطيط العسكري الأطلسي المدمج سيجعل الدفاع عن المنطقة أكثر سهولة.

ستفرض كلّ هذه التداعيات المحتملة ضغوطاً إضافيّة على الكرملين لاتّخاذ قرارات سريعة بشأن الرد أو عدم الرد على توسّع حدود الناتو المشتركة مع حدودها. لكنّ ذلك سيحدث في وقت لا يزال تحقيق أهداف أضيق نطاقاً بكثير، كما يحصل في الشرق الأوكرانيّ، متعثّراً إلى حد كبير.