الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

جيوبوليتيك توزيع لقاح "كورونا"

المصدر: النهار
رسم تعبيري لوكالة "أ ب" عن السباق للحصول على اللقاح ضد فيروس كورونا
رسم تعبيري لوكالة "أ ب" عن السباق للحصول على اللقاح ضد فيروس كورونا
A+ A-

رأى محلّل الشؤون العلميّة والصحّيّة وتأثيرها على الأحداث الجيوسياسيّة أليكس بيريزوف أنّ الحماس العام إزاء ابتكار
 لقاح "كورونا" سابق لأوانه. وكتب في مركز "جيوبوليتيكال فيوتشرز" أنّ أشهراً تفصل غالبية العالم قبل حصولها على اللقاح. 
ورأى في مقال بـ"جيوبوليتيكال فيوتشرز" أن العقبة الفورية هي الحصول على موافقة "إدارة الغذاء والدواء" على استخدامه. بينما يتطلّب الأمر نظرياً حوالي ثلاثة أسابيع، يمكن أن يستغرق المسار وقتاً أطول. فللإدارة مخاوف بشأن التناسق في إنتاج اللقاح إذ إنّها تريد معرفة ما إذا كان بإمكان الشركات تصنيع دفعة تلو الأخرى من اللقاحات التي تتطابق مع إجراءات الجودة مثل فاعلية ونقاء المكوّنات.


صداعان
قبل نهاية السنة الحالية، تخطط "مودرنا" لإنتاج 20 مليون جرعة، "فايزر" 50 مليوناً، "أسترازينيكا" 200 مليون. سينال كلّ فرد جرعتين، مع ما يعنيه ذلك من أنّ عدد الأشخاص الملقّحين سيساوي نصف عدد الجرعات المتوفرة. بنهاية 2021، يجب أن يكون هنالك مليارات الجرعات من جميع الشركات. التصنيع هو صداع واحد. التوزيع صداع آخر. يجب إبقاء لقاح "مودرنا" مجمّداً على حرارة 70 درجة مئوية تحت الصفر خلال الشحن. وسلسلة التبريد هي جزء من المشكلة. الجزء الثاني هو عدم وضوح من يجب أن يكون المتلقي الأول للقاحات، أكان من الناحية الأخلاقية أو الاستراتيجية.

يتطلب تخزين لقاح "فايزر" توفير مكان بحرارة 70 درجة تحت الصفر. لا تملك المستشفيات أو الصيدليات هذه الإمكانية عادة، باستثناء المختبرات المتخصّصة. حلّ فايزر هو تأمين حاويات خاصة. لكن حين يتمّ إخراج اللقاح لوضعه داخل ثلّاجة عادية، يفقد اللقاح فاعليّته في خمسة أيام. يمكن تخزين وشحن لقاح "مودرنا" ضمن حرارة 20 درجة تحت الصفر ويحافظ على فاعليته في الثلاجة العادية لمدة ثلاثين يوماً. بالتالي، يصبح التحدّي اللوجستيّ أصغر بكثير. لقاح "أسترازينيكا" هو الأسهل من ناحية التوزيع، إذ يمكن شحنه في برّاد عادي ضمن حرارة درجتين إلى ثماني درجات مئوية. ويحتفظ بفاعليته لستة أشهر.


صراع بين الدول
السؤال حول هوية من سيتلقى اللقاح أولاً سيتمحور أولاً على المستوى الدولي. الدول التي أصدرت طلبات الشراء ستحصل عليه قبل الدول الأخرى. ضمن الاتحاد الأوروبي 200 مليون جرعة من لقاح "فايزر" مع خيار شراء 100 مليون أخرى، اليابان 120 مليون جرعة، الولايات المتحدة 100 مليون مع خيار شراء نصف مليار جرعة إضافية، والمملكة المتّحدة 30 مليون جرعة.

إذا تم التصديق على جميع الخيارات، لا يمكن "فايزر" تأمين الطلبات حتى بحلول نهاية 2021 وهذا يعني أن الدول الثرية ستتصارع في ما بينها حول من سيحصل على أي لقاح. لواشنطن علاقة متوترة مع بروكسل، والصراع حول اللقاحات سيضغط أكثر على العلاقات الهشة بين الطرفين خصوصاً أن الدولة التي تحصل على أكبر عدد من الجرعات ستتمتّع بحظ أفضل لتعافي اقتصادها بطريقة أسرع. ولأن "مودرنا" و"أسترازينيكا" وشركات أخرى ستنتج لقاحات أيضاً، يمكن أن تخفّ حدة هذه التوترات. لكن أي دولة تقدّم مقراً للشركة ستقع تحت الضغط لتسليم دفعات اللقاح لصالح مواطنيها. وفي هذا الأمر عقدة بما أنّ العديد من الشركات متعددة الجنسيات ولها مقرات في العديد من دول العالم.


تحدّيات لوجستيّة وسياسيّة
يضيف الباحث أن المال لا يحل كل شيء. التحديات اللوجستية التي تفرضها سلسلة التبريد يجعل من شبه المستحيل تسليم لقاح إلى منطقة ذات بنية تحتية ضعيفة وتغذية كهربائية غير منتظمة. إنّ الثغرات في سلسلة التبريد ستدمّر اللقاح. وسيبرز خطر النشاطات الإجرامية لشركات مجرمة تقدّم لقاحات مزورة وستكون الدول الفقيرة أكثر تعرضاً لهذه النشاطات بما أنّ تسليم اللقاحات الشرعية قد يستغرق أشهراً إن لم يكن سنوات.

في الداخل، ستواجه الحكومات مخاوف سياسية بفعل طريقة توزيع اللقاح. في الولايات المتحدة، هنالك توتر بين الوكالات الفيديرالية وحكومات الولايات حول عدد الجرعات الذي ستحصل عليه كل ولاية. ستخضع إدارة بايدن لضغط هائل من أجل توزيع اللقاحات على الأميركيين أولاً بصرف النظر عن الموجبات التعاقدية للشركات. إذا دعت الحاجة، فقد يتدخل الرئيس والكونغرس لإلغاء عقود شركات الأدوية، باسم الأمن القومي.

بعد ذلك، ستبرز قرارات أخلاقية واستراتيجية حول هوية الأطراف التي ستتلقى اللقاح أولاً. اقترحت ولاية واشنطن ثلاث مراحل للتوزيع: أولاً، لصالح مقدّمي الرعاية الصحية على الخطوط الأمامية والمستجيبين الأوائل والفئات السكانية التي تعاني من مشاكل صحية مزمنة. ثانياً، المجتمع العام، وثالثاً ملء "الثغرات" التي لم يغطّها توزيع اللقاحات كالمجتمعات الفقيرة. من المرجح أن تعتمد ولايات أخرى استراتيجية مشابهة. ثمة أيضاً إشكالية حول فاعلية اللقاح. هنالك لقاحات أفضل من الأخرى. من يحصل على اللقاحات الأقل فاعلية؟ ومن يتّخذ القرار؟ تساءل بيريزوف.


عدوى ماليّة... وأمنيّة؟
من المتوقع أن تكون الدول الفقيرة آخر من يحصل على اللقاحات. مع ذلك، ثمة هامش للتفاؤل بما أنّ شركات أخرى ستواصل تطوير اللقاحات. غالبيتها، مثل اللقاح الذي صنّعته "أسترازينيكا"، لن تتطلب سلسلة تبريد متطرفة مثل "فايزر". وتعهّدت "أسترازينيكا" ألّا تبغي الربح حتى نهاية الجائحة. وتعمل الشركة مع منظمات غير ربحية لتوفير اللقاحات لصالح الدول النامية مثل "مؤسسة بيل وميليندا غايتس".

ويمكن أن يتسبب التأخير في تسليم اللقاحات في مفاقمة مخاطر التخلف عن سداد الديون في الدول الفقيرة ممّا يمكن أن ينشر العدوى المالية إلى الدول الأغنى. أشخاص كثر ما عادوا راغبين بتحمّل الإغلاق كما يحصل في أوروبا. في العديد من الدول تمّ الفصل بين العائلات بسبب إقفال الحدود وسياسات الهجرة التعسّفية. يظهر هذا الأمر التوتر حول تداخل الصحة العامة بالاقتصاد والنسيج الاجتماعي. ويمكن أن يستمر هذا التوتر حتى التلقيح الشامل ضد الفيروس. قلّة من المجتمعات تريد كبح الوباء إذا كلّفها ذلك تمزيق النسيج الاجتماعي.

هنا، لا تتمتع الحكومات بخيارات جيدة. سيميل بعضها إلى إعادة فرض الإغلاق على قاعدة أنّه سيصار إلى رفعه فور توفر اللقاح. لكنّ هذا تطمين كاذب بحسب بيريزوف. بالنسبة إلى مواطني الدول الغنية، التلقيح الشامل لا يزال يبعد أشهراً، أمّا بالنسبة إلى مواطني الدول الفقيرة فربّما يبعد سنوات. إنّ جمهوراً مضطرباً لن يتسامح مع إغلاق لانهائيّ في 2021 وعلى الحكومات التي تحاول فرضه الاستعداد لاضطرابات مدنية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم