الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

هل تنفجر الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟

المصدر: "النهار"
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي يحضران جلسة عمل في فرنسا ، 9 كانون الأول 2019 - "أ ب
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي يحضران جلسة عمل في فرنسا ، 9 كانون الأول 2019 - "أ ب
A+ A-

بعد حوالي ستة أشهر من ثبات نسبيّ في وقف إطلاق النار شرقيّ أوكرانيا بين تمّوز وكانون الأوّل 2020، تدهورت الأمور مجدّداً في إقليم دونباس بدءاً من مطلع 2021 مع حشد عسكريّ روسيّ على الحدود ومناوشات أسقطت 25 جندياً أوكرانيّاً في ثلاثة أشهر فقط. النزاع العسكريّ بين كييف وانفصاليّين موالين للروس في منطقتي دونيتسك ولوغانسك أوقع 14 ألف قتيل منذ اندلاعه عام 2014 بعد إطاحة الثورة الأوكرانية الرئيس الموالي لموسكو فيكتور يانوكوفيتش. شدّد الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف على أنّ روسيا تحرّك قوّاتها داخل حدودها ووفقاً لما ترتئيه قائلاً إنّ هذا الأمر يجب ألّا يقلق أحداً وهو لا يفرض تهديداً على أحد.

 

مسار التصعيد

ليست أوكرانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي أو في حلف شمال الأطلسي (ناتو). على الرغم من ذلك، هي تحظى بدعمهما. لكنّ نطاق هذا الدعم يبقى أسير التكهّنات. في الثاني من نيسان الحالي، تلقّى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتّصالاً من نظيره الأميركيّ جو بايدن أعرب فيه عن دعم "لا يتزعزع" تقدّمه الولايات المتحدة لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها في وجه "الاعتداء الروسي المستمر في دونباس والقرم". كذلك، أجرى وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيين اتصالات بنظيريهما الأوكرانيين، بينما أعلن "البنتاغون" رفع درجة تأهّب قوّاته في أوروبا بعد "التصعيد الأخير في الأعمال العدوانية الروسية في شرق أوكرانيا".

 

من جهة ثانية، حذّرت روسيا الغرب من إرسال جنود إلى أوكرانيا فيما حذّرت واشنطن موسكو من "ترهيب" أوكرانيا. وفي وقت سابق من الشهر الحاليّ، أعلنت كييف أنّها ستجري تدريبات عسكريّة مع "الناتو" ذات طابع دفاعيّ، لكن أيضاً هجوميّ، خلال الصيف المقبل. خطوةٌ ستستفزّ موسكو على الأرجح. في المقابل، بدأت روسيا تدريبات عسكريّة شاملة على الحدود مع جارتها الشرقيّة. تتقاطع كلّ هذه التطوّرات عند نقطة إشعال فتيل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهي حرب قد تجرّ إليها دولاً غربيّة أخرى. وثمة أخبار متداولة عن نشر قوّات بيلاروسية على الحدود مع أوكرانيا أيضاً. فهل تندلع حرب شاملة بين موسكو وكييف؟ أم يتراجع الطرفان في اللحظات الأخيرة عن الهاوية؟

 

بين الدوافع الخارجية والداخلية

هنالك عددٌ لا يُستهان به من العوامل التي قد تشعل الحرب. الانتخابات التشريعيّة الروسيّة على الأبواب، وهي تتزامن مع تراجع في شعبيّة بوتين وحزبه، لذلك، إنّ حرباً جديدة يمكن أن تعيد تعزيز شعبيّته وفقاً لما يذكره "المجلس الأطلسيّ". وذكر مدير مركز أوراسيا التابع للمجلس نفسه جون هيربست أنّ المسؤولين والإعلاميّين الروس نشروا "أكاذيب" عن استعداد كييف لشنّ هجوم عسكريّ وقصفها المدنيين في شرق أوكرانيا. كلّ ذلك قد يكون تحضيراً لهجوم روسيّ جديد يهدف إلى السيطرة على ميناء ماريوبول أو على قناة في منطقة خيرسون لجرّ مياه نهر دنيبرو إلى القرم. وتعاني شبه الجزيرة التي ضمّتها روسيا سنة 2014 من موجات جفاف مؤخراً.

 

إنّ الحاجة المحتملة للحرب ليست موجودة في روسيا وحسب إنّما أيضاً في أوكرانيا. للمفارقة، الأسباب التي تولّد تلك الحاجة في موسكو هي شبيهة إلى حدّ بعيد بتلك الموجودة في كييف أيضاً. بعد فوز زيلينسكي بحوالي 73% من أصوات الأوكرانيين في الانتخابات الرئاسيّة الماضية، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنّ 22% فقط من الأوكرانيين يؤيّدون زيلينسكي حاليّاً، وسيكون جرّ روسيا إلى الحرب مصدر إلهاء مرحّب به وفقاً للكاتبة إيكاتيرينا زولوتوفا من معهد "جيوبوليتيكال فيوتشرز". وستبدو أوكرانيا "مسرورة" أيضاً إذا انضمّت الولايات المتّحدة إلى الصراع ممّا يعزّز موقعها في إحياء اتّفاقيتي مينسك.

 

والإدارة الأميركيّة الحاليّة قد تبدي اهتماماً خاصّاً بأوكرانيا. يعتقد مدير مركز برنامج الأمن العابر للأطلسي في "مركز الأمن الأميركيّ الجديد" أندريا كيندال-تايلور بإمكانيّة وجود "بعض القلق" في الكرملين من أنّ زيلينسكي سيتشجّع على القيام بأمور لا تحبّها موسكو. فقد عمل بايدن كموفد خاصّ لأوباما إلى أوكرانيا من أجل حلّ النزاع.

 

ماذا عن النوايا؟

إذا كانت العوامل الدافعة باتّجاه الحرب كثيرة، فالعوامل الكابحة لها أكثر. على صعيد التوقيت، يصعب اندلاع الحرب في الوقت الحاليّ قبل الذوبان الكامل للجليد وجفاف التربة في أواسط أيّار، وإلّا سيواجه الجيشان صعوبات كبيرة في خوض المعارك، وهذا ما حصل في الماضي. حتى على المدى المتوسّط، قد لا يكون خوض الحرب سهلاً بالنسبة إلى كلا الطرفين. يرى الكاتب السياسيّ في مجلّة "تايم" آيان بريمر أنّ بوتين لا يريد الغرق في حرب مكلفة أخرى من دون "استراتيجيّة خروج واضحة" كما أنّها ستوحّد الغرب المتزايدة مآخذه على بلاده ضدّه. بينما لا ترغب أوكرانيا في حرب ضدّ جار أقوى منها بكثير. وما يهمّ بوتين بحسب رأيه، لا انفصال كلّيّ لدونتسك ولوغانسك عن أوكرانيا لأنّ ذلك سيكلّفه خسارة نفوذه في تلك البلاد.

 

توافقه في ذلك زولوتوفا التي كتبت أنّ بوتين مهتمّ بالدونباس فقط كمنطقة عازلة وقد سبق له أن حقّق ذلك خلال السنوات السابقة. بينما أوكرانيا أهمّ بكثير بالنسبة إليه لأنّها تمثّل "ترسيماً للحدود" بين روسيا من جهة ودول حلف شمال الأطلسيّ من جهة أخرى. والحرب على أوكرانيا ستبعد كييف بشكل أسرع عن روسيا وتفرض عليها عقوبات هي "ببساطة لا تستطيع تحمّلها". حتى هيربست من "المجلس الأطلسيّ" لم يستبعد أن يكون الحشد العسكريّ الروسيّ مجرّد ضغط لإجبار زيلينسكي على تقديم التنازلات واختبارٍ لعزم بايدن. و"نجح" الأخير في الاختبار عبر إرسال رسائل دعم كثيرة لكييف، وهذا يخفّض احتمال الحرب بحسب رأيه.

 

أغلب الظنّ أنّ ما يريده الطرفان يتراوح بين اختبار النوايا وجمع أوراق القوّة من أجل التمهيد لجولة مفاوضات جديدة. مع ذلك، ليست احتمالات الحرب معدومة. فحتى لو كانت نيّة الطرفين ممارسة "تصعيد مضبوط" في جولة لاستعراض القوّة، ما من ضمانات بألّا يخرج التصعيد عن الحدود المرسومة له بفعل أحداث غير محسوبة. على أيّ حال، قد تتوضّح الصورة أكثر في الأسابيع المقبلة.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم