الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ماذا يعني استهداف أوكرانيا المحتمل لبلغورود الروسية؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
عربات مدرعة روسية محترقة في ضواحي كييف (أ ف ب).
عربات مدرعة روسية محترقة في ضواحي كييف (أ ف ب).
A+ A-

تزامن الانسحاب الجزئي لروسيا من مناطق أوكرانية بالقرب من كييف وتشيرنيهيف مع تطوّر عسكريّ لافت تمثّل في استهداف مروحيتين عسكريتين خزاناً للوقود في مدينة بلغورود الواقعة على بعد 35 كيلومتراً شمال الحدود. اتّهمت روسيا كييف بهذه العملية وقال حاكم المدينة إنّ المروحيتين أطلقتا الصواريخ على المخزن ممّا تسبّب بكرة لهيب ضخمة وسقوط جريحين. من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنّ المروحيّتين دخلتا روسيا على مستوى منخفض للغاية. وقع الانفجار عند الساعة الخامسة صباحاً.

 

هجوم من "التمساح"

أبقت كييف الصورة عن هذه العملية ضبابية. هي لم تؤكد أو تنفِ تبنّيها الهجوم حيث قال ناطق باسم وزارة الدفاع إنّ الأوكرانيين شهدوا عدداً من الاتهامات بهذا الشأن مضيفاً أنّ "أوكرانيا تقود عملية دفاع لصد العدوان الروسي المسلّح" على أراضيها. وأشار إلى أنّ أوكرانيا لا تتحمّل مسؤولية "جميع الحسابات الخاطئة، جميع الكوارث، وجميع الأحداث" في روسيا. وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا الجمعة إنّه "عاجز عن تأكيد أو تكذيب ضلوع أوكرانيا لأنّه لا يملك كل المعلومات العسكرية".

لاحقاً، ذكر الأمين العام لمجلس الأمن الأوكراني أوليكسي دانيلوف أنه "لسبب من الأسباب قالوا إنّنا فعلنا ذلك، لكن بحسب معلوماتنا لا يتوافق هذا مع الواقع". وفي مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، امتنع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن التعليق على الموضوع قائلاً إنّه لا يناقش أي أوامر يصدرها كقائد. وتظهر الفيديوهات فعلاً مروحيّتين تحلّقان في الأجواء وتطلقان الصواريخ على المخزن.

 
 

أشار خبراء دفاعيون إلى أنّ القذائف التي أطلقت من مروحيات "مي-24" هي من نوع "أس-8" عيار ثمانين ميليمتراً. وتملك روسيا وأوكرانيا هذه الأسلحة. وتلقّب مروحية "مي-24" بـ"التمساح" بالنظر إلى مزيّتها التمويهيّة.

لو تأكّدت هذه التفاصيل، فسيكون الهجوم هو الأول على الأراضي الروسية منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير/شباط كما الأول على التراب الروسي من قبل قوة أجنبية منذ الحرب العالمية الثانية.

 

المزيد من الأسئلة

ثمّة احتمال في أن يكون هنالك أصول عسكريّة بالقرب من الموقع المستهدف بحسب بعض التقارير. فقد أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أنّ "الخسارة المرجحة لإمدادات الوقود والذخيرة من تلك المخازن ستزيد بشكل محتمل من ضغوط إضافية قصيرة المدى على سلاسل روسيا اللوجستية التي تعاني بالأساس من التباعد المفرط". وأشارت إلى أنّ إمدادات القوات الروسية التي تحاصر خاركيف "قد تتأثّر بالتحديد". وقبل الهجوم، أظهرت صور جوية من شركة "ماكسار" بناءً روسياً عسكرياً بالقرب من بلغورود وفقاً لشبكة "أم أس أن بي سي".

يرى كاتب الشؤون العسكرية في مجلة "فوربس" أيضاً أنّ للهجوم تأثيراً نفسياً على الروس إضافة إلى الجانب المادي القابل للتعويض حتى ولو استغرق ذلك بعض الوقت. في البداية، ثمّة سؤال أساسيّ يرتبط بسير المعارك، لكنْ بعد أكثر من شهر على انطلاق العمليّة العسكريّة، لم يعد يتعلّق بأسباب فشل الاجتياح البري الروسي. إنّه يتمحور أكثر حول سبب عدم تحقيق روسيا التفوّق الجوّيّ الحاسم فوق أوكرانيا. على الرغم من التفوّق الجوي الواضح، لم تتمكّن روسيا من تدمير جميع القوات الجوية الأوكرانية بما فيها المروحيات على ما يبدو. بالمقابل، لو صحّت فرضيّة الهجوم الأوكراني، فستكون أوكرانيا قد أظهرت جرأة كبيرة في اختراق الأجواء الروسية.

ترافقت هذه الجرأة مع هجمات مضادة قام بها الجيش الأوكرني على مواقع عسكرية روسية خلال الأيام الأخيرة في الشمال وحتى في الجنوب. يوم الجمعة، قالت كييف إنّها استعادت 11 مدينة وبلدة في خيرسون. وذكر مسؤولون أميركيون أنّ روسيا نقلت قرابة 20% من جنودها من محيط كييف بعد فشلها في الاستيلاء على العاصمة. لكنّ موسكو أعلنت عن تقليص عمليّاتها هناك تسهيلاً للمفاوضات.

عقد الجانبان خمسة اجتماعات لمناقشة حلّ للأزمة منذ بداية الحرب. كان من المتوقّع أن يؤدي هجوم الجمعة إلى تعليق المفاوضات بعدما قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنّ "هذا ليس أمراً يمكن النظر إليه على أنّه مؤسّس لظروف مريحة من أجل مواصلة المفاوضات". لكنّ المحادثات استمرّت يوم الجمعة.

 

انعكاس سلبيّ على أوكرانيا؟

في اللغة العسكرية الأميركية، يوصف هذا الهجوم بأنه "ضربة عميقة" بحسب الجنرال الأميركي المتقاعد مارك هرتلينغ. تهدف هذه الضربة إلى التسبّب بضرر مادي وأيضاً إلى إثارة المزيد من الخوف والشعور بأن لا مكان آمناً للروس. لقد اعتقد الروس أنّ الأراضي البيلاروسية والروسية كانت ملاذات آمنة، لكنّهم باتوا الآن أقلّ ثقة بذلك وفقاً لرأيه.

أضاف هرتلينغ، وهو قائد سابق للقوات الأميركية في أوروبا في سلسلة تغريدات أن ليس للهجوم تأثير فوريّ على الخطوط الأمامية، إنّما على القوات التي تدير اللوجستيات أو العائدة من المعركة. كذلك، لم يتطلب الأمر مجرد مروحيّتين تطلقان الصواريخ على أحد الأهداف. لقد تطلب الوضع تحليلاً للهدف، وتخطيطاً للمهمة وإعداداً للمسارات والتشويش على الرادارات أيضاً.

على الرغم من ذلك، قد يكون للهجوم الأوكرانيّ المحتمل انعكاس سلبيّ على مطالب كييف. كرّر زيلينسكي حثّه الدول الغربية على إرسال مقاتلات إلى أوكرانيا لتعزيز جهودها العسكرية. إنّ إظهار أوكرانيا استعدادها لمهاجمة الأراضي الروسيّة لا يساعد في تلبية هذه المطالب. بعد انفجار بلغورود، سيخشى الغرب أكثر خطوة كهذه تنتهي بجرّه إلى صدام مباشر مع الروس، وهو صدام نجح لغاية اليوم في تفاديه. مع ذلك، ليس مستبعداً أن يكون الهجوم الأوكرانيّ المحتمل على روسيا قد أتى بعدما يئست كييف من إمكانيّة تلبية الأميركيين لمطالبها... أو ربّما لإثبات أنّ الهجوم على روسيا لا يستدعي بالضرورة الردّ الهائل الذي يتصوّره الغرب.

حساباتٌ كثيرة محتملة خلف دخان بيلغورود... وخلف ضباب الحرب ككلّ.    

 
*نقل عن "النهار العربي"

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم