الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ما احتمالات نجاح سياسة الطفل الثالث التي اعتمدتها الصين؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الصين تقر سياسة الطفل الثالث - "أ ب"
الصين تقر سياسة الطفل الثالث - "أ ب"
A+ A-

بالتزامن مع ذكرى مرور مئة عام على تأسيسه، يواجه الحزب الشيوعي الصيني تحديات شتى وفي مقدمها تحدّ ديموغرافيّ. برز الأخير بعد اعتماد سياسة الطفل الواحد سنة 1980 من أجل كبح جماح التضخم السكاني، وقد أدت إلى انخفاض نسبة الخصوبة حتى وصلت إلى 1.6 وبحسب بعض الأرقام الصينية 1.4، وأحياناً أقل من ذلك حتى. أمّا مستوى الاستبدال فمحدّد بـ 2.1.

 

ترسم هذه الأرقام صورة سلبية عن الهرم السكاني للصين حيث من المتوقع أن ترتفع نسبة الكهولة في مقابل تراجع نسبة الشباب بمرور العقود المقبلة. يؤدّي ذلك إلى طاقة إنتاجية أقل مع توجيه قسم كبير منها للاعتناء بأعباء المسنّين (الإعالة العمرية). لهذا السبب، يشكّل اختلال توازن الهرم السكاني "نقطة عطب" بالنسبة إلى الدول الساعية لترسيخ مكانتها على مستوى النظام الدولي.

 

محاولة التخلص من العقبات

انتهت سياسة الطفل الواحد سنة 2015، مع تحوّل ديموغرافيّ واقتصاديّ بارز. بات على الجيل الأول من سياسة الطفل الواحد الاعتناء بأبوين وأربعة أجداد، إضافة إلى الأولاد. بناء على هذا الواقع وغيره، سمحت السلطات الصينية للعائلات بإنجاب طفلين بدءاً من سنة 2016. على ما يبدو، لم تحقّق تلك الخطوة المرتجى. أنجبت النساء الصينيات 12 مليون طفل في 2020، بعدما وصل الرقم إلى 14.65 مليون في 2019 وهو انخفاض يساوي 18%. شكّل ذلك الرقم الانخفاضَ السنوي الرابع على التوالي في الولادات داخل الصين. تحرّك الحزب الحاكم مجدداً، فأقر في 31 أيار الماضي، وبرئاسة الرئيس الصيني شي جينبينغ، "سياسة الطفل الثالث". قوبلت تلك السياسة باستنكار من منظمة العفو الدولية على قاعدة عدم أحقّيّة الحكومات بالتدخل في قرارات العائلة الإنجابية.

 

في السياق نفسه، قال كبير الاقتصاديين في مصرف "كومرز بنك" الألماني هاو جو إنّه "لو كانت سياسة تخفيف القيود على سياسة الإنجاب فعالة، لكان يجب أن تبرهن سياسة الطفلين عن فاعليتها أيضاً"، مضيفاً أنّ كلفة المعيشة مرتفعة وكذلك ضغوطات الحياة. غير أنّ الصين اتّخذت مجموعة من الإجراءات لتخفيف هذه العقبات.

 

أعلنت السلطات الصينية أنها ستتخذ "إجراءات داعمة" للسياسة الإنجابية الجديدة. من بين تلك الإجراءات، تحسين خدمات الرعاية الصحية لفترة ما قبل وما بعد الولادة، تطوير نظام شامل لخدمة الرعاية الصحية المرتبطة بالأطفال، تخفيض إنفاق العائلات على التعليم، تعزيز دعم الإسكان، وحماية الحقوق والمصالح المشروعة للنساء العاملات، بحسب وكالة "شينخوا" الصينية. رأت الوكالة نفسها أنّ أزمة شيخوخة السكان هي ظاهرة عالمية وأنّ الصين ليست استثناء في هذا المجال. ولفتت إلى أرقام إيجابية تحققت خلال العقد الماضي مع ارتفاع نسبة الأطفال دون الـ 14 من العمر إلى 17.95% من إجمالي السكان بعدما كانت 16.6% سنة 2010.

 

حجم التفاؤل في الصين

يبدي مراقبون غربيّون تشكيكاً شبه حاسم بفاعلية السياسة الجديدة. بينما يُظهر مراقبون صينيون تفاؤلاً حذراً تجاهها. في حديث إلى صحيفة "غلوبال تايمس" الصينية، يقول الأستاذ في كلية الدراسات السكانية والاجتماعية التابعة لجامعة رينمين الصينية ديو بينغ إنّ تلك السياسة جاءت "في الوقت المناسب". وتوقّع الخبير الديموغرافيّ في "مركز الصين والعولمة" هوانغ وينجينغ أن تسمح السياسة الجديدة بإضافة 300 إلى 500 ألف مولود سنوياً، وعلى مدى السنوات القليلة المقبلة.  من جهته، تحدث أستاذ الدراسات السكانية في جامعة بيجينغ البحثية لو جييهوا إلى صحيفة "تشاينا دايلي" قائلاً إنّه لو لم يتم تطبيق سياسة الطفل الثالث في الوقت المناسب "فقد نفوّت فرصة مواتية لاستكمال إعادة هيكلة السكان".

 

هذا التفاؤل النسبيّ قد يصطدم بحدود التحوّلات السكانية المتراكمة. فتقرير "غلوبال تايمس" نفسه أشار بالاستناد إلى خبراء ديموغرافيين إلى أنّ السياسة ستبطئ مسار انخفاض عدد السكان لكنّها لن تعكسه. علاوة على ذلك، ثمّة تشابه بين تقريري الصحيفة الصينية ومجلّة "إيكونوميست" البريطانية حيال النظرة إلى الفاعلية المحدودة لسياسة الطفل الثالث. كتبت المجلة البريطانية أنه حين خففت الصين سياسة الطفل الواحد، أمِلت بحدوث طفرة في الولادات. حدث ذلك في البداية فقط، قبل أن تعاود المواليد انخفاضها. ونقلت عن الأستاذ في جامعة بيجينغ البحثية جايمس ليانغ قوله إنّ سياسة الطفل الثالث قد تعزّز نسبة الخصوبة إلى 1.4 فقط.

 

تساهلت الحكومة الصينية مع الآباء في الأرياف الذين أرادوا إنجاب طفل ثانٍ في حال كان مولودهم الأول فتاة. بذلك، هدفت السياسة الجديدة إلى تشجيع سكان المدن على إنجاب الطفل الثاني. لكنّ 5 إلى 6% فقط اختاروا ذلك. يتّفق الصينيون والغربيون على أنّ التصنيع والتحديث وما يرافقه من إشراك أكبر للنساء في سوق العمل يجعل الإقبال على الإنجاب أضعف. وهذه ظاهرة تشهدها معظم الدول الغربية المتطورة. غير أنّها أكثر حدّة في الصين بسبب تطلّعاتها الاستراتيجيّة، وبسبب تشكيل الديموغرافيا عاملاً يساعد واشنطن أكثر من الصين في تنافسهما الدولي.

 

حاجة لقوانين جديدة أم لتطبيق القديمة

قد تنتج سياسة الطفل الثالث ارتفاعاً في المواليد خصوصاً في سنة 2021 بعدما أجّل البعض هذا المشروع بسبب "كوفيد-19" وتداعياته، بحسب مجلة "ذا لانسيت" الطبية. ويقول كبير علماء التوليد في جامعة ويسكونسن-ماديسون يي فوشيان للمجلة نفسها إنّ سياسة الطفل الواحد غيّرت مواقف الصينيين تجاه الإنجاب، إذ إنّ الحصول على طفل واحد أو حتى عدم الحصول على أي طفل أصبحا قاعدة اجتماعية في الصين. وأشارت المجلّة إلى استطلاع رأي إلكتروني أجرته "شينخوا" شمل 31 ألف مستطلع، وجد أنّ 4 إلى 5% فقط مستعدون لإنجاب طفل ثالث.

 

ثمّة أسئلة عمّا إذا كانت وجهة نظر قسم من المتردّدين ستتغيّر بعد تطبيق إجراءات الدعم الجديدة. في ما يخصّ تحفيز المرأة على الإنجاب، سبق للصين أن اتّخذت سياسات مناهضة للتمييز الجندريّ خصوصاً في سوق العمل. تمنع الصين أرباب العمل من سؤال المرأة في مقابلات التوظيف عن مشاريعها الإنجابية، كما تمنع إعطاءهم مفاضلة للذكور على النساء في هذا المجال. لكن بحسب "إيكونوميست"، نادراً ما تطبّق السلطات الصينية تلك القوانين التي تصل غرامة مخالفتها إلى حوالي 7800 دولار. فهل تشكّل سياسة الطفل الثالث فرصة لإعادة تفعيل هذه القوانين على طريقة محاولات إصلاح الخلل في الهرم السكاني للصين؟

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم