الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هل أمكن ترامب منع غزو أوكرانيا لو ظلّ رئيساً؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
 جواز سفر روسي مشتعل بجوار شموع مشتعلة خلال احتجاج على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا (أ ف ب).
جواز سفر روسي مشتعل بجوار شموع مشتعلة خلال احتجاج على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا (أ ف ب).
A+ A-

وسط الغزو الروسيّ لأوكرانيا، لاح جدل أميركيّ جديد يعكس عمق الانقسام السياسيّ في الولايات المتحدة. هل كان الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين ليجتاح أوكرانيا لو فاز الرئيس السابق دونالد ترامب بولاية ثانية؟ لن يفوّت قسم كبير من الأميركيّين حدثاً كهذا لاقتناص مكسب سياسيّ أكان في سنة انتخابيّة كما هي الحال في 2022 أو في غيرها. فالديموقراطيّون والجمهوريّون باتوا ينظرون إلى التطوّرات الدوليّة باعتبارها انعكاساً لصحّة تصوّراتهم في الصراعات الداخليّة.

بطبيعة الحال، هذه النظرة غير منفصلة تماماً عن الواقع. فالإدارات المتعاقبة تحمل استراتيجيّات مختلفة إلى العالم، وهي تؤثّر فيه بشكل مباشر بالنظر إلى قوّة واشنطن. لكنّ المشكلة تبدأ عند اعتبار أنّ طريقة تشكّل الأحداث الدوليّة مجرّد برهان على صحّة الانتماء السياسيّ لبعض المحلّلين، عوضاً عن أن تكون مدعاة لتقييم سياسة معيّنة بصرف النظر عن الهويّة الحزبيّة لراسميها.

 

السؤال معكوساً

يصوغ الجمهوريّون رؤيتهم لسياسة ترامب في أوكرانيا عبر قلب السؤال: "لماذا لم يغزُ بوتين أوكرانيا في رئاسة ترامب؟" يردّ الإعلاميّ كريس هايس في شبكة "أم أس أن بي سي" بالقول: "حين يقول السياسيّون الجمهوريّون إنّ بوتين لم يكن ليغزو أوكرانيا تحت (ناظرَي) ترامب (كرئيس)، فهم على الأرجح محقّون. لكن للأسباب الخاطئة". بحسب هايس، لم يحتج بوتين لذلك، "لأنّ ترامب كان هديّته المطلقة فاعلاً كلّ ما أراد بوتين بنفسه فعله، مُعلياً (مكانة) روسيا، مشوّهاً سمعة الناتو، مزيلاً الشرعية عن أوكرانيا".

لا شكّ في أنّ ترامب كان - وعلى الأرجح لا يزال - يكنّ إعجاباً للرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين خصوصاً، و"للرجال الأقوياء" عموماً. في 23 فبراير، وصف ترامب إعلان الرئيس الروسيّ اعترافه باستقلال دونيتسك ولوغانسك بـ"الذكاء" متوقّعاً أن يُصبح بوتين "حافظاً للسلام" هناك. بعد اندلاع الحرب، أكّد مجدّداً خلال تجمّع للمحافظين اعتقاده بأنّ بوتين "ذكيّ"، لكنّه ألقى اللوم أيضاً على "غباء" القادة الأميركيين لأنّهم هدّدوا بوتين بفرض عقوبات، مشيراً إلى أنّ هذا التهديد يعبّر عن "ضعف". وفي تهكّم واضح قال: "بوتين يقول إنّهم سيعاقبونني! لقد عاقبوني طوال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية، تقصدون أنّني أستطيع الاستيلاء على بلد بأكمله، وسيقومون بمعاقبتي؟! تعنون أنّكم لن تفجّرونا إلى شظايا، نفسيّاً على الأقل؟! المشكلة ليست أنّ بوتين ذكيّ وهو بالطبع ذكيّ، لكنّ المشكلة الحقيقية هي أنّ قادتنا حمقى، حمقى للغاية". ووصف الاجتياح بأنّه "مهزلة" و"اعتداء على الإنسانيّة".

حين أمر بايدن جنوده بالانسحاب من أفغانستان وانتهى الوضع بشكل كارثيّ، قال ترامب إنّه أمكن أن ينفّذ الانسحاب بشكل أفضل. واليوم، هو يكرّر إلقاء اللوم على الإدارة الديموقراطيّة في الحرب التي تتعرّض لها أوكرانيا، علماً بأنّ مجلس النوّاب ذا الغالبية الديموقراطية اتّهمه باستغلال سلطته لحجب مساعدات عسكريّة بنحو 400 مليون دولار عن أوكرانيا، بغية تحقيق كييف في ما يشتبه بأنّه أعمال غير مشروعة لنجل بايدن في تلك البلاد. برّأه مجلس الشيوخ ذو الغالبية الجمهورية من الاتهام. بذلك، شكّلت أوكرانيا مادّة دسمة للتقاذف السياسيّ الداخليّ في الولايات المتحدة. لكنّ تبادل الاتّهامات ليس سوى الجزء الأصغر من الصورة الكاملة.

 

"المعضلة الأمنية"

في صحيفة "ذا هيل"، علّق الأستاذ المساعد لمادة الأمن القومي في جامعة "نيوهيفن" جيفري تريستمان على استطلاع رأي كانت قد نشرته الصحيفة نفسها، فوجد أنّ أغلبيّة من الأميركيّين (62%) ترى في "ضعف" الرئيس الأميركي جو بايدن سبباً للاجتياح. لكنّه يُشير إلى أنّ الموضوع الأوكرانيّ أكاديميّ بالدرجة الأولى، ويناقَش في الجامعات، ممّا يجعل المواطنين الأميركيّين غير مطّلعين عليه بما يكفي. النقطة الأساسيّة بالنسبة إلى تريستمان هي مفهوم "المعضلة الأمنية"، التي تعبّر عن ظرف تكون فيه السياسات الدفاعية لدولة ما تهديداً جوهرياً لدولة أخرى، كما هي الحال بين الناتو وروسيا. بالتالي، إنّ موازين القوى العسكريّة، لا القادة الأفراد، هي التي تحدّد احتمال اندلاع الحرب بحسب رأيه.

مع ذلك، لا تتحرّك موازين القوى في فراغ. هي ترتبط بسياسات وسلوكيّات صنّاع القرار إلى حدّ كبير. على سبيل المثال، يُمكن الجدال طويلاً في ما إذا كان تنفيذ الرئيس الأميركيّ الأسبق باراك أوباما خطّه الأحمر في سوريا سيمنع لاحقاً روسيا من التدخّل عسكريّاً في تلك البلاد. قد يكون الجواب أنّ بضعة صواريخ أميركية على قواعد عسكرية روسية لم تكن لتغيّر كثيراً في حسابات الكرملين، كما كتب البعض؛ غير أنّ الامتناع عن القصف ليس مجرّداً من أيّ تأثير، خصوصاً إذا ما أضيف إلى رغبة سابقة أعرب عنها أوباما أمام الرئيس الروسي الأسبق ديميتري مدفيديف حين طالبه بإبلاغ بوتين بأنّه يريد "إعادة ضبط" العلاقات الأميركية مع بلاده بعد فوزه بولاية ثانية. ومع اقتناع إدارة أوباما بضرورة الاستدارة نحو شرق آسيا، (الاتفاق النووي مع إيران تعبير عن جزء من هذه الاستدارة) ترتسم صورة عامّة أكثر وضوحاً لسياسات أوباما ومدى استعداده للاستثمار في مواجهة موسكو شرق أوسطياً. هنا، لا يرتبط الصراع الجيوسياسيّ بين العاصمتين بعناصر القوّة لدى كلّ منهما بمقدار ارتباطها بسياساتهما ومدى استعداد رئيسيهما لفرض مظاهر القوّة.

 

أمثلة إضافية

للمزيد من التوضيح، حين حاول متعاقدو "فاغنر" الروسية اقتحام قرية خشام السورية (خاضعة للنفوذ الأميركي) في فبراير 2018، هاجمتهم القوّات الأميركيّة موقعة مئات القتلى بينهم. على الرغم من أنّ الهجوم الأميركيّ جاء بعد اتّصال بالروس، يبقى أنّ موسكو تفادت التصعيد مع الأميركيّين حين تحرّكوا عسكريّاً. كان ذلك أوّل إشارة إلى أنّ سلوك ترامب غير قابل للتوقّع بما يعرقل إلى حدّ ما حسابات بوتين. بالفعل، يرى الأكاديميّ في "مركز العظمة الأميركية" فيكتور ديفيس هانسون أنّ إشادة ترامب ببوتين لا تؤثّر كثيراً في معادلة الردع طالما أنّ تلك الإشادة تترافق مع التلويح باستخدام القوّة ومع صفة عدم القابلية للتنبؤ بأفعال الرئيس السابق.

وعلى الرغم من أنّ ترامب بدأ ولايته معادياً للناتو قائلاً إنّ الزمن عفا عليه، عاد وتراجع لاحقاً عن هذا التعبير. وعلى الرغم من رمزيّته، شكّل انضمام مونتينيغرو إلى الحلف الأطلسيّ في ولايته إشارة إلى رغبة غير مباشرة بمتابعة عمليّات التوسّع شرقاً. وكان ترامب أوّل رئيس يحوّل صواريخ "جافلين" المضادّة للدروع إلى أوكرانيا (وقد ذكّر بذلك في مقابلة حديثة) كما عزّز بولندا بصواريخ دفاعية بقيمة تفوق الـ10 مليارات دولار، وفرض عقوبات على مشروع "نورد ستريم 2"، فيما رفضه خلفه بايدن. كذلك، انسحب ترامب من معاهدتين استراتيجيتين للحدّ من التسلّح مع روسيا.

ثمّة ما هو لافت للنظر في تحرّكات بوتين. هو شنّ عمليّة عسكريّة سريعة في جورجيا أواخر ولاية بوش الابن، وضمّ القرم في ولاية أوباما، واجتياح أوكرانيا في ولاية بايدن. لكنّ سنوات ترامب كانت هادئة نسبياً. مجرّد مصادفة؟ أمر وارد. هل يتعلّق الموضوع بشعبية بوتين المرتفعة بين أوائل 2014 وأواسط 2018 ممّا دفعه إلى تفادي "مغامرات" خارجيّة غير ضروريّة؟ أمر محتمل أيضاً. هل يرتبط هذا الواقع بسلوكيات ترامب تجاه روسيا المناقضة لأقواله؟ فرضيّة لا يُمكن استبعادها.

الأكيد أنّ قرارات شنّ حروب بهذا الحجم ترتبط بأكثر من بُعد واحد... على أهمّيّته.

 
*نُقل عن "النهار العربي"

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم