الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كيف بدأ ترامب بانتزاع الأقلّيّات من حضن الديموقراطيّين؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتلو صلاة مع مجموعة من الأميركيين-الأفارقة، شباط 2020 - "أ ب"
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتلو صلاة مع مجموعة من الأميركيين-الأفارقة، شباط 2020 - "أ ب"
A+ A-
لطالما ترشّح الحزب الديموقراطيّ إلى الانتخابات بصفته حاملاً لواء تمثيل الأقلّيّات. على سبيل المثال، حصد الحزب أصوات السود بغالبيّة ساحقة منذ ما بعد الحرب العالميّة الثانية. لم يسر الأمر دوماً على هذا المنوال. منذ أن أعتق أبراهام لينكولن السود من العبوديّة ومنحهم حقّ التصويت، حظي الحزب الجمهوريّ بتأييد السود طوال ثمانية عقود تقريباً. بدأ الأمر يتغيّر تدريجيّاً مع وصول فرانكلين روزفلت إلى السلطة وإطلاق "الاتّفاق الجديد" الذي حمل التحفيزات الماليّة والاقتصاديّة المساعدة على إنهاض الولايات المتّحدة من أزمة الكساد. تزامن ذلك مع اعتبار الجمهوريّين أنّ تأييد السود لهم مسألة مفروغ منها.
 

علامة على وجود أزمة
نجح الديموقراطيّون بكسب المزيد من تعاطف مجتمع السود مع وصول ليندون جونسون إلى السلطة سنة 1963 وتوقيعه بعد سنتين على قانون حق التصويت الذي ألغى التمييز الذي لحق بالسود، مثل شرط حسن القراءة والكتابة. كما ألغى القانون التمييز بشأن سائر الأقلّيّات فألزم تقديم بطاقات الاقتراع باللغة الإنجليزيّة واللغة الأم لتلك الفئات.

إذاً، استمرّ الحزب الديموقراطيّ باحتضان الأقلّيّات بشكل تصاعديّ بدءاً من ثلاثينات القرن الماضي. وطوال العقود الأخيرة، لم تبرز معارك علنيّة بين الجمهوريّين والديموقراطيّين على كسب أصواتها بما أنّ النتيجة كانت محسومة سلفاً. اليوم، ووفقاً للنتائج الأوّليّة، ثمّة مؤشّرات إلى أنّ الوضع بدأ يتغيّر. للمفارقة، يبدو أنّ الجمهوريّين يستعيدون أصوات الأقلّيّات ومن بينها السود خلال ولاية الرئيس الذي أمطره الإعلام السائد بنعوت "العنصريّة". حتى الرئيس الفائز مبدئيّاً جو بايدن، وقع في خطأ جسيم حين قال لإعلاميّ أميركيّ-أفريقيّ في أيّار إنّه إذا لم يكن يعلم لمن سيصوّت فالإعلاميّ إذاً "ليس أسود". اعتذر بايدن لاحقاً عن هذا الخطأ الذي ربّما صدر في لحظة غضب. لكنّ عدم امتلاك أبرز مرشّح ديموقراطيّ حجّة لإقناع السود بانتخابه سوى أنّه ليس ترامب، فهذه علامة أزمة في الخطاب الرسميّ الديموقراطيّ.
 

ماذا تقول الأرقام؟
بحسب النتائج الأوّليّة، فاز الحزب الجمهوريّ بأعلى نسبة تصويت من "غير البيض" منذ سنة 1960 (30%) مع تصويت 26% منهم لصالح ترامب. وفي 2016، وصلت هذه النسبة إلى 21% وهي كانت أعلى من حتى تلك التي حصدها رونالد ريغان في سنتي 1980 و 1984 (10 و 13% على التوالي). ويُظهر تيموثي كارنَي في مجلّة "واشنطن أكزامينر" أنّ نسبة الزيادة في التصويت الأسود عند الرجال ارتفعت من 13 إلى 17% ومن 4 إلى 8% عند النساء وفقاً لاستطلاعات الخروج. ووسّع ترامب نسبة تصويته بين الرجال والنساء الهسبانيين، ففاز بأصواتهم بنسبة 47% في فلوريدا (35 سنة 2016) و 40% في تكساس (34 في 2016) و 40% في جورجيا (27 منذ أربع سنوات) و 39% في نورث كارولاينا (النسبة لم تتغيّر)، على الرغم من  احتمال أن يكون هامش الخطأ كبيراً بسبب صغر العيّنة. (الأرقام منذ أربع سنوات مأخوذة عن استطلاع خروج عن "سي أن أن".

وعن نعوت الإعلام المعارض للرئيس الأميركيّ، يكتب كارنَي: "أنتَ أبيض إذا كنت هيسبانيّاً يصوّت للجمهريّين. أنت متسيّد أبيض إذا كنت ناخباً أسود يصوّت للجمهوريّين. هذا يظهر لنا أنّ (عبارتي) عنصريّ ومتسيّد أبيض، الآتيتين من تلك الأنحاء (الإعلام المعارض)، قد تعني فقط ‘جمهوريّ‘ أو ‘محافظ‘".
 

ترامب والأقليات... بين الأقوال والأفعال
صحيح أنّ ترامب أدان العنصريّين البيض بشيء من التردّد أو أنّه لم يدنهم أحياناً بناء على حضّ مباشر من الإعلاميّين. لكن في وقت لا يبدو ترامب ميّالاً للدفاع عن الأميركيّين-الأفارقة على الصعيد اللغويّ، كان قادراً على تحسين مستوى معيشتهم عمليّاً، أكان عبر قانون إصلاح العدالة الجنائيّة أو عبر قانون "مناطق الفرص" (opportunity zones) الذي سمح للمستثمرين في بعض المناطق الفقيرة بالحصول على تخفيضات ضريبيّة. كذلك، أبدت حملة ترامب إصغاء جدّيّاً لما يريده السود. ليس أدلّ على ذلك ممّا قاله الممثّل الهوليوديّ ومغنّي الراب الشهير آيس كيوب الذي أهان ترامب في بعض أغنياته منذ سنتين داعياً إلى اعتقاله لأنّه "دمية روسيّة". آيس كيوب نفسه أعلن أنّه تواصل مع الحملة الديموقراطيّة لإبلاغها بخطّته لتحسين أوضاع الأميركيّين-الأفارقة، فأبدت الحملة إعجابها بالخطّة قائلة إنّها ستتّصل به بعد الانتخابات. أمّا حملة ترامب فتعاونت معه مباشرة وفقاً لكلامه.

وما أشار إليه كارنَي يظهر وجود تنميط ديموقراطيّ واضح لطريقة انتخاب الأقلّيّات. وهو بهذا المعنى وجهٌ آخر من وجوه التنميط الذي وقع فيه بايدن نفسه. وعدم قدرة الديموقراطيّين على إبداء مرونة في فهم كيفيّة تصويت الأقلّيّات، مع حصرها في ثنائيّة "عنصري/غير عنصريّ" ستخلق لهم مشاكل مستقبليّة في التعاطي معها.

هذا ما كتبه الهيسبانيّ روبين نافاريتي في صحيفة "يو أس أي توداي" المعارضة لترامب. فقد أوضح أنّ حوالي 66% من اللاتين ديموقراطيّون، لكنْ محافظون أيضاً. وهذا يعني أنّ الأفكار المحافظة تدفع اللاتين للتصويت باتّجاه جمهوريّ. علاوة على كلّ ذلك، تحتلّ الوظائف الأولويّة في تطلّعات اللاتين، وهو دافع آخر إلى التصويت لصالح ترامب.
 

هل يقبلون النقد أم يصرّون على نظرتهم؟
بدأ بعض الإعلاميّين المعارضين لترامب ينتبهون إلى الفهم الديموقراطيّ الملتوي عموماً لحقوق ورغبات الأقلّيّات. فريد زكريّا الذي يتحدّر من أصل هنديّ والذي رأى في ترامب خطراً على قيم التسامح التي دفعت الولايات المتّحدة إلى استقباله كمهاجر، لفت النظر إلى هذه المسألة. وكتب في صحيفة "واشنطن بوست" أنّ ترامب فاز بالنسبة الأوسع من تصويت الأقلّيّات منذ سنة 1960، في دليل على "سوء فهم" الديموقراطيّين لطريقة الانتخاب لدى هذه الفئات. إنّ نظرة الحزب الديموقراطيّة إلى التعدّديّة الثقافيّة "تدمج مجموعات إثنيّة، عرقيّة، ودينيّة واسعة متنوّعة في ‘أقلّيّة‘ ذات إرادة واحدة وتتعامل معها من منظور لا يناسبنا جميعنا". وذكّر الحزب بضرورة إدراك أنّ قسماً كبيراً من الأقلّيات لديه طموح بأن يكون أميركيّاً عاديّاً، لا أكثر ولا أقلّ. وهو بالتالي، ليس بحاجة للدفاع عنه طوال الوقت.

بعد انتخابات أبلى فيها الجمهوريّون بلاء حسناً مع الأقلّيّات في انتخابات الكونغرس والرئاسة، بات الديموقراطيّون بحاجة للإصغاء إلى هذه النصائح، خصوصاً أنّ أداء الجمهوريّين مع الأقلّيّات آخذ بالتحسّن منذ 2016 على ما يبدو. هذا إذا أرادوا الاستعداد فعلاً من اليوم للتعويض عن نتائجهم المخيّبة في مجلسي النوّاب والشيوخ خلال الانتخابات النصفيّة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم