الحرب الروسية - الأوكرانية... تأثير كبير على الشرق الأوسط وتغيير في التحالفات

 يلقي التصعيد العسكري الروسي في أوكرانيا بظلاله على مناطق واسعة من العالم، ومنها الدول  العربية، التي ترتبط بعلاقات متشابكة مع أطراف النزاع الدائر بين روسيا والغرب.

بغضّ النظر عن البعد الاقتصادي، ترتبط الدول العربية، ومن ضمنها سوريا ولبنان بعلاقات سياسية ومصالح تتأثر بأيّ حدث أو اهتزاز عالمي.

 

أزمات جديدة ستظهر في المدى المنظور، ستتعلّق بالسياحة والطلاب وغيرهما، واتقاقيات أخرى على مستوى الطاقةـ كذلك، سيكون التأثير هائلاً عند استهداف المصارف الحكومية الروسية، إذ بحسب موقع Middle East Eye  البريطاني، أنشأ مصرف Sberbank الروسي، الذي يمتلك نصف الروس حساباتٍ فيه، مقراً في أبوظبي مؤخراً، كما وقّع المصرف في العام 2020 على شراكةٍ مع شركة "مبادلة للاستثمار"، الذراع الاستثمارية لحكومة أبوظبي، في حين قال رئيس فرع بنك Sberbank في الشرق الأوسط لصحيفة The National الإماراتية وقتها، إنّ العديد من الشركات التابعة للمصرف بدأت الاستثمار في المنطقة بالفعل.

 

الصراع والفرص

يرى الباحث في الشؤون السياسية والأمنية العميد خالد حمادة أن الصراع الروسي - الأوكراني المفتوح يُتيح فرصاً لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما النفطية منها، لتعزيز مواقعها في مجال العلاقات الدولية. فمن المنطقي أن تسعى المملكة العربية السعودية إلى وضع الطلبات الأميركية والأوروبية لزيادة إمدادات النفط لصالح تعزيز موقعها. وكذلك ستطمح قطر في المقابل للحصول على تنازلات أوروبية، قد يكون على رأس قائمتها تأجيل المفوضية الأوروبية تحقيقاً مدّته أربع سنوات حول استخدام الدوحة المزعوم لعقود طويلة الأجل لمنع تدفق الغاز إلى السوق الأوروبية الموحدة.

 

 ويقول لـ"النهار": "تتخذ دول شرق أوسطية أخرى مواقف أكثر تحفظاً في رهاناتها. فقد شهد العقد الماضي ازدهاراً في العلاقات الأمنية والاقتصادية بين روسيا والكثير من الدول في الشرق الأوسط، مدفوعاً بإحساس بتناقص الاهتمام الأميركي بالمنطقة.

 

 ويضيف: "تركيا بدورها ستكون أيضاً جزءاً مهماً من المعادلة، لكونها عضواً في الناتو، ولها علاقات وثيقة بكلّ من روسيا وأوكرانيا. وسيعزز الصراع في أوكرانيا تنافس روسيا والغرب على جذب أنقرة، إذ تحرص واشنطن على أن تواصل أنقرة مبيعاتها من الأسلحة لكييف؛ طبعاً من غير المرجّح أن تتحالف تركيا بشكل كامل مع الغرب ضد روسيا تجنباً لمزيد من التعقيدات. لكنّ هذه الديناميكيّات ستؤدّي بلا شك إلى سياسة خارجية تركية أكثر ثقة بالنفس، تحديداً في البحر الأبيض المتوسّط وسوريا، وتخفيف حدّة الانتقادات الغربية للوضع التركي الداخلي.

 ويُشير إلى أن تركيا ستشعر بأنها أكثر ارتياحاً في الشمال السوريّ، وستأخذ إجازة طويلة ومريحة من الضغط الدوليّ والأميركي، ويمكن أن تستثمر في هذا الموضوع، وأن تُطلق عمليّات ضد الأكراد، لأنّها تشعر بأن الأميركيين لن يكون لهم موقف صلب تجاهها.

 

 ويوضح أن أحد الانعكاسات المهمّة قد يكون في التأثير على مسار المفاوضات في فيينا، والتي لعبت روسيا دوراً بنّاءً في جولاتها الأخيرة، إذ عملت من كثب مع الجهات الغربية على إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وأصبح للإيراني هامش أكبر، ويستطيع أن يراهن على حاجة الأسواق إلى الطاقة لتحقيق كسب ماديّ أكبر.

 

أما  لجهة التداعيات الإسرائيلية، فيرى حمادة أن إسرائيل ستتّخذ موقفاً براغماتياً من الصراع الأوكراني، بالرغم من تحالفها العميق مع الولايات المتّحدة. فمنذ أن نشرت موسكو جيشها في سوريا أصبح المسؤولون الإسرائيليون ينظرون إلى روسيا على أنّها جارهم الجديد في الشمال، والذي يعتمدون على تعاونه في شنّ ضربات جويّة ضدّ أهداف إيرانية في العمق السوري. المواقف التركية والإسرائيلية والإيرانية سيحكمها عدم الوضوح والالتباس وفقاً لتطور الموقف.

 ويلفت حمادة إلى أن الولايات المتحدة لم تدخل في حساباتها أن هناك قوى إقليمية أصبح لديها حسابات أخرى، وتجاوزت مرحلة الاستيعاب الأميركي لأنشطتها، وأصبح  لها طوحات تختلف عن الطرح الأميركي. وقد بدا واضحاً هذا الأمر في الموقف الإماراتي في مجلس الأمن، الذي أتى كردّ  على الولايات المتحدة بأن للإمارات العربية المتحدة قراءة مختلفة، تراعي مصالحها الوطنية أولاً.

 

 ويخلص إلى أن العلاقات الأميركية مع اللاعبين الأساسيين في المنطقة تنتقل إلى مستوى جديد، وهناك ترتيبات جديدة ستحكم هذه العلاقات؛ فنحن أمام عالم جديد، وستنعكس المتغيرات على العلاقات ما بين دول الشرق الأوسط والغرب.

 ويختم: "أصبح ثابتاً أنه لا يمكن تحقيق السلام والأمن على أساس المبادئ التي أرسيت بعد الحرب العالمية الثانية؛ وقواعد الانتظام، التي فرضتها الولايات المتحدة، بعد انهيار جدار برلين، قد سلكت مسارها نحو التغيير إلى قواعد جديدة".

 

تحالفات جيوستراتيجية جديدة

وفي تقرير لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية الدولية في واشنطن، كتب نائب الرئيس، والمشرف العام على دراسات الشرق الأوسط في المركز جون ألترمان، أن آثار الغزو الروسي لأوكرانيا ستنتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وستكشف عن تحالفات جيوستراتيجية جديدة، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، وتهدّد بإشعال مواجهات عسكرية جديدة؛ وذلك في حال استمرّت المواجهة بين روسيا ومعظم أنحاء العالم لفترة طويلة، كما يبدو مرجّحاً؛ فقد تكون الآثار الأكثر خطورة على المدى الطويل بدلاً من المدى القصير.

 

 وبرأي ألترمان أن إيران وسوريا هما أبرز المؤيّدين والمصطفّين مع روسيا في الشرق الأوسط، لأنهم اتخذوا مواقف معادية للغرب لفترة طويلة. لكن حلفاء وشركاء الولايات المتحدة الرئيسيين في المنطقة كانوا حذرين، فبينما دان وزير خارجية إسرائيل روسيا، لم يفعل رئيس وزرائها ذلك على وجه الخصوص.

وترى إسرائيل في روسيا شريكاً مهماً، إذ يشكّل المهاجرون الروس جمهوراً مهماً ضمن عداد الناخبين الإسرائيليين.

 

وترى دول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى أن روسيا حليف مهمّ في إنتاج الطاقة، ومصدر محتمل للأسلحة والاستثمار والسلع الأخرى، ممّا حدا بتلك الدول إلى التعبير عن قلقها؛ لكنها تجنّبت إلقاء اللوم على روسيا مباشرة.

ويضيف أنه إذا تدهورت العلاقات بشكل أكبر، وتجنّبت روسيا آليّات تفادي الصراع، فسوف يرتفع خطر مواجهة أكثر جديّة، وستتاح لروسيا فرصة واضحة لتقويض الغرب في تموز المقبل، عندما يصوّت مجلس الأمن الدولي على تجديد عمليات الأمم المتحدة الإنسانية عبر الحدود، في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا.

 

وربما يعرّض الفيتو الروسي 4 ملايين سوري، يعتمدون على المساعدة المنقذة للحياة إلى الخطر، في الوقت الذي سيزيد الضغط بشكل حادّ على تركيا، ويمكن أن يؤدّي إلى موجة كبيرة من الهجرة القسريّة في شرق البحر الأبيض المتوسط، بالتزامن مع تشديد إدارة بايدن على الدبلوماسية الإنسانية. ومن المرجّح أن يؤدّي استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) إلى القضاء على أيّ آمال في التعاون الجادّ بشأن الملف السوري بين الولايات المتحدة وروسيا.

 

وأخيراً، يُمكن لروسيا أن تعقّد الدبلوماسيّة الدوليّة بشأن الملف النوويّ الإيرانيّ. وفي حين أن غزو أوكرانيا لم يعرقل مفاوضات خطة العمل المشتركة الشاملة في فيينا حتى الآن، إلا أن المفاوضات الناجحة ستظلّ تتطلّب عمليّة تنفيذ دقيقة، ويُمكن لروسيا أن تسعى إلى لعب دور المعطّل.

 

روسيا تستغلّ الحلبة السورية

وفي سياق متّصل، بدا لافتاً ما تمّ تسريبه عن دراسة لـ"معهد أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، وتتعلق بتأثير الأزمة الأوكرانية على جبهة إسرائيل الشمالية، خاصة في مواجهة سوريا، إذ رجّحت أن تستغلّ روسيا الحلبة السورية لكي تجسّد أمام الولايات المتحدة أن بيديها رافعات لتحويل مناطق أخرى في أوروبا الشرقية إلى مناطق قابلة للاشتعال.

ووصفت الدراسة الطلعات الجوية الروسية والسورية المشتركة قرب هضبة الجولان المحتلة، الشهر الماضي، بأنها "رسالة واضحة لإسرائيل أنّه بمقدور روسيا، إذا أرادت، أن تعرقل كفاح إسرائيل ضدّ المحور الإيراني، مثلما يتمّ التعبير عنه في الأراضي السورية".

 

وأضافت أن تعميق العقوبات الأميركية على روسيا، إثر الهجوم الروسي على أوكرانيا، "ستكون له تبعات سلبية على إسرائيل. وفي إطار الرد الروسي ضد حلفاء الولايات المتحدة، قد توقف موسكو التنسيق العملياتيّ الروسي – الإسرائيلي، وتحاول إحباط هجمات إسرائيلية في سوريا بوساطة منظومات دفاع جوي وطائرات اعتراض روسية.

وإلى جانب ذلك، من الجائز أن تمتنع روسيا عن لجم إيران، وربما تشجّعها أيضا على تفعيل أذرعها، ليس ضد القوات الأميركية في سوريا فقط، وإنّما ضدّ إسرائيل أيضاً".

 

وأوصت الدراسة الحكومة الإسرائيلية بالامتناع عن بيع أسلحة لأوكرانيا ودول مجاورة لروسيا، وخاصة أسلحة مضادة للدبابات، ومواصلة منع بيع "القبة الحديدية" من الجيش الأميركي لأوكرانيا.

 

اقرأ أيضاً :    هل تثبت "بيرقدار" فاعليتها في أوكرانيا؟