العلاقات بين السعودية وإيران صفحة إقليمية جديدة

في خطوة قد تنطوي عليها تغيرات ديبلوماسية كبرى في الخليج والشرق الأوسط، أعلنت المملكة العربية السعودية وإيران في أمس، معادوة علاقاتهما الديبلوماسية التي كانت مقطوعة منذ عام 2016، وهددت الاستقرار والأمن في الخليج وساعدت في تأجيج الصراعات في الشرق الأوسط من اليمن إلى سوريا. جاء الإعلان عن الاتفاق بعد محادثات كانت غير معلنة مسبقاً واستمرت أربعة أيام في بكين بين كبار مسؤولي الأمن من البلدين.

وجاء في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس" ووكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء "إرنا"، أنه إثر مباحثات "تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران".

وانقطعت العلاقات بين الرياض وطهران عام 2016، عندما هاجم محتجّون إيرانيون البعثات الديبلوماسية السعودية في إيران، بعدما أعدمت المملكة رجل دين شيعياً معارضاً يُدعى نمر النمر.

وأوردت "إرنا" أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الادميرال علي شمخاني أجرى محادثات مكثفة مع وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان في الصين "من أجل حل المشاكل بين طهران والرياض بشكل نهائي".

منذ نيسان 2021، استضاف العراق سلسلة اجتماعات بين مسؤولين أمنيين من البلدين الخصمين لتقريب وجهات النظر.

وكتب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في تغريدة إنّ عودة "العلاقات الطبيعية بين إيران والسعودية توفّر زخماً كبيراً للبلدين والمنطقة والعالم الإسلامي".

وأردف ان "سياسة الجوار، باعتبارها المحور الرئيسي للسياسة الخارجية للحكومة ... تتحرك بقوة في الاتجاه الصحيح، ويعمل الجهاز الديبلوماسي بنشاط وراء إعداد المزيد من الخطوات الإقليمية".

من جهته، صرح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على تويتر "يأتي استئناف العلاقات الديبلوماسية بين المملكة وإيران انطلاقاً من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة".

ومضى قائلاً: "يجمع دول المنطقة مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضرورة أن نتشارك سوياً لبناء أنموذجٍ للإزدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا".

ورحب أنور بن محمد قرقاش المستشار الديبلوماسي للرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بالاتفاق بين السعودية وإيران، وأكد أن الإمارات مؤمنة بأهمية الحوار بين دول المنطقة. وقال في تغريدة على "تويتر": "نرحب بالاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، ونثمن الدور الصيني في هذا الشأن".

وأعلنت وزارة الخارجية المصرية أنها "تتابع باهتمام الاتفاق الذي تم الإعلان عنه باستئناف العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وإيران". وأعربت عن "تطلعها لأن يسهم الاتفاق فى تخفيف حدة التوتر فى المنطقة، وأن يعزز من دعائم الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمن القومى العربى، وتطلعات شعوب المنطقة فى الرخاء والتنمية".

وهنأت وزارة الخارجية التركية في بيان طهران، وأنقرة، "على الخطوة المهمة" التي اتخذها البلدان "بما ينسجم مع مسارات الليونة والتطبيع التي تسود منطقة الشرق الأوسط منذ فترة".
وأعربت أنقرة عن ثقتها بأن ذلك "التقدم في العلاقات بين البلدين سيسهم بشكل كبير في أمن المنطقة واستقرارها وازدهارها".

وفي بغداد، اعتبرت وزارة الخارجية العراقية أن الاتفاق "يعطي دفعة نوعيّة في تعاون دول المنطقة...يُؤذِن بتدشين مرحلة جديدة".


احترام السيادة
في بيانهما المشترك، شكرت إيران والسعودية "العراق وسلطنة عمان لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021-2022، كما أعرب الجانبان عن تقديرهما وشكرهما لقيادة وحكومة جمهورية الصين الشعبية على استضافة المباحثات ورعايتها وجهود إنجاحها".

وتعد الجمهورية الإسلامية والسعودية أبرز قوتين إقليميتين في الخليج، وهما على طرفي نقيض في معظم الملفات الاقليمية وأبرزها النزاع في اليمن، حيث تقود الرياض تحالفاً عسكرياً داعماً للحكومة المعترف بها دولياً، وتتهم طهران بدعم المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد أبرزها صنعاء.

كذلك، تبدي السعودية قلقها من نفوذ إيران الإقليمي وتتّهمها بـ"التدخّل" في دول عربية مثل سوريا والعراق ولبنان، وتتوجّس من برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية.

وقد أعلن البيان المشترك أن البلدين اتفقا في المحادثات التي أجريت بين 6 آذار و10 منه على "احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية". واتفقا كذلك أن يعقد وزيرا خارجيتهما اجتماعاً لتفعيل الاتفاق وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات. واتفقا أيضاً على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة.

بكين: نصر للحوار
وفي بكين، قال كبير الديبلوماسيين الصينيين وانغ يي، إن المحادثات الناجحة بين إيران والسعودية في بكين نصر للحوار والسلام، وذلك بعدما قادت الصين تحولاً ديبلوماسياً كبيراً في منطقة الشرق الأوسط.

ونقلت وزارة الخارجية الصينية عن وانغ في اختتام الحوار بين السعودية وإيران "هذا نصر للحوار، ونصر للسلام، ويقدم أنباء طيبة عظيمة في وقت يشهد فيه العالم كثيراً من الاضطرابات".

ويأتي ذلك أيضاً وقت تدعو الصين إلى الحوار في شأن الحرب الروسية في أوكرانيا وسط اتهامات من الغرب بأن بكين لم تفعل ما يكفي في شأن هذه القضية.

وقال وانغ "بصفتها وسيطا يتمتع بحسن النية وموثوقا به، أدت الصين واجبها بكل أمانة باعتبارها الدولة المضيفة".

وأكد أن الصين ستواصل لعب دور بناء في التعامل مع القضايا الشائكة في العالم اليوم وستظهر تحليها "بالمسؤولية" بصفتها دولة كبرى. وأضاف: "العالم لا يقتصر فقط على قضية أوكرانيا".


واشنطن: كنا على إطلاع
وفي واشنطن، صرح الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، أن السعودية أبقت واشنطن على اطلاع في شأن محادثاتها مع إيران لمعاودة العلاقات الديبلوماسية لكن الولايات المتحدة لم تشارك فيها بصورة مباشرة.

وقال إن خريطة الطريق التي أُعلن عنها أمس، كانت في ما يبدو نتيجة لجولات عدة من المحادثات التي عُقد بعضها في بغداد وسلطنة عمان، موضحاً أن الولايات المتحدة أيدت هذه العملية باعتبار أنها تسعى لإنهاء الحرب في اليمن وما وصفه بالعدوان الإيراني.

وأضاف: "السعوديون أبقونا بالفعل على اطلاع في شأن هذه المحادثات التي كانوا يجرونها، تماماً مثلما نبلغهم بأنشطتنا، لكننا لم نشارك بصورة مباشرة".

وعبر عن اعتقاد البيت الأبيض بأن الضغط الداخلي والخارجي، الذي تضمن ردعاً سعودياً فعالاً لهجمات إيران ووكلائها، أتى بإيران في نهاية الأمر إلى طاولة المفاوضات.

وقال :"ندعم أي جهود من شأنها تخفيف حدة التوترات هناك وفي المنطقة. نعتقد أن هذا في مصلحتنا، وهو شيء عملنا عليه من خلال مزيجنا الفعال من الردع والديبلوماسية".

وبالنسبة لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، قال كيربي "غير واضح إن كان هذا الترتيب له تأثير على ذلك أو يهدف للتعامل معه، لكننا نواصل بلا شك دعم التطبيع".

تقارب اقليمي
وكانت دول خليجية أخرى خفّضت علاقاتها مع إيران بعد حادثة عام 2016. لكن في أيلول الماضي، رحّبت طهران بعودة السفير الإماراتي بعد غياب دام ست سنوات، فيما أعلنت إيران إن الكويت أرسلت أول سفير لها إلى إيران منذ سبعة أعوام.

ويأتي الاتفاق على إعادة العلاقات بين طهران والرياض في خضم محاولات ديبلوماسية لترسيخ الاستقرار في المنطقة.

وقد رحّب عبد اللهيان الخميس في دمشق بانفتاح دول عربية على سوريا بعد الزلزال الدامي الذي ضربها بشكل متزامن مع تركيا. وقال إن طهران، التي دعمت دمشق خلال الصراع المستمر منذ 12 عاماً، ستنضم إلى جهود المصالحة بين سوريا وتركيا التي تدعم منذ فترة طويلة جماعات معارضة للرئيس السوري بشار الأسد.