لماذا قد تُمنى محادثات بايدن مع أوروبا بالخيبة؟

توجّه الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أوروبا وعلى جدول أعماله ملفّات كثيرة عالقة أبرزها إعادة توطيد العلاقات الثنائيّة والتشديد على القيم الديموقراطية والليبيرالية التي تجمع الطرفين في مواجهة تصاعد الدول "الأوتوقراطيّة". لكنّ تحقيق أهدافه سيصطدم بعقبات كأداء. يقول بايدن إنّ "أميركا عادت". لكنّها عادت إلى عالم مختلف كثيراً.

الاتّحاد الأوروبي فقد المملكة المتحدة، وهنالك ميول انفصاليّة/استقلاليّة لم تنطفئ حتى داخل المملكة. الشعبوية تفشّت كثيراً منذ 2016، واستطاع اليمين المتطرّف الوصول للمرة الأولى إلى البرلمان الألمانيّ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويبدو أنّ الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون سيواجه مجدداً مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، هي التي تتمتّع بحظوظ أفضل بكثير من سنة 2017. ويواجه الطرفان أيضاً لحظة تفكير نقديّ في كيفيّة تعاملهما الصحّيّ والجيو-سياسيّ مع جائحة "كورونا". وتبقى مكافحة التغيّر المناخيّ دوماً من ضمن أولويّات بروكسل وواشنطن.

سيلتقي بايدن اليوم برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بينما يتوجّه السبت إلى كورنوول لحضور قمة مجموعة السبع. ويوم الأحد، سيعقد لقاء مع الملكة إليزابيث الثانية في قصر ويندسور. بعدها، سيسافر بايدن إلى بروكسل لحضور قمة مجموعة العشرين يوم الاثنين، حيث من المرتقب أن يلتقي على هامش القمّة بالرئيس التركيّ رجب طيب إردوغان. وخلال اليوم نفسه، سيشارك بايدن في قمة أوروبية-أميركية في بروكسل. وسيختم جولته بلقاء نظيره الروسيّ فلاديمير بوتين في جنيف يوم الأربعاء.

 

رسالته

سيحاول الرئيس الأميركيّ القول للأوروبيين إنّ بلاده ستكون حاضرة للدفاع عنهم في مواجهة أي اعتداء روسيّ. مع حشد موسكو حوالي 100 ألف عسكريّ على الحدود مع أوكرانيا، برز تخوّف من إمكانيّة شنّ روسيا حرباً جديداً. لكن سرعان ما سحب الكرملين القسم الأكبر من هؤلاء الجنود أواخر نيسان الماضي. يعتقد الأوروبيون أن واشنطن ستكون حاضرة للدفاع عنهم في حال حدث اجتياح روسيّ لإحدى دولهم، بموجب المادة الخامسة من المعاهدة المؤسّسة للناتو. على أيّ حال، لا يملك الأوروبيون خياراً آخر بسبب خلافات بين ألمانيا وفرنسا حول تأسيس جيش أوروبّيّ مستقلّ. لكنّ النظرة العامّة إلى الولايات المتحدة كحليف أساسيّ تغيّرت كثيراً.

يمكن أن يقدّم بايدن تطمينات شتى لبروكسل. لكنّ أوروبا خائفة من عودة رئيس جمهوريّ إلى البيت الأبيض في 2024، هذا إن لم تكن خائفة من الانتخابات النصفيّة أيضاً. يراقب الأوروبيون تلميحات ترامب بشأن الترشّح إلى الانتخابات الرئاسيّة بعد ثلاث سنوات، ويدركون أنّ كلّ ما كان ينقص الجمهوريّين للفوز بكامل السلطة في واشنطن هو 90 ألف صوت فقط. وربّما لولا فيروس "كورونا" لتمكّن هؤلاء من تحقيق هدفهم. لهذا السبب، لا يمكن الأوروبيين الركون كثيراً إلى الوعود التي سيطلقها بايدن، بصرف النظر عن نواياه.

 

على أوروبا مسؤوليتها

من جهة ثانية، لا يقع بذل جهود "تضميد الجراح" بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الطرف الأوّل وحسب. فأوروبا غير مستعدّة للوقوف إلى جانب الأميركيّين في أيّ تنافس أميركيّ-صينيّ، حتى أنّها سارعت إلى التوقيع على "الاتفاق الشامل حول الاستثمار" مع بيجينغ بعد فوز بايدن بالرئاسة، على الرغم من أنّ المقرّبين منه ناشدوهم كي ينتظروا تولّي الإدارة الجديدة مهامّها قبل الإقدام على الخطوة. لكنّ تمّ تعليق الاتّفاق بعد سلسلة من العقوبات المتبادلة بين الأوروبّيّين والصينيين. ويعيد هذا التطوّر التساؤل عمّا إذا كانت واشنطن ستنجح باجتذاب بروكسل إلى صفّها في التنافس الأميركيّ المحتدم مع بيجينغ. لكنّ الخوف من عودة ترامب، وربّما أيّ مرشّح جمهوريّ إلى واشنطن في 2024، قد لا يعطي هذا النجاح فرصاً كبيرة. وهنالك أيضاً مسألة أخرى متشابكة في هذا الإطار.

مشكلة "نورد ستريم 2"، المشروع الذي ينقل الغاز الروسيّ إلى ألمانيا، لا تزال قائمة على الرغم من بادرة حسن النيّة الأميركيّة. تريد برلين إنجاز المشروع بأيّ ثمن، ويبدو أنّ إدارة بايدن تفهّمتها، فمنحت إعفاء للشركة الأساسيّة التي تعمل على بنائه والتي يرأسها صديق شخصيّ لبوتين. ليس واضحاً ما إذا كان هذا الإعفاء مجّانيّاً وعبارة عن بادرة حسن نيّة في بداية ولاية الإدارة أم أنّه سيكون على ألمانيا تقديم تنازل مقابل للأميركيّين، مثل تقليص الانفتاح التجاريّ على الصين.

 

عن "نوستالجيا" لا تحاكي الواقع

عند طرح أيّ موضوع مرتبط بالعلاقات العابرة للأطلسيّ، تبرز تحليلات عن نوع من "نوستالجيا" أميركيّة-أوروبّيّة إلى عهد كانت فيه العلاقات صلبة بين الجانبين. مع ذلك، لا يمكن القفز فوق بعض المبالغات في هذا الصدد. لم تكن العلاقات الأوروبية-الأميركية دوماً ودية حتى خلال الحرب الباردة. على سبيل المثال، ساد تشنّج كبير بين الرئيس جون كينيدي والمستشار الألماني كونراد أديناور وكذلك بين جيمي كارتر وهلموت شول، كما أنّ السعي الأوروبّيّ لاستجرار الغاز من موسكو بدأ حتى في عهد رونالد ريغان بالرغم من معارضته. وانتشرت مؤخراً قضيّة التجسّس الأميركيّ في ولاية أوباما على بعض الحلفاء من القادة الأوروبّيّين ممّا أثار امتعاضهم. في ظلّ هذه الصورة الكبيرة، يبدو أنّ ترامب نفسه لا يشكّل استثناء كبيراً لقاعدة العلاقات العابرة للأطلسيّ، مع وضع طباعه خارج النقاش.

بالمقابل، لا يلغي كلّ ذلك واقع أنّ الأوروبّيّين سيكونون مرتاحين هذه السنة بغياب دونالد ترامب الذي غالباً ما كانت تنتهي اللقاءات مع بخلافات كبيرة، سياسيّة وشخصيّة. كذلك، يتمتّع بايدن بعلاقات شخصيّة وطيدة مع عدد من قادة الدول الأوروبّيّة وقد أسّسها خلال تولّيه نيابة الرئاسة الأميركيّة بين 2009 و 2017، وهو أمر سيسهّل عليه مهمة التواصل مع الأوروبّيّين. لكن في نهاية المطاف، قد يكون الواقع المستجدّ أقوى من التمنّيات. ألمانيا وفرنسا تعارضان التحالف مع واشنطن في مواجهة الصين وروسيا، حتى أنّ الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون قال في شباط إنّ الانضمام إلى الولايات المتّحدة في مواجهة بيجينغ سيؤدّي إلى "نتائج عكسية". بناء على هذه المعطيات، قد يكتشف بايدن فعلاً أنّ أميركا عادت إلى عالم أعقد بكثير ممّا كان عليه خلال بضع سنوات خلت.