بعد زلزال تركيا... محامون يتفقدون الأنقاض بحثاً عن العدالة

في حي أكسراي، يجري رجل مسن وهو يردد "قيل لي إنه يجب أن أهدم المبنى الذي أملكه"، طالبا نصيحة مجموعة من المحامين يعتمرون خوذا وهم يتفقدون الخسائر في مدينة أنطاكية التي ألحق بها زلزال السادس من شباط أضرارا جسيمة.

منذ الزلزال الذي أودى بحياة 46 ألف شخص على الأقل في تركيا وخلف أضرارا تقدر بأكثر من مئة مليار دولار بحسب الأمم المتحدة، ترسل نقابات المحامين في المحافظات الـ81 أفرادها إلى المناطق المنكوبة لجمع كل البيانات الممكنة.

وقد تسمح بعد جمعها في قاعدة بيانات وطنية، بمحاكمة المسؤولين عن الخسائر الفادحة يوما ما. 

يستقبل أحمد قندمير المحامي في نقابة محامي أنطاكية، المدينة الجنوبية الأكثر تضرراً من الدمار، زملاء من مدن أخرى يأتون للمساعدة. ويقول "نقوم بتفتيش جميع المباني الواحد تلو الآخر لجمع الأدلة لمنع اختفائها تحت الأنقاض"، من تصوير المباني المتضررة إلى قياس قطر القضبان الخرسانية والتحقق من نوعية المواد. 

فإلى جانب قوة الزلزال التي بلغت 7,8 درجات، نفذ متعهدون أتراك والسلطات في بعض الأحيان مشاريع عقارية حصلت على تصاريح لكن لم يكن ليحظى سكانها بأي حظ في النجاة.

وبخوذ بناء صفراء وسترات لامعة يسير نحو عشرين محاميا في شارع في حي سكني شعبي يضم مباني من ثلاثة أو أربعة طوابق على الأكثر كانت تشغلها محلات تجارية. وبينها مبنى وردي مائل فيما بالكاد تُرى لوحة مخبز فيه بعدما غاصت في الأرض.

- مقاولون ومروجون -
في الجوار، صمد مبنى أرجواني تملكه عائلة محمد إيزل (38 عاما) رجل الأمن الذي جاء لينقذ منه سخان مياه بالطاقة الشمسية. لكن المبنى المجاور انتزع جانبه الأيسر بالكامل لدى انهياره. 

بين أنقاضه، تقيس محامية قطر قضبان التسليح: خمسة ملمترات بينما كان يفترض أن تكون 12 ملم.

وقال فيراتكان كاليز المحامي في نقابة أنطاليا التي تبعد 500 كلم "نحن جميعاً هناك على أساس تطوعي وبمبادرة منا حتى لا تختفي الأدلة. سنستخدمها للتحقيق في الخلافات". 

ويقوم فريقان آخران بدوريات في قطاعات أخرى للهدف نفسه.

حتى الآن اعتقل 269 مشتبهاً بهم - مقاولون ومروجون - وبدأت الإجراءات القانونية ضد ألف شخص متورطين في تشييد هذه المباني بما في ذلك عدد منهم أثناء محاولتهم الفرار من البلاد. 

لكن التحرك يجب أن يكون سريعا. فقد أزيلت أنقاض مجمع "رونيسان" السكني الذي يتألف من 250 شقة فاخرة ولقي فيه لاعب كرة القدم الغاني كريستيان أتسو ومئات الأشخاص حتفهم. وقال جندي شاب يقوم بدورية "كانت ما زالت هناك جثث... لو كانت هنا لكنا نسير فوقها".

ويؤكد رجل الأعمال روستو كانلي الذي كان يتجول وسط أنقاض المدينة القديمة إنه يعود كل يوم لفحص المكان. وقال إن "الحكومة تحملنا مسؤولية كل شيء... والوزراء؟ والسلطات؟". ويعتقد أن هناك دروسا كثيرة يمكن تعلمها من هذه الكارثة، وليس فقط من قبلنا نحن".

- تحت خيمة -
خسر عمر أونسالدي 14 من أفراد عائلته واضطر في سن السابعة والستين إلى إخلاء الشقة المقرر تدميرها. وكان قد اشتراها قبل 15 عاماً ويعيش الآن في خيمة مقابل المبنى، مثل جاره محمد، في ملعب للكرة الطائرة. 

وأكد أنه يشعر بالاطمئنان لوجود محامين يعملون. وقال هذا السائق السابق لحافلة صغيرة وهو يبكي "هذا أمر جيد، لست متعلما. إلى من يمكنني أن أتوجه؟ سيرشدوننا". ولا يرى الرجل بمعاشه التقاعدي البالغ ستة آلاف ليرة تركية (300 يورو) وثمانية من الأقارب يعيلهم، أي مستقبل.

أما نازلي إيفي المحامية من أنطاليا، فتشير إلى مراكز للخدمات القانونية أنشئت في المحافظات المتضررة الأخرى. 

وينصح أحمد قندمير رجلا هزيلا يحمل هاتفا خليويا بالتوجه إلى هذه المراكز. فقد اشترى جودت قناتلي بعدما استدان المال منزلا كان يفترض أن ينتقل إليه في منتصف آذار. 

وسائق الحافلة هذا مدين الآن للمصرف ب500 ألف ليرة (25 ألف يورو). لكن الزلزال دمر شقته وأحلامه معها.