اتحاد الغرب خلف أوكرانيا بات من الماضي؟

"بالنسبة إليكم أيها الحمقى على (شبكة) ‘فوكس‘ الذين تقولون إنّ بايدن لا يستطيع جمع جملتين ببعض، إليكم نبأ إخبارياً: لقد جمع الناتو معاً، أوروبا معاً وكل التحالف الغربي بأكمله معاً – بدءاً من كندا مروراً بفنلندا ووصولاً إلى اليابان – لمساعدة أوكرانيا على حماية ديموقراطيتها الوليدة من الهجوم الفاشي لفلاديمير بوتين".

صدر هذا الانتقاد اللاذع لمعارضي الرئيس الأميركي جو بايدن عن الكاتب السياسي في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان في 22 أيار الماضي. "لقد كان أفضل أداء في إدارة التحالف وتوحيده منذ رئيس آخر غطيت أخباره وأعجبت به – وهو أيضاً قيل عنه إنّه لا يستطيع جمع جملتين معاً: جورج هيربرت دبليو بوش".

بحسب فريدمان، نجح بايدن في تكبيد روسيا خسائر كبيرة في أوكرانيا من دون فقدان جندي واحد، كما نجح بوش الأب في إدارة انهيار الاتحاد السوفياتي وإعادة توحيد ألمانيا من دون إطلاقة رصاصة واحدة أو خسارة جندي أميركي واحد. أعاد فريدمان تأكيد نجاح بايدن في مهمة توحيد حلف شمال الأطلسي في 31 أيار. عدّد الكاتب أمثلة عدة من بينها زيادة ألمانيا إنفاقها الدفاعي ورغبة السويد وفنلندا بالانضمام إلى الناتو وفرض أوروبا عقوبات صارمة على روسيا وغيرها.

وفي حديث مع وزير الخارجية الألماني الأسبق يوشكا فيشر، قال الأخير إنّ أوروبا لن تعود إلى الوضع السابق وأصبحت في "وضع مواجهة" مع روسيا. يعترف الكاتب السياسي بأنّ الديموقراطيات أقل صبراً من الأوتوقراطيات وأنّ بعض القادة الأوروبيين يشجّعون بايدن على التحدّث إلى بوتين ودرس شروط لوقف إطلاق النار. لكنّه لا يذهب إلى حدّ التشكيك باتحاد الغرب في مواجهة الرئيس الروسي.

يبدو إدوارد لوس في صحيفة "فايننشال تايمز" أقلّ تفاؤلاً من فريدمان بعدما كتب الخميس أنّ الغرب بدأ يشعر بالتعب من أوكرانيا. ويستشهد بالتصنيف الشهير لوزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد لـ"أوروبا القديمة" المناهضة للحرب على العراق، و"أوروبا الجديدة"، حيث تمثّل فرنسا وألمانيا وإيطاليا طليعة الدول المؤيّدة لإيجاد تسوية مع موسكو. على الرغم من الاختلاف بين نظرتي لوس وفريدمان إلى التطوّرات السياسية الأخيرة في أوروبا، يبقى هذا التباين هامشيّاً بحسب قراءتيهما. لكن ثمّة مؤشّرات تظهر أنّ التصدّع أعمق.

 

"لست القيصر فيلهلم الثاني"

في الأوّل من حزيران، سلّط تقرير في صحيفة "وول ستريت جورنال" الضوء على حجم الخلافات بين الغربيين تجاه المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا. ترى ألمانيا وفرنسا أنّ هذه المساعدات لن تقلب موازين القوى وأنّ الحرب دخلت طريقاً مسدوداً كما أنّ الناتو بمأمن من هجوم روسيّ مستقبليّ. بالمقابل، ترى أوروبا الشمالية والشرقية والوسطى أنّه يجب دعم أوكرانيا بالسلاح القادر على دحر القوات الروسية واستعادة الأراضي التي سيطرت عليها بعد 24 شباط. بحسب الصحيفة، تعتقد هذه المجموعة أنّ أوكرانيا لن تكون آخر حلقة للتوسّع الروسيّ.

ومن بين الأرقام النافرة التي قدّمتها الصحيفة، دعمت ألمانيا (83 مليون نسمة) أوكرانيا بـ200 مليون أورو من المساعدات العسكرية، وهو رقم أقل من حجم المساعدات التي قدمتها ليتوانيا (نحو مليون نسمة). وأرسلت فرنسا 12 مدفع "هاويتزر" فقط. من جهتهم، ينكر الألمان والفرنسيون أنّهم "يسترضون" بوتين وأنّهم يدفعون كييف إلى تقديم تنازلات عن أراضيها للروس.

قد يكون هنالك ثلاثة مصادر للخوف في ألمانيا من دعم أوكرانيا بالسلاح وتنبع جميعها من دروس الحرب العالمية الأولى، على ما يوضحه الكاتب في مجلة "نيوستايتسمان" ريتشارد كليف. يرى الألمان أنّ أجدادهم "ساروا وهم نائمون" إلى تلك الحرب ويخشون تكرار التجربة مجدداً مع سياسة تسليح الأوكرانيين. والمصدر الثاني للخوف هو انسداد الأفق في الحرب الروسية-الأوكرانية كما كانت الحال في حرب الخنادق، وهو ما سيزعزع استقرار أوروبا. ويخشى الألمان أيضاً أنّ فرض كلفة باهظة على روسيا اليوم، كما حصل مع ألمانيا سنة 1918 سيؤدي إلى حرب مستقبلية جديدة. لهذا السبب، يكرّر شولتس عبارة "أنا لست القيصر فيلهلم الثاني" ويتحاشى عبارة "على أوكرانيا أن تربح" ممّا يغضب كييف.

 

ألمانيا ليست وحدها

إذا كان لهذا التحليل أن يقدّم تفسيراً تاريخياً للسبب الذي يمنع برلين من مساعدة كييف، أقله بمقدار طموحاتها، فبالإمكان توقّع استمرار الحذر الألمانيّ نفسه في المستقبل. وتشاطر كلّ من فرنسا وإيطاليا الألمان حذرهم. في الآونة الأخيرة، تكرّرت دعوة الإليزيه إلى "عدم إذلال" بوتين. وكان الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون قد وصف "خطأ" بوتين بأنّه "جوهريّ" و"استراتيجيّ" داعياً في الوقت نفسه إلى تجنّب إهانة الرئيس الروسيّ. وغرّد وزير الخارجية الأوكرنيّ دميترو كوليبا على تويتر كاتباً أنّ "الدعوات إلى تفادي إذلال روسيا يمكنها فقط أن تهين فرنسا وكلّ دولة أخرى قد تدعو إلى ذلك". وردّ الرئيس الأوكرنيّ فولوديمير زيلينسكي السبت على كلام ماكرون قائلاً "إنّ الجيش الروسي بإمكانه التوقف عن حرق النائس (و) تدمير المدن. بإمكان الجيش الروسي التوقف عن قتل الأطفال، إذا أعطى شخص واحد في موسكو أمراً كهذا. وحقيقة أنّه لمّا يصدر بعد أمر كهذا هو بشكل بديهي إذلال للعالم بأكمله".

وحتى لو لم يقترح الإليزيه تنازل أوكرانيا عن أراضيها، فإنّ إيطاليا تقدّمت بخطّة لوقف إطلاق النار تحمل مقترحاً مشابهاً. ردّت المحلّلة السياسية حنة شلست على الخطة مستهزئة: "لماذا لا نعطي روسيا بحيرة كومو" الإيطالية.

لم يعد الانقسام الغربي حيال أوكرانيا يحتمل تأويلات كثيرة. وتتضاءل احتمالات أن يكون هذا الانقسام مجرّد "تعب" من الملفّ الأوكرانيّ. على الأغلب، يعود هذا الانقسام إلى اختلاف تاريخيّ في وجهة النظر العالمية التي تحملها باريس وبرلين وروما والتي استطاع الغزو الروسي لأوكرانيا أن يحجبها لفترة ضئيلة. من خلال مقاله الأخير في نيويورك تايمز"، دعا الرئيس الأميركي نظيره الروسي إلى عدم الرهان على انقسام الغرب. الرهان الوحيد اليوم ينصبّ على بايدن لمنع زيادة الشرخ بين الحلفاء.