الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هل تؤثّر الشراكة الصينية - الإيرانية في حظوظ ترامب الرئاسية؟

المصدر: "النهار
جورج عيسى
ترامب (أ ف ب).
ترامب (أ ف ب).
A+ A-
 
تَقدّمَ المحاضر في الدراسات الإيرانيّة في الجامعة الوطنيّة الأوستراليّة عَلَم صالح والباحثة في "مركز الدراسات الاستراتيجيّة الشرق أوسطيّة" زكيّة يازدانشيناس بمقاربة جديدة إلى حدّ ما لاتّفاق الشراكة الاستراتيجيّ الذي تعمل عليه الصين وإيران منذ فترة. إذا كانت المقاربة ليست جديدة من حيث التطرّق إلى المزايا التي يقدّمها الاتّفاق لكلا الطرفين في مواجهة الولايات المتّحدة، فإنّ اللافت للنظر ذكرهما إمكانيّة أن تُفشل هذه الشراكة حملة دونالد ترامب الرئاسيّة.

نكسة
لم يستعرض الكاتبان في مقالهما الذي نشرته مجلّة "فورين بوليسي" التسلسل المنطقيّ الذي يسمح لهما باستخلاص هذه النتيجة. فالعوامل الأكثر تأثيراً في الانتخابات الأميركيّة هي العوامل الداخليّة في شقّيها الاقتصاديّ والاجتماعيّ. حتى مع تحييد هذا الواقع، يصعب لشراكة يُتوقّع أن تنتج مفاعيلها بعد سنوات، أن تغيّر النتائج الانتخابيّة خلال بضعة أشهر.
توقّع الكاتبان أن تكون إيران قادرة على استخدام روابطها الاستراتيجيّة مع الصين كقوّة مقايضة في أيّ مفاوضات محتملة مع الغرب لأنّها ستتمتّع بالقدرة على توسيع نفوذ الصين في الخليج العربيّ. وذكرا أنّه على المدى الطويل ستطبّق طهران بواسطة تقرّبها من الصين سياسة "النظر شرقاً" لتقويض السياسة الأميركيّة في المنطقة. لكن ما لم يذكراه أنّ ذلك يشكّل نكسة لشعار ثورة 1979 الذي قام على أساس "لا شرق ولا غرب". وبحسب رأيهما، تتخوّف الصين من أن تضغط الولايات المتّحدة على حلفائها الخليجيّين لمنع تصدير نفطهم لبيجينغ. ومع ذلك، اعترفا بأنّ واردات الصين النفطيّة من السعوديّة وصلت إلى رقم قياسيّ في أيّار: 2.16 مليون برميل يوميّاً.
في السياق نفسه، انخفضت واردات الصين النفطيّة من إيران في الشهر نفسه إلى رقم قياسيّ أيضاً بلغ 130 ألف برميل وهو أدنى بكثير ممّا كانت تستورده من طهران خلال فترة العقوبات الأمميّة التي سبقت الاتّفاق النوويّ.

خدمة
إنّ توصيف اتّفاق الشراكة الاستراتيجيّة الذي طرحه الرئيس الصينيّ شي جينبينغ خلال زيارته إيران سنة 2016، من زاوية كونه "تحالفاً استراتيجيّاً" يُسقط الكثير من الأدلّة التي تظهر عكس ذلك. يرى صالح ويازدانشيناس أنّ مقاربة الصين "اللاسياسيّة" إلى المنطقة تهدف إلى استخدام إيران لتوسيع الروابط مع الدول المجاورة لها وتأسيس أمن إقليميّ قائم على ما تسمّيه بيجينغ "سلاماً تنمويّاً" بعكس السلام الأميركيّ القائم على أسس الديموقراطيّة. 
بالفعل، ترتكز المقاربة الصينيّة ومعها الروسيّة إلى عدم التدخّل في شؤون الحكومات وآليّة ممارسة حكمها الداخليّ، كما تفعل الولايات المتّحدة. لكنّ المقاربة الصينيّة "اللاسياسيّة" تقوم أيضاً على الحياد في منطقة الشرق الأوسط وتجنّب الصراعات الإقليميّة فيه، كأساس لإنجاح هذه الرؤية، كما لإرساء الاستقرار في أسعار الطاقة والذي يهمّ بيجينغ. بالتالي، ستنتفي المصلحة الصينيّة في نشاط إيرانيّ متوسّع في الإقليم. وقد يكون ضغطٌ صينيّ محتمل على إيران لتقييد سياساتها الإقليميّة خدمة غير مباشرة للأميركيّين.

روحاني يأسف
ترى الباحثة في الشؤون الإيرانيّة ضمن "المجلس الأوروبّيّ للعلاقات الخارجيّة" إيلّلي جيرانمايه أنّ علاقات البلدين كانت براغماتيّة ذات دوافع اقتصاديّة غير إيديولوجيّة، حتى أنّ إيران كانت مدركة خلال السنوات الأخيرة أنّها "لم تستفد من نوع الزيادة في الاستثمار الصينيّ ومشاريع البنية التحتيّة التي شوهدت في إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجيّ". 
بالمقابل، ليس اتّفاق الشراكة أمراً إيجابيّاً بالنسبة إلى إيرانيّين كثر. فبعد مهاجمة الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني لانفتاحه على الغرب، يهاجمه المرشّحون إلى الانتخابات الرئاسيّة المقبلة لقيادة مفاوضات "سرّيّة" مع الصين. وسيحتاج اتّفاق كهذا إلى موافقة مجلس الشورى الذي يسيطر عليه المحافظون وقد انتقد بعضهم هذه الخطوة بشكل قويّ وفقاً للباحثة التي ذكرت أيضاً وجود نقاش داخليّ استقطابيّ حول تعميق العلاقات مع الصين. ومع تأكيدها أنّ الدولتين ستستفيدان من إطار عمل طويل المدى يعزّز شراكتهما، ترجّح بقوّة عدم تطوّر هذه الشراكة إلى حلف استراتيجيّ.
ما يعزّز هذه الفرضيّة اعتراف روحاني بعدم وقوف أيّ أحد إلى جانب بلاده في الأوقات العصيبة التي مرّت بها مؤخّراً. وخصّ بالذكر السبت الماضي "أصدقاء إيران" تحديداً فقال: "لم تخبرنا دولة صديقة واحدة أنّه في هذا الوقت ومع انتشار فيروس كورونا والمصاعب، ومن أجل الإنسانيّة، سنقف في وجه أميركا ونتعامل مع إيران على الرغم من تهديدات الانتقام الأميركيّة". يظهر هذا الكلام خيبة أمل إيرانيّة من الصين وروسيا لأنّهما لم تتدخّلا بما فيه الكفاية لحماية طهران في أصعب اللحظات. ومن الناحية المنطقيّة، أمكن توقّع المزيد من الدعم الصينيّ لطهران في هذه الفترة من أجل إنجاح التفاوض حول اتفاق الشراكة المفترض والذي نشرت "نيويورك تايمس" مسوّدة عنه في تمّوز الماضي. لكن يبدو أنّ بيجينغ غير مستعجلة لإنجازه.

لا ردود فعل
يرى محلّل الشؤون الدوليّة في موقع "مودرن ديبلوماسي" هاشم عابد أنّ الولايات المتّحدة لا تزال تتمتّع باليد العليا بما أنّ الصين لا تملك الأدوات المناسبة لتحدّي الولايات المتّحدة في جنوب شرق آسيا، حتى قبل الحديث عن تحدّيها في شرق المتوسّط. وأضاف أن لا ضمانات بألّا "تستغلّ" الصين إيران مستقبلاً الأمر الذي يجعل البلاد تحت ضغط ماليّ جديد.
الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة والتدهور المطّرد في سعر صرف التومان، تجعل إيران مستعجلة لاتّفاق الشراكة مع الصين أكثر ممّا هي الحال مع الأخيرة. ربّما تهتمّ بيجينغ بالانتخابات الأميركيّة لتبني على الشيء مقتضاه. بعكس رؤية صالح ويازدانشيناس، لن ينتج اتّفاق الشراكة أيّ تأثير على احتمالات فوز ترامب بالرئاسة. فالعالم بأسره، ومن ضمنه الصين وإيران، ينتظر الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة ليكيّف نفسه مع نتائجها لا العكس. 
إنّ المبالغة في عنصر "العداء المشترك" للدولتين تجاه واشنطن كنقطة جذب متبادل لهما نحو حلف حتميّ تحجب عوامل مساعِدة على فهم ديناميّة العلاقة الثنائيّة بعيداً من هذا "الهاجس". ويبدو أنّها تساعد أيضاً على المغالاة في استشراف تعقّد حسابات واشنطن الداخليّة والخارجيّة بفعل هذه الشراكة. لكن، وكما لفت النظر إليه عابد، إنّ غياب ردّ الفعل في الولايات المتّحدة على الاتّفاق يبرهن غياب أهمّيّته بالنسبة إليها.

 


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم