الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

لماذا احتمال الحرب بين أميركا والصين أعلى ممّا نظنّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يلوّح للحضور وهو في ضيافة الرئيس الصيني شي جينبينغ، 2017 - "أ ب"
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يلوّح للحضور وهو في ضيافة الرئيس الصيني شي جينبينغ، 2017 - "أ ب"
A+ A-
أيّام قليلة ويخرج "قائد" الحرب التجاريّة ضدّ الصين من البيت الأبيض. لقاحات "كوفيد-19" تعطي الأمل بتماثل العالم إلى الشفاء في 2021. الدورة الاقتصاديّة ستعود إلى الدوران مع توقّع صندوق النقد الدوليّ وصول النموّ العالميّ إلى 5.2%، و 4% بحسب البنك الدوليّ. التعافي سيكون بطيئاً ويستغرق فترة طويلة كما لن يكون متساوياً. أمرٌ بديهيّ بعد جائحة "كورونا". لكن على الأقلّ، يرى العالم النور في نهاية النفق، هذا إن لم يبلغه فعلاً. إذاً، لماذا لا تزال احتمالات الحرب بين الولايات المتّحدة والصين مرتفعة؟

للمفارقة، لا ترتبط المسألة بهويّة ساكن البيت الأبيض. بالحدّ الأدنى، ليس بشكل مباشر. "القطوع" الذي مرّ بخسارة ترامب الانتخابيّة يجب ألّا يريح كثيرين. ربّما تأجّلت الحرب لا أكثر. حتى هذه الفرضيّة ليست مضمونة. عودة الحيويّة إلى الاقتصاد الدوليّ لا تعني انفتاح العالم أمام آفاق السلام أو التهدئة. بطريقة ساخرة، قد يسرّع النموّ الاقتصاديّ جرّ القوّتين العظميين إلى الاصطدام. الواقع الوحيد الذي يُعتدّ به في العلاقات الأميركيّة-الصينيّة هو تضييق الصين المستمرّ للفجوة التي تفصلها عن زعامة العالم الاقتصاديّة. تتيح قراءة مقال البروفسور المتميّز في مادّة العلاقات الدوليّة في جامعة تكساس "أيد أند أم" كريستوفر لاين في عدد تشرين الثاني-كانون الأوّل من مجلّة "فورين أفيرز" فهم أسباب اندلاع الحرب.


هذا ما يقوله التاريخ
يشبّه لاين العلاقات الأميركيّة-الصينيّة اليوم بالعلاقات البريطانيّة-الألمانيّة قبل الحرب العالميّة الأولى. ينتقد لاين التصوّر القائل إنّ عالماً متشابكاً اقتصاديّاً يمنع الحرب. كانت أوروبا كذلك في بداية القرن العشرين ومع ذلك، انزلقت إليها. لكنّ نقاط التشابه التي ذكرها لاين بين النظرة البريطانيّة إلى صعود ألمانيا (بروسيا) والنظرة الأميركيّة إلى صعود الصين صارخة.
 
بدأت النخب البريطانيّة ترى في هذا الصعود تهديداً ناجماً عن سياسات تجاريّة وصناعيّة "غير عادلة" وعن تدخّليّة الدولة الألمانيّة عوضاً عن ليبيراليّة السوق. وارتابت النخب البريطانيّة من الثقافة السياسيّة الألمانيّة التي تعظّم جيشها وهي ثقافة رأت فيها نقيضاً لقيمها الليبيراليّة. وأضافت القوّة البحريّة الصاعدة لألمانيا عنصر توتير آخر للبريطانيّين. ما أرادته ألمانيا في ذلك الحين هو اعتراف أوروبّيّ وبريطانيّ بمكانتها الجديدة.

استشهد لاين بالمؤرّخة مارغريت ماكميلان التي أرجعت الحرب إلى شعور البريطانيّين بأنّ تفوّقهم يفلت من بين أيديهم لصالح قوّة متحدّية ومتصاعدة: "إنّ فترات انتقاليّة كهذه نادراً ما تتمّ إدارتها سلميّاً. القوّة الراسخة غالباً ما تكون متعجرفة، ملقية محاضرات على سائر العالم حول كيفيّة إدارة شؤونه، وغالباً غير حسّاسة لمخاوف وقلق القوى الأضعف".


بين المخاوف الأميركيّة والرغبات الصينيّة
لا يحتاج المراقبون إلى عناء كبير لإدراك أنّ مخاوف النخب البريطانيّة شبيهة إلى حدّ بعيد بمخاوف النخب الأميركيّة اليوم إزاء الصعود الصينيّ. هذا إن لم تكن مخاوف متطابقة تماماً. ضمّن ترامب جميع هذه المخاوف في شروط وقف تصعيد الحرب التجاريّة مع بيجينغ. وينتقد الأميركيّون الدعم الصينيّ الرسميّ لشركاتهم والتلاعب بالعملة من أجل رفع صادراتهم وسرقة الملكيّة الفكريّة والتوسّع العسكريّ في بحر الصين الجنوبيّ إضافة إلى ممارسات أخرى.

ولتسهيل التوصّل إلى المرحلة الأولى من الاتّفاق التجاريّ في كانون الثاني 2020، رفعت الولايات المتّحدة الصين عن قائمة الدول المتلاعبة بعملاتها. لكنّ الارتياب من صعودها الاقتصاديّ وحتى العسكريّ لا يزال متفاقماً أميركيّاً. بالمقابل، تريد الصين الاعتراف بمكانتها العالميّة الجديدة. كما تريد نظرة أميركيّة منصفة إلى نفوذها الإقليميّ بالحدّ الأدنى. فبحر الصين الجنوبيّ والتطوّرات السياسيّة في هونغ كونغ وتايوان ميادين تختصّ بالشأن الصينيّ الداخليّ حصراً.

ترى بيجينغ أنّ الولايات المتّحدة تمسّكت بمبدأ مونرو (1823) الذي منع الدول الغربيّة من التدخّل في النصف الغربيّ من العالم أي في الأميركيّتين. وترغب بيجينغ اليوم بمعاملة بالمثل في ما يخصّ نفوذها الإقليميّ. تقبّلُ الولايات المتحدة لهذه الرغبة أمر مشكوك به، من زاوية عمليّة بالحدّ الأدنى. فهو لا يعني تسليماً بالمسار التصاعديّ المتدرّج للصين وحسب، بل تسليم بأنّ الدور الأميركيّ في شرق آسيا يجب أن يتراجع، إن لم يتراجع فعلاً.


تحذير
بالعودة إلى تحليل لاين، يمكن قراءة تحذيره من تحويل الصراع مع الصين إلى إيديولوجيّ: "الديموقراطيّة في مواجهة الشيوعيّة". ما ينصح به هو حصر الصراع ضمن التنافس التقليديّ للقوى العظمى. ففي الحالة الأخيرة، بإمكان الديبلوماسيّة إدارة التنافس ضمن التسوية والبحث عن نقاط مشتركة. بينما في الصراع الإيديولوجيّ، يصبح الصراع مبنيّاً على نتيجة صفريّة. فالتفاوض مع العدوّ يعني الاسترضاء فقط. ودعا لاين واشنطن إلى تقبّل واقع أنّ قيمها الليبيراليّة ليست عالميّة وإلى وقف التدخّل في شؤون الصين الداخليّة عبر إدانة سياسات بيجينغ في هونغ كونغ وشينجيانغ. لكنّه لا يتوقّع أن تقوم واشنطن بأيّ من هذه المبادرات لأنّ ذلك سيشكّل اعترافاً بنهاية التفوّق الأميركيّ.

توقّعات لاين تتحقّق. ألغت الولايات المتّحدة السبت كلّ القيود المفروضة على المسؤولين الأميركيّين للتواصل مع تايوان. اللافت للنظر هو تبرير وزير الخارجيّة الأميركيّ مايك بومبيو لهذه الخطوة: "كانت الولايات المتحدة قد اتّخذت تلك التدابير أحاديّاً إرضاءً للنظام الشيوعيّ في بيجينغ. هذا الأمر انتهى". جمع بومبيو في بيان واحد تدخّلاً في الشأن الصينيّ، أقلّه من وجهة نظر بيجينغ، والإصرار على إدخال البعد الإيديولوجيّ في الصراع مع الصين.
 
بالرغم من ذلك، ثمّة في إبعاد الجانب العقيديّ عن الصراع الاستراتيجيّ بحسب توصية لاين صعوبة كبيرة. فلكلّ صراع استراتيجيّ بين قوّتين كبيرتين بعده العقيديّ أو الفكريّ. وتوسّعُ أيّ حكومة خارج حدودها يستند إلى منطلقات فكريّة تشبه العقيدة من حيث جمودها واشتمالها على حقيقة مطلقة. حتى بحسب تقييم لاين الخاص، تحوّلَ الخوف البريطانيّ من غياب الليبيراليّتين الاقتصاديّة والثقافيّة لدى الألمان إلى أحد أسباب اندلاع الحرب.

بحسب مركز "بيو" للأبحاث، بات 73% من الأميركيّين ينظرون إلى الصين بسلبيّة. يرجّح ذلك عدم انتهاء التوتّر بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض. ربّما كان فوز ترامب بالرئاسة نتيجة للصعود الصينيّ واستقطابها الأعمال والاستثمارات من الولايات المتّحدة. وبعد انتهاء جائحة "كورونا"، سيواصل النموّ الصينيّ في 2021 (8.2%) تخطّي نظيره الأميركيّ (3.1%) علماً أنّ الصين هي الدولة الوحيدة التي تمتّعت بنموّ إيجابيّ (1.9%) في 2020. وبذلك، سيشعر الأميركيّون أكثر وأكثر أنّهم يفقدون زعامتهم. ومن المتوقّع أن تشكّل الصين ثلث الناتج الإجماليّ العالميّ في 2021.


أين الروادع اليوم؟
لا تعني جميع هذه المؤشّرات أنّ الحرب بين واشنطن وبيجينغ حتميّة. لكنّ احتمالاتها ليست منخفضة على الإطلاق. ولن تصبح كذلك بمجرّد رحيل ترامب. يذكّر لاين بأنّ مستشار بايدن لشؤون الأمن القوميّ جايك سوليفان كتب في المجلّة نفسها أنّ "الصين قد تقدّم في نهاية المطاف تحدّياً إيديولوجيّاً أقوى من الاتّحاد السوفياتيّ" مضيفاً: "صعودها إلى مصافّ القوة العظمى سيفرض انجذاباً نحو الأوتوقراطيّة".

علاوة على كلّ ذلك، برزت عوامل في بداية القرن العشرين أمكن أن تُبعد شبح الحرب بين بريطانيا وألمانيا مثل ترابط النخب والعائلات الملكيّة في كلا البلدين والروابط الثقافيّة وغياب النزاعات الحدوديّة. وحتى إبّان الحرب الباردة، كان هنالك اعتراف متبادل بين موسكو وواشنطن بمناطق نفوذ كلّ مهما بحسب لاين. تغيب اليوم جميع هذه الروادع بين الصين والولايات المتحدة. نهاية "كورونا" قد تستدعي حبس أنفاس دوليّ. لا العكس.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم