الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ما الذي أظهرته الجولة الأولى من انتخابات فرنسا الرئاسية؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
صورة مركبة لماكرون ولوبين.
صورة مركبة لماكرون ولوبين.
A+ A-

تأكدت صحة استطلاعات الرأي الفرنسية أمس الأحد بعدما اجتاز كل من الرئيس إيمانويل ماكرون ومرشحة "التجمع الوطني" مارين لوبن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية 2022. كان الفارق بين المتأهلَين بعد فرز 99% من الأصوات نحو 4.2% وهو أكبر بقليل من ذاك الذي أظهرته الاستطلاعات الأخيرة التي سبقت الانتخابات، حيث وجد بعضها أنه لن يتعدى 1% في الجولة الأولى.

 

في جميع الأحوال، كان الرقم الذي حققته لوبن هو الأعلى في تاريخ عائلتها كما ناقض الأرقام المتواضعة التي حققها حزبها في الانتخابات المحلية الماضية بحسب صحيفة "ليزيكو" الفرنسية. وفي حين كان الفارق مع ماكرون أكبر مما كان عليه سنة 2017، لا يزال هذا التقدم ضعيفاً وفقاً لصحيفة "ليبيراسيون". كذلك، إنّ مجموع نسبة أصوات اليمين المتطرف في فرنسا ستكون الأعلى في التاريخ وفقاً لصحيفة "لا كروا" مع تشكيلها قرابة 33% من أصوات الناخبين الفرنسيين.

 

رصاصة الرحمة

اللافت للنظر في السياق نفسه أنّ الفارق بين لوبن ومرشح "فرنسا غير الخاضعة" جان-لوك ميلانشون كان أقل من المتوقع (1.4%) حيث بلغ عشيّة الانتخابات بحسب بعض استطلاعات الرأي أكثر من 7%. وأخفق سائر المرشحين في الوصول إلى عتبة الـ10% بمن فيهم اليميني المتطرف إريك زيمور مع 7.1% من الأصوات. على الرغم من ذلك، هو حقّق رقماً أعلى من لوبن في العاصمة باريس وفقاً لصحيفة "لو باريزيان": 8.2% مقابل 5.5%. كذلك، كانت نسبة المقاطعة مرتفعة جداً مع أكثر من 25%: أعلى من 2017 لكن أقلّ من الرقم القياسيّ المسجل في انتخابات 2002.

 

ما بات جلياً أيضاً تلقي اليمين واليسار التقليديين في فرنسا ضربات موجعة إضافية في الانتخابات الأخيرة. نظرة إلى النتائج ترجّح عدم قدرتهما على التعافي من التآكل الشعبيّ الذي ضرب قاعدتيهما خلال السنوات الأخيرة. مرشحة "الجمهوريين" فاليري بيكريس حصلت على 4.8% من أصوات الناخبين وهي النتيجة الدنيا في تاريخ يمين الوسط. "قد يكون الحلول خلف زيمور رصاصة الرحمة" بالنسبة إلى الجمهوريين، على ما يقوله عمدة بوردو الجمهوري نيكولا فلوريان. بينما حصدت مرشحة الحزب الاشتراكي آن هيدالغو 1.7% من الأصوات وهو أقل من أدنى رقم تاريخي سجّله الاشتراكي بينوا هامون في 2017 بنحو ثلاثة أضعاف.

 

من الأمل إلى الإحباط

حين سطع نجم ماكرون سريعاً في 2017، راهن كثر على قدرة الوسط السياسي في العودة إلى صدارة المشهد الفرنسي وربما صدارة المشهد الأوروبي. ساد الإحباط الفرنسي من الأحزاب السائدة فصبّ الناخبون أصواتهم لصالح الوسط أو المرشّح الخارج عن الاصطفافات التقليدية. اليوم، يمكن فهم حصول لوبن وميلانشون على نسبة مرتفعة جداً من الأصوات على أنّه إحباط فرنسيّ نسبيّ من الوسطيّة.

أعطى ماكرون انطباعاً بأنّه "رئيس الأثرياء" عبر إلغاء الضريبة على الثروة. كما كوّن انطباعاً آخر بأنه منفصل عن معاناة الفقراء، حيث شوهد في إحدى المرات وهو يقود عاطلاً عن العمل إلى الشارع الآخر في إشارة إلى أنّ الأخير لا يبحث بما فيه الكفاية عن فرص التوظيف. وحين رفع الضريبة على الوقود، أثار نقمة شعبية عليه تجلّت عبر "السترات الصفر". جعلت تلك الخطوة سكّان الأرياف يشعرون بأنهم مهمشون من الحكم في باريس.

 

ويتهمه المعارضون بإطلاق يد الشرطة الفرنسية في استخدام العنف ضدّ المتظاهرين خلال مرحلة احتجاجات "السترات الصفر" مما ترك بعضهم مشوّهين مدى الحياة. وخلال الحملة الانتخابية، اقترح ماكرون رفع سنّ التقاعد تدريجياً من 62 إلى 65 عاماً، الأمر الذي فاقم الاستياء الشعبي.

 

مفارقة انتخابية... هل تسعفه أم تنقلب عليه؟

في كلمته أمس بعد صدور النتائج، قال ماكرون إنّ شيئاً لم يحسم. بحسب مراسل مجلة "نيوستايتسمان" البريطانية في أوروبا إيدو فوك، سيواجه ماكرون تحدياً في الجولة الثانية عبر السعي لإقناع مناهضي لوبن، خصوصاً بين اليسار، بأنها قادرة فعلاً على الوصول إلى الرئاسة وبالتالي، يجب عليهم دعمه لتفادي هذه النتيجة. وبشكل مفارق، إن النتيجة التي حققها ماكرون والتي تخطت المتوقع، قد تكون جزئياً بسبب استطلاعات الرأي التي أظهرت أنّ لوبن قريبة من تحقيق الانتصار مما أدى إلى تحرك ناخبي الوسط أو يسار الوسط لدعمه. هذه النتيجة قد تؤذيه مجدداً بحسب المراسل نفسه الذي يعتقد أنّ هؤلاء الناخبين قد يفقدون الزخم إذا ظنّوا أنّ ماكرون فائز في جميع الأحوال. ورأت صحيفة "ألموند" أيضاً أنّ ميلانشون سيكون المرجِّح في الجولة الثانية في الانتخابات.

يمكن أن يضاف إلى هذا العامل، دعوة ميلانشون مناصريه إلى عدم التصويت للوبن على الإطلاق في الجولة الثانية. قد تنشر هذه الدعوة نوعاً من الارتياح بين الفرنسيين المستقلين والمناهضين عموماً لليمين المتطرف فيخسرون الحماسة للتصويت. وكان استطلاع رأي قد أظهر أنّ 50% من ناخبي ميلانشون سيمتنعون عن التصويت في الجولة الثانية، أمّا الناخبون المرجحون من بينههم فسينقسمون بين لوبن وماكرون.

 

حتى لو فاز ماكرون

ربما تتأذى حظوظ لوبن أكثر بفعل قرار زيمور دعمها في الجولة الثانية من الانتخابات، علماً أنها عملت كثيراً على تحسين صورتها والتركيز على ارتفاع التضخم وأسعار الوقود وارتفاع كلفة المعيشة بشكل عام. لكنّ نقطة قوتها أيضاً تكمن في التركيز على ما تؤطّره كمواجهة "للماكرونية المعادية للقضايا الاجتماعية" مما يمكن أن يساعدها على حصد أصوات من أقصى اليسار. بالفعل، قالت لوبن إنّه بالنسبة إلى ناخبي ميلانشون، "سيتحتّم عليهم الاختيار بين خطتنا للتقاعد عند 60 عاماً، وتلك عند الـ65 التي وعد بها ماكرون". ويعدّ ميلانشون من أبرز مؤيّدي خفض سنّ التقاعد إلى الستين. معرفة طريقة استجابة هؤلاء الناخبين لتلك المفاضلة قد لا تتحقق قبل 24 نيسان.

بصرف النظر عن النتيجة النهائية، من المؤكد أنّ أكثر من نصف الفرنسيين باتوا يؤيدون الخيارات المتطرفة لدى اليمين واليسار. أمّا الوسطية عموماً (مع الأحزاب القريبة منها كالماكرونية والجمهوريين والاشتراكيين والخضر) فقد اختارها فقط 40% من الفرنسيين بحسب ملاحظات "نيويورك تايمس". حتى ولو فاز الرئيس الحالي بولاية ثانية، يمكن ألّا تنجو الوسطية في 2027 من التقدّم الذي يحقّقه القادة على أقصى اليمين واليسار.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم