الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

تفجير نطنز... نهاية سياسة "صفر مفاجآت"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
نائب الرئيس الأميركي حينها جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الولايات المتحدة - 2010 - "أ ب"
نائب الرئيس الأميركي حينها جو بايدن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الولايات المتحدة - 2010 - "أ ب"
A+ A-

بعد فترة من الهدوء النسبيّ المتمثّل في عدم تعرّض منشآت الطاقة الإيرانيّة لعمليات تخريبية منذ مطلع 2021، أعاد انفجار منشأة نطنز النووية خلط الأوراق السياسيّة والأمنيّة بين ثلاثة أطراف على الأقل. اتّهمت إيران الإسرئيليين بالوقوف خلف الهجوم الذي وقع الأحد، بينما نقلت وسائل إعلامية إسرائيلية عدة عن مصادر استخبارية قولها إن جهاز الموساد نفّذ عملية تخريبية "ناجحة" في موقع نطنز. امتنعت تل أبيب عن التعليق رسمياً على الحادث. لكنّ وكالة "أسوشييتد برس" ذكرت أنّ الإعلام الإسرائيلي يتمتّع بعلاقات وثيقة مع الوكالات العسكرية والاستخبارية.

 

كذلك، نقلت صحيفة "نيويورك تايمس" عن مصادر قولها إنّ الحادث جاء نتيجة لانفجار نظمته إسرائيل حيث تمّ التفجير عن بعد. وذكرت أيضاً أنّ إيران قد تستغرق 9 أشهر لإعادة تخصيب اليورانيوم في نطنز الواقعة على بعد حوالي 250 كيلومتراً جنوب طهران. وتعدّ نطنز أكبر منشأة نووية في البلاد. سبق أن تعرّضت المنشأة لعمل تخريبيّ في 2 تمّوز 2020. حينها، توقّع خبراء إسرائيليّون أن يكون الهجوم قد أعاد البرنامج أكثر من سنة إلى الوراء. وتعرّضت المنشأة لأكبر عمليّة سيبيرانيّة منذ حوالي عقد من الزمن عُرفت باسم "الألعاب الأولمبية" واستهدفت حوالي 100 ألف جهاز طرد مركزيّ وأبطأت البرنامج النوويّ حوالي سنة.

 

إيران تهدّد وواشنطن تتبرّأ

في هذه الأثناء، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده إنّ أجهزة الطرد التي تضرّرت هي من الجيل الأوّل وسيتمّ استبدالها بما هو أحدث. وأدى الانفجار إلى وقف تدفّق التيّار الكهربائيّ داخل المنشأة. وبحسب وكالة "إرنا" للأنباء، نقل نواب إيرانيون عن وزير الخارجية محمد جواد ظريف تشديده "على ضرورة عدم الوقوع في الفخّ الذي نصبه الصهاينة". وهي إشارة إلى أنّ الإسرائيليين يريدون عرقلة المفاوضات غير المباشرة في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة أوروبية من أجل العودة إلى الاتفاق النووي.

 

يشبه تحذير ظريف ذاك الذي أطلقه الرئيس الإيراني حسن روحاني في تشرين الثاني الماضي بعد اغتيال كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زاده. في ذلك الوقت أيضاً، لم يرد روحاني نشوب تصعيد إيرانيّ-أميركيّ بعد خسارة دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية. واكتفى الإيرانيّون في الحالتين بالقول إنّهم يحتفظون بالردّ في "الوقت والزمان المناسبين". وأضافت الحكومة اليوم أنّها ستردّ على الهجوم من داخل ارض منفذيه. من جهتها، أكدت الولايات المتحدة عبر المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي نفي تورط بلادها في الحادث "بأي شكل". لكنها في الوقت نفسه امتنعت عن إصدار أي تعليق إضافي "بخصوص التكهنات حول الأسباب أو الآثار".

 

أوستين في ضيافة الإسرائيليين

تزامن الحادث في المنشأة مع زيارة وزير الدفاع الأميركيّ لويد أوستين الأراضي المحتلة وهي أول زيارة لمسؤول أميركيّ بارز في الإدارة الحاليّة. ليس مستبعداً أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو قد وجّه رسالة للأميركيّين عنوانها أنّه مصمّم على عدم الاعتراف بأيّ مفاوضات تجريها واشنطن مع طهران، إن لم تأخذ مطالبه بالاعتبار. لكن في هذه الرسال مخاطرة كبيرة باحتمال إعادة العلاقات الأميركية-الإسرائيلية إلى محطات التوتر الكبيرة التي شهدتها ولاية أوباما بسبب العامل نفسه. وفي خطوة لم تفت المتابعين، تأخّر بايدن في إجراء اتّصاله الأوّل كرئيس مع نتنياهو لفترة شهر تقريباً. على الرغم من نفي بساكي لذلك، ربّما وجّه بايدن رسالته الخاصة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بسبب طريقة تعامله مع أوباما عبر إلقاء خطاب في الكونغرس شهر آذار 2015 ليهاجم المسار التفاوضيّ مع إيران.

 

اليوم، يبدو أنّ السيناريو السابق مرشّح كي يتكرّر مجدّداً. لا يمكن بشكل كامل استبعاد وجود تبادل أدوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فالطرفان تشاركا في استهداف نطنز سنة 2009. لكنّ احتمالاً كهذا يظلّ ضعيفاً بالنظر إلى أنّ غالبيّة المؤشّرات تظهر أنّ بايدن مستعجل للعودة إلى الاتّفاق النوويّ. وذكر موقع "أكسيوس" أنّ كبار مسؤولي الأمن القوميّ في الولايات المتحدة وإسرائيل يعقدون اليوم الثلاثاء جولة ثانية من المحادثات بشأن طهران. وذكر الموقع أنّ الجولة الأولى التي جرت الشهر الماضي ركّزت على المعلومات الاستخبارية المحيطة ببرنامج إيران النوويّ، بينما يركّز اجتماع اليوم على نشاطات إيران في المنطقة.

 

"لا مفاجآت"

اتّفق الجانبان في الجولة الأولى على "سياسة لا مفاجآت" أي أن يمتنع الطرفان عن اعتماد أيّ خطوة إيرانية من دون التنسيق مع بعضهما. مدى انطباق هجوم نطنز على هذا المبدأ يبقى غير واضح. بالتوازي، ثمّة غموض آخر يتعلّق بتبادل الهجمات بين إسرائيل وإيران على السفن في مياه الخليج العربي. ففي 25 آذار، تعرّضت سفينة شحن إسرائيلية كانت تعبر بحر العرب لصاروخ أحدث بها أضراراً لكنها تمكنت من مواصلة الرحلة. ويوم الثلاثاء الماضي، تعرّضت سفينة تابعة للحرس الثوري لهجوم قبالة سواحل اليمن في البحر اليمن. قد يكون الهجوم الأخير ردّاً إسرائيلياً على الحادث في آذار. لكن يبقى السؤال حول سبب اختيار توقيت الرد بالتزامن مع افتتاح جولة المحادثات في فيينا.

 

قبل الهجوم على نطنز، وصف مسؤولون إسرائيليّون الهجمات المتبادلة بـ"التصعيد المضبوط". وقال مصدر ديبلوماسيّ إسرائيليّ لموقع "ألمونيتور" إنّ "المشكلة هي في أنّ قدرة السيطرة على التدهور محدودة ويمكن أن تجد نفسك وسط حرب في أي لحظة، من دون قصد الذهاب إلى هناك".  

 

منذ بدأت عمليّات التخريب في إيران الصيف الماضي، نجح الطرفان في منع انفلاش التصعيد إلى حرب مفتوحة. لكنّ نتنياهو قد يجد نفسه مضطرّاً إلى مراكمة الخطوات التصعيديّة كلّما اقتربت واشنطن من العودة إلى اتّفاق نوويّ يرى أنّه غير مناسب للمصالح الإسرائيليّة. سيقرّب ذلك المنطقة أكثر من الحرب. لكن قبل ذلك، ستكون العلاقات الأميركيّة-الإسرائيليّة مرّة جديدة على المحكّ بما أنّ استمرار التصعيد الإسرائيليّ، حتى ولو لم يؤدِّ إلى الحرب، يعني أنّ "سياسة صفر مفاجآت" باتت من الماضي. قد تهدف الاجتماعات الأمنيّة بين الطرفين إلى الحفاظ على هذه السياسة. معرفة مدى نجاح هذه المساعي متروكة للمرحلة المقبلة. حتى وإن كانت الخلافات الاستراتيجيّة بين واشنطن وتل أبيب لا تدعم كثيراً نجاحاً كهذا.  

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم