الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل يُغرِق ترامب الحزبَ الجمهوريّ معه؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب يلقي خطاباً امام مؤتمر اللجنة الوطنية الجمهورية، آب 2020 - "أ ب"
الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب يلقي خطاباً امام مؤتمر اللجنة الوطنية الجمهورية، آب 2020 - "أ ب"
A+ A-
هي لحظة بدا فيها أنّ ترامب خسر كلّ مشروعه السياسيّ. مشهد مؤيّديه وهم يقتحمون مبنى الكابيتول كان دراميّاً إلى درجة أمكن مقارنته ببعض الأفلام الخياليّة أو بتطوّرات في دول العالم الثالث. لكنّ المشهد كان مُتوقّعاً. أشهر طويلة من رفض اعتراف ترامب بإمكانيّة تعرّضه للهزيمة من دون تزوير، حتّمت نهاية كهذه. ولزيادة احتمالات الصدام، لم يكن ينقص سوى الدعوة إلى "مسيرة إنقاذ أميركا". وهذا ما حصل.

ليس الأمر أنّه من دون الدعوة إلى هذه المسيرة، أمكن توقّع تطوّر أهدأ للأحداث. لكن على الأقلّ، كان يمكن إبعاد الفوضى والتخريب عن واحد من أعرق البرلمانات في العالم. حاول ترامب التعويض عن سلوكه عبر دعوة المناصرين إلى الهدوء والسلميّة والعودة إلى منازلهم. وذكّرهم بأنّ الحزب الجمهوريّ هو حزب "القانون والنظام". لكن مع تضمين دعوته تذكيراً بأنّ الانتخابات "سُرقت"، كان ترامب يطلب من مناصريه الشيء ونقيضه.


ضغَطَ على نفسه بلا مبرّر
رفع ترامب سقف الرهان كثيراً بحيث لم يترك لنفسه مجالاً للعودة إلى الوراء، أو حتى لحفظ ماء الوجه. الكلّ يذكر كيف قال خلال تجمّع قبل حوالي ثلاثة أسابيع من الانتخابات إنّ "الترشّح ضدّ أسوأ مرشّح في تاريخ السياسات الرئاسيّة يفرض ضغطاً عليّ". وأضاف أمام أنصاره: "هل تستطيعون تخيّل أنّني أخسر؟ حياتي كلّها، ماذا سأفعل؟ سأقول، ‘خسرت 
أمام أسوأ مرشّح في تاريخ السياسة‘. لن أشعر أنّني بخير. ربّما سيكون عليّ مغادرة البلاد؟"
 
تصريح كهذا كافٍ لوحده أن يفسّر لماذا يعجز ترامب عن الاعتراف بالهزيمة. جعل من خصمه السياسيّ سيّئاً إلى حدّ غير منطقيّ، لا قياساً بالواقع وحسب، بل قياساً أيضاً بالتكتيك الدعائيّ السليم الذي يُفترض به اتّباعه. عمليّاً، كان ترامب هو من فرض الضغط على نفسه حين وصف رجلاً أمضى عقوداً في مجلس الشيوخ، وثماني سنوات في نيابة الرئاسة، بأنّه أضعف مرشّح رئاسيّ أميركيّ على الإطلاق. علاوة على كلّ ذلك، يدرك ترامب أنّ خصمه مدعوم بماكينة إعلاميّة وقدرات ماليّة ضخمة تعزّز فرص فوزه. بذلك، وقع الرئيس المنتهية ولايته ضحيّة تصريحاته الخاطئة. وبينما أمكنه تحجيم الأضرار، لجأ إلى مفاقمتها. حتى نائبه مايك بنس الذي اضطرّ دوماً إلى الدفاع عن سياسات رئيسه لم يسلم من هجومه.


بنس ينتفض
قبل انعقاد الكونغرس للمصادقة على نتائج تصويت الناخبين الكبار، طالب ترامب نائبه في تغريدة بإرجاع تلك الأصوات إلى الولايات التي يطعن في نتائجها، معلناً أنّ ذلك كفيل بفوزهما. وأضاف: "اِفعلها مايك، هذا زمن للشجاعة القصوى!". لكنّ بايدن أعلن خلال افتتاح الجلسة أنّ "قسمه بدعم وحماية الدستور يقيّده عن إعلان (تمتّعه) بالسلطة الأحاديّة لتحديد أيّ أصوات ناخبة يجب أن يتمّ عدّها وأيّها لا". عندها، ردّ ترامب بأنّ نائبه "لم يملك الشجاعة لفعل ما كان يتوجّب فعله من أجل حماية بلدنا ودستورنا، (من خلال إعطاء) الولايات فرصة المصادقة على مجموعة من الوقائع المصحّحة، لا الوقائع المزوّرة أو غير الدقيقة التي طلب منها التصديق عليها سابقاً".

كان ذلك بداية الافتراق الحقيقيّ للرجلين والتي كانت ستأتي عاجلاً أم آجلاً. علاوة على ذلك، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمس" أنّ بنس هو الذي أمر بنشر الحرس الوطنيّ في مبنى الكابيتول، لا ترامب. بعد كلّ ما حدث، واستئناف جلسة الكونغرس التي صادقت على فوز جو بايدن بالرئاسة، أعلن الرئيس المنتهية ولايته أنّه سيقبل بتسليم السلطة إلى خلفه بطريقة سلميّة. جاء الإعلان متأخّراً كثيراً، وبعد أضرار لحقت بترامب كما بصورة الولايات المتّحدة. لكن فيما تمكّنت المؤسّسات من إصلاح "الضرر الترامبيّ" على الديموقراطيّة الأميركيّة، من غير المحتمل أن يجد ترامب من يصلح صورته. ليس المقصود بذلك أنّ ترامب انتهى شعبيّاً. على العكس من ذلك، ستؤمّن صورة "المظلوميّة" التي رسمها لنفسه استمرار الدعم الشعبيّ له. والأمر نفسه ينطبق على مجموعة من الظروف التي ولّدت "الظاهرة الترامبيّة" والتي لا تزال ترفدها بالتأييد الشعبيّ. لكنّ ترامب كمشروع رئاسيّ آخر في 2024 هو الذي انهار على الأرجح.


"لم يعد حزبهم"
بالنسبة إلى رئيس واجه جائحة "كوفيد-19" في آخر سنة من ولايته الرئاسية، لم تكن أرقامه أو أرقام حزبه الانتخابيّة سيّئة بالمطلق. حتى أنّه على مستوى الأقليات، حقّق الجمهوريّون خرقاً كبيراً بينما كسبوا 13 مقعداً إضافيّاً في مجلس النوّاب. لكن بدلاً من البناء على هذه الأرقام والانتقال إلى المعارضة تمهيداً لعودة أخرى إلى البيت الأبيض بعد أربع سنوات، كما حصل مع غروفر كليفلاند في نهاية القرن التاسع عشر، أضاع ترامب فرصته الذهبيّة. لقد استهلك استراتيجيّته في تعبئة قاعدته الشعبيّة من دون الانفتاح على شرائح سياسيّة مستقلّة. ربّما فعل ذلك على مستوى خلق الوظائف، لكن ليس على مستوى الخطاب الجامع. وما كان يحاربه على صعيد أعمال التخريب خلال الصيف الماضي، أصبح هو سببه غير المباشر عبر تحريضه المستمرّ.

قد لا يغرق ترامب وحده. ربّما يسحب معه الحزب الجمهوريّ. من المرجّح أن يبدأ بتوجيه اللوم يميناً ويساراً لعدم التزام كبار الجمهوريّين بالدفاع عنه. هذا ما هدّد به ابنه دونالد ترامب جونيور خلال إلقائه كلمة في المسيرة: "يجب على هذا التجمّع أن يوجّه رسالة إليهم. هذا ليس حزبهم الجمهوريّ بعد اليوم. إنّه حزب دونالد ترامب الجمهوريّ".


مفترق طرق
لا يوافق جميع الباحثين بمن فيهم المحافظون على هذا الكلام، ولا على سلوك الرئيس ككلّ. الباحث المقيم في "معهد المشروع الأميركيّ" والمؤرّخ الفكريّ لليمين الأميركيّ ماثيو كونتينيتي يعلّق لـ "النهار" على مفاعيل ما حدث أمس بحزم:
"إنّ سلوك الرئيس ترامب منذ أن أظهرت الانتخابات فوز جو بايدن في 7 تشرين الثاني، وتحريضه للغوغاء الذين اقتحموا مبنى الكابيتول الأميركيّ في 6 كانون الثاني، يجب أن يُسقِطا أهليّته (وأهليّة) المتواطئين معه لأيّ منصب مستقبليّ. إنّ أيّ حزب يرشّحه لأي منصب لا يستحقّ الدعم".

حتى لو لم ينقسم الحزب الجمهوريّ مع احتمال رحيل ترامب عنه وتأسيس حزب خاصّ به، يمكن أن يكون الطرفان قد وصلا إلى مفترق طرق: لا هو قادر على إعادة ترشيح نفسه إلى الرئاسة، ولا هو راغب بتجيير دعمه الشعبيّ إلى مرشّحين جمهوريّين آخرين من "المؤسّسة"، وفي مقدّمتهم مايك بنس. هذه هي الخلاصة الأوّليّة التي يمكن استنتاجها اليوم. كان من المفترض أن تكون انتخابات 2024 سهلة.

ترامب أو أيّ جمهوريّ يدعمه في مواجهة المرشّحة المرجّحة كامالا هاريس. معركة سهلة لأنّ غالبيّة الأميركيّين غير متقبّلة ليساريّ/ة في البيت الأبيض. لكنّ الانقسامات الداخليّة التي أثارها ترامب قد تهدي هاريس الرئاسة. أربع سنوات فترة طويلة يمكن أن تحمل تطوّرات كثيرة تدحض هذه الفرضيّة. إنّما بالنظر إلى سلوك ترامب، لا شيء يمنع من أن تكون هذه التطوّرات - بقسم كبير منها على الأقل - سلبيّة على الجمهوريّين.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم