الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

لماذا تزايد التسريب عن الاستخبارات التي تقدمها أميركا لأوكرانيا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
عنصران من الشرطة الكوبية يقفان أمام طراد "موسكفا" الروسي في ميناء هافانا (3 آب 2013 - أ ف ب)
عنصران من الشرطة الكوبية يقفان أمام طراد "موسكفا" الروسي في ميناء هافانا (3 آب 2013 - أ ف ب)
A+ A-

تؤدي المعلومات الاستخبارية دوراً لافتاً في بناء الإمكانات الدفاعية الأوكرانية بمواجهة الغزو الروسي. حقّق الجيش الأوكراني إصابات مباشرة في أهداف حسّاسة يصعب نظرياً أن يكون قد رصدها بمفرده، أو بالحدّ الأدنى من دون تعاون مع الاستخبارات الغربية وفي طليعتها الأميركية. إنّ استهداف طراد "موسكفا" وكبار الجنرالات الروس والمقرات الروسية الأساسية في أوكرانيا كما حصل في إيزيوم أواخر الأسبوع الماضي هي الأمثلة الأبرز على ذلك.

ومع التفجيرات المتنقّلة التي تشهدها روسيا داخل أراضيها، يمكن الاشتباه بدور آخر للمخابرات الغربية في مساعدة الأوكرانيين على شنّ جزء من تلك العمليّات. وما كان خاضعاً لإطار التكهنات والتحليلات بات يملك أدلة حسية أكثر عبر بعض التقارير التي انتشرت مؤخراً في الإعلام الأميركي.

 

إغراق "موسكفا"

قال مسؤولون أميركيون لشبكة "أن بي سي نيوز" إنّ الاستخبارات نشرت معلومات ساعدت أوكرانيا على إغراق "موسكفا"، أكبر طراد تفقده روسيا منذ الحرب العالمية الثانية. بحسب الشبكة، سألت القوات الأوكرانية عن السفينة التي كانت تبحر قبالة أوديسا فأوضح الأميركيون أنّها "موسكفا" وساعدوهم أيضاً على تأكيد موقعها. لكنّ الأميركيين لم يعلموا مسبقاً بأنّ الأوكرانيين سيستهدفونها.

من جهتها، نقلت شبكة "سي أن أن" الخبر نفسه ولو بصيغة مختلفة قليلاً. وفقاً لتقريرها، اتّصل الأوكرانيون بنظرائهم الأوكرانيين للتأكد ممّا إذا كانت السفينة موضوع التساؤل هي "موسكفا". أكّدت واشنطن ذلك وحدّدت موقعها، وفقاً لمصادر الشبكة نفسها. لكن ما لم يكن واضحاً هو مدى علم المسؤولين الأميركيين بنيّة أوكرانيا استهداف الطراد.

وقال مسؤولون آخرون لصحيفة "واشنطن بوست" إنّه بغياب الاستخبارات التي قدّمتها الولايات المتحدة، كانت أوكرانيا ستعاني في استهداف الطراد العسكري إذ إنّ الأمر سيتطلب "ثقة" ضرورية لقصف "موسكفا" بصواريخ "نبتون" وهي صواريخ غير متوفرة بكثرة في المخزون الأوكرانيّ.

لاحقاً، قال الناطق باسم البنتاغون جون كيربي: "لم نوفّر لأوكرانيا معلومات استهداف محددة لـ‘موسكفا‘. لم نكن منخرطين في قرار الأوكرانيين بضرب السفينة أو في العملية التي شنوها. لم يكن لدينا معرفة مسبقة بنية أوكرانيا استهداف السفينة. يملك الأوكرانيون إمكاناتهم الاستخبارية الخاصة لتعقب واستهداف السفن البحرية الروسية، كما فعلوا في هذه الحالة".

 

خسارة الجنرالات الروس

كأنّ الحديث عن دور الاستخبارات الأميركية في المعارك بين القوات الروسية والأوكرانية بات يتّبع نمطاً معيّناً في الأيام الأخيرة. نشرت صحيفة "نيويورك تايمس" الأميركية تقريراً لفت إلى أنّ استهداف الجنرالات الروس (قتلت أوكرانيا 12 جنرالاً بحسب كييف) هو جزء من "جهد سري" لإدارة بايدن كي توفر استخبارات ميدانية فورية لأوكرانيا. ودمج المسؤولون الأوكرانيون المعلومات الجغرافية التي حصلوا عليها مع استخباراتهم الخاصة (اعتراض الاتصالات) لشن عملياتهم. وصاغت الصحيفة تقريرها بالاستناد إلى مسؤولين بارزين في الإدارة الأميركية. لكنّ العنوان كان صادماً: "الاستخبارات الأميركية تساعد أوكرانيا على قتل جنرالات روس، يقول مسؤولون".

رأى البعض أنّ هذا العنوان يمكن أن يثير استفزاز روسيا. بعد نشر التقرير، قالت الناطقة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريين واتسون إنّ واشنطن لم توفّر الاستخبارات الميدانية "بنيّة قتل جنرالات روس". وقال مسؤولون للصحيفة إنّ واشنطن تمتنع عن توفير معلومات عن أبرز القادة الروس.

 

تسريب في مسار أوسع؟

ليس واضحاً ما إذا كان المسؤولون الأميركيون يسرّبون عمداً معلومات استخبارية ثمّ يقومون بتصحيحها أو توضيحها لاحقاً. قد يكون خلق هذه الحالة من الالتباس قاعدة من "قواعد اللعبة" التي تعدّ جزءاً من الحرب الاستخبارية. وثمّة احتمال في أن يكون الأميركيون راغبين بنقل واقع انخراطهم في الميدان الأوكراني بشكل أوضح إلى الروس، لكنّ صياغة التقارير تبدو أكثر حدّة من الرسالة التي يريد الأميركيون إيصالها إلى موسكو، ممّا يدفع المسؤولين الأميركيين إلى إصدار توضيحات لاحقة.

على أيّ حال، إظهارُ الولايات المتحدة أنّ لها يداً في بعض مسارات الحرب يتوافق مع التصعيد في الخطاب الإعلاميّ الأميركيّ. حديث وزير الدفاع لويد أوستين الأسبوع الماضي عن أنّ بلاده تريد "إضعاف" روسيا حتى لا تعود قادرة على شنّ حرب أخرى على جيرانها في المستقبل المنظور هو جزء من التصعيد الجديد. وباتت السياسة الجديدة تشمل أيضاً إرسال أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا، لطالما تردّد الغرب بإرسالها في السابق. إنّ انتشار هذه التقارير في الأيام الأخيرة كان مدار تعليق مراقبين كثر لم يجدوا في الموضوع مجرّد عمل صحافيّ عاديّ بل رغبة مقصودة في إظهار نيّة أميركيّة معيّنة. ويعتقد بعض هؤلاء أنّه لا ينبغي حدوث مثل هذه التسريبات.

 

"سخافة"

المسؤول الأسبق في مجلس الأمن القومي خلال ولاية جورج بوش الابن مايكل ألان يشير إلى أنّ "التسريب المستمر عما قد تقوم به الاستخبارات الأميركية في أوكرانيا يصبح سخيفاً. يد الولايات المتحدة يجب أن تبقى خفية". من جهته، قال رئيس "مجلس العلاقات الخارجية" ريتشارد هاس إنّ نقاش المسؤولين الأميركيين حول مساعدة بلادهم لأوكرانيا في إغراق السفن أو قتل الجنرالات الروس "يعزز سردية بوتين بأنّ روسيا ضحية ويشتت الانتباه عن واقع الاعتداء الروسي وغياب كفاءتها في مواجهة أوكرانيا".

لكنّ هذه التعليقات لا تحجب أسئلة أخرى عمّا إذا كانت التقارير الأميركية تنقل ما يرقى إلى "مفاجآت" أو إلى كشف "أسرار" فاتت انتباه المسؤولين في موسكو. يصعب أن يكون الروس غير مطّلعين على الهجمات التي تتطلّب مجرّد إمكانات أوكرانية ذاتية وتلك التي تتطلّب مساعدات استخبارية أجنبية.

المحاضر في "كلية الملك بلندن" ألكسندر كلاركسون يرجّح أن يكون الروس قد اكتشفوا وجود تبادل للمعلومات الاستخبارية بين واشنطن وكييف بحلول الأسبوع الأول من آذار لذلك هو ينتقد الهلع المنتشر بفعل هذه التسريبات. بحسب رأيه، ما يحصل هو أنّ واشنطن توجّه رسالة إلى موسكو مفادها: "إن كنتم تظنّون أنّ الأمور سيّئة الآن، فتخيّلوا ما بإمكاننا فعله بكم في حلبة الناتو".

كيفيّة قراءة موسكو هذه الرسالة والردّ عليها يمكن أن تكشف عنهما الأيام والأسابيع المقبلة.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم