الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

خمسة سيناريوهات للردّ الإيراني على هجوم إسرائيل... هل تبدّلت قواعد الاشتباك؟

المصدر: "النهار"
جاد ح. فياض
جاد ح. فياض
حرق على إسرائيل في إيران (أ ف ب).
حرق على إسرائيل في إيران (أ ف ب).
A+ A-

يتفاعل الهجوم الإسرائيلي على منشآت أصفهان في إيران، نظراً إلى خطورته وتداعياته على المنطقة، لأنّ العملية العسكرية من العمليات القليلة التي تخرج الى العلن على أراضيهما في سياق صراعهما، وكان آخرها اغتيال "أبي القنبلة النووية"، محسن فخري زاده، في عام 2020. وبعد انتهاء فك شيفرات الرسالة الإسرائيلية، تتّجه الأنظار نحو الردّ الإيراني.

حكمت "حرب الظل" مجريات العلاقة المتوترة بين طهران وتل أبيب منذ ثمانينيات القرن الماضي، حين بدأت الجمهورية الإسلامية تصدير الثورة الإيرانية، فكان الاشتباك الأول بين الطرفين في الجنوب اللبناني، لكنه لم يكن مباشراً، بل إن "حزب الله" كان الذراع الإيراني فيه. وتصاعدت حدّة الحرب مع تسليح إيران فصائل فلسطينية، كـ"حماس" و"الجهاد الإسلامي"، ثم انتقلت الاشتباكات إلى الميدان السوري، قبل أن تُصبح سيبرانية واستخباراتية.

أثار الهجوم الأخير أسئلة حول احتمال تبديل قواعد الاشتباك المعروفة بين الطرفين، وهو المسار الذي واظبت إسرائيل وحكوماتها اليمينية على مسلكه في السنوات السابقة بين الحين والآخر، إما من خلال تنفيذ عمليات في الداخل الإيراني، كاغتيال زاده، أو نقل الحرب الدائرة إلى خارج الميادين التقليدية، وإلى عرض الخليج تحديداً، مع استهداف ناقلات نفط إيرانية. لكنه تبديل مؤقت وساري المفعول حتى الردّ الإيراني، لتعود بعدها الأمور إلى سقفها.
وبالبحث في تبعات عملية أصفهان، بدأت إسرائيل تتحسّب للردّ الإيراني المرتقب، خصوصاً أن طهران عادةً ما تحفظ مياه وجهها "نسبياً" وتردّ على كل هجوم إسرائيلي يصيبها، وإن لم يكن الرد بحجم الفعل، لأنها على يقين بأن أي هجوم غير مدروس أو "منسّق" قد يستتبع مساراً مدمّراً. وفي هذا السياق، فإن اجتماعات عدّة عقدتها المؤسسات الأمنية الإسرائيلية قبل أيام، استعداداً لأي ضربة "انتقامية".

فما هي سيناريوهات الرد المطروحة أمام طهران، والتي قد تكون تل أبيب وضعتها على شاشات رصدها؟

الرد الأكيد... ولكن؟

تمتلك إيران عدداً من البطاقات التي يُمكن أن تلعبها بوجه إسرائيل للرد على أيّ هجوم أو عملية تحصل، وتتنوّع بين الرد العسكري، الأمني، السيبراني وغيرها من أشكال الرد.

رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، العميد الركن هشام جابر، يُشير في حديث لـ"النهار" إلى أن "الرد الإيراني مؤكّد، لكن تفاصيله لجهة التوقيت، الطريقة، والوسيلة، غير معروفة بعد، مع العلم بأن التجارب السابقة تقول إن الرد قد يتأخر نسبياً، لأنّه يخضع لدرس معمّق، بهدف تفادي سيناريوهات لا تريدها طهران".
وبدوره، يذكّر الخبير العسكري والعميد المتقاعد خليل الحلو بالهجمات الإسرائيلية السابقة على إيران، ما بين اغتيال زاده والهجوم على منشآت نووية وأخرى لتوليد الطاقة في الداخل الإيراني، ويعتبر أن ردود طهران "لم تكن على قدر مستوى الهجوم"، وانطلاقاً من هذا المبدأ، فمن غير المنتظر أن يكون الرد الإيراني "مدوّياً"، برأي الحلو.

ويبرّر الحلو في حديث لـ"النهار" اعتقاده بأن الرد لن يكون قوّياً بعودته إلى حديث إيران عن هجوم أصفهان، ويقول: "إن السلطات الإيرانية قالت إنه لم تقع أضرار من جراء الهجوم، وأُسقطت مسيّرات شاركت فيه، وهذا التقليل من حجم ما حصل إشارة إلى أن الرد لن يكون قويّاً وسيكون على قدر "تصوّرات الإيرانيين"، لا على قدر الهجوم نفسه، مع العلم بأن رواية الإعلام الإسرائيلي لجهة نجاح العملية تعاكس الرواية الإيرانية تماماً".

عمليات أمنية تستهدف إسرائيليين؟

وفق وسائل إعلام إسرائيلية، فإن المؤسسات الأمنية في تل أبيب تستعد لاحتمال أن تستهدف طهران مسؤولين إسرائيليين في سفاراتهم في دول خارجية، أو حتى سيّاحاً إسرائيليين، وذكّرت وسائل الإعلام العبرية نفسها بإحباط محاولة خليّة استخباراتية إيرانية خطف مسؤولين إسرائيليين في اسطنبول قبل سنوات قليلة.

في السياق نفسه، تنشط إيران من خلال أجهزتها العسكرية الاستخباراتية في عدد من الدول، ولا سيما في أميركا الجنوبية، بالإضافة إلى دول أوروبية. وقد تسعى في إطار ردّها إلى خطف مسؤولين أو مواطنين إسرائيليين، أو حتى استهداف مواقع تابعة لتل أبيب في الخارج.

لكن جابر يستبعد هذا السيناريو، "لأن التعرّض لديبلوماسيين ومدنيين سوف يضع إيران تحت ضغط دولي كبير هي بغنى عنه اليوم، كما أنّه سوف يستتبع أزمة ديبلوماسية مع الدولة المُنفّذ على أراضيها العملية، وبالتالي فإن هذا الفعل يجرّ الأزمات لإيران".

أما الحلو فيلفت إلى احتمال حصول الرد على شكل استهداف إسرائيليين في الخارج، لكن في الوقت نفسه، يكشف عن احتياطات وتحضيرات اتخذتها إسرائيل كما الدول المضيفة لإسرائيليين حول مقارّ السفارات والقنصليات، وبالتالي فإن نجاح هذه العمليات غير مضمون.

عمليات سيبرانية مطروحة

في السنوات الأخيرة، وإلى جانب العمليات الأمنية والعسكرية بين إيران وإسرائيل، برزت الحرب السيبرانية، وسُجّل عدد من الخروقات في الدولتين، وهنا، من الضروري التذكير بالحوادث "الغامضة" التي حصلت في منشآت نووية وعسكرية في إيران، تبيّن أنها نتيجة عمليات قرصنة سيبرانية إسرائيلية، وأخرى أصابت تل أبيب، وقفت خلفها الجمهورية الإسلامية.

في عام 2022، تعرّضت إسرائيل لـ"أكبر هجوم إلكتروني"، وفق ما نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية عن مصدر أمني. في ذلك الحين، أصاب عطل عدداً من المواقع الحكومية، ولا سيما مواقع وزارات الداخلية والصحة والقضاء والرفاه ومكتب رئيس الوزراء نفتالي بينيت، ونسبت أصوات اسرائيلية الهجوم السيبراني آنذاك إلى إيران.
يرى جابر أن الهجوم السيبراني على مواقع إسرائيلية "محتمل"، ويُذكّر بأحداث سابقة حصلت في هذا السياق، لكنّه يتطرّق إلى "مستوى" الرد السيبراني، ويسأل: هل سيكون في نفس مستوى هجوم أصفهان.

وكذلك لا يستبعد الحلو هذا الخيار، لا بل يُشير إلى أن "إيران تتمتّع بقدرات سيبرانية هائلة تجعلها في قائمة الدول الأقوى، لكن الحروب السيبرانية في العادة حروب هجومية وليست دفاعية، بمعنى أن إيران قد تقوم بهجمة سيبرانية، لكنها لن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها من هجمات مشابهة تقودها إسرائيل، كما أنّها قد لا تحفظ ماء الوجه، فمن يستطيع إثبات حصول هجوم إلكتروني ما لم تعترف به الدولة المتضرّرة؟".

تحريك الجماعات الإيرانية في المنطقة

في جعبة إيران أيضاً بطاقة جماعاتها المسلّحة في المنطقة، خصوصاً "حزب الله" في لبنان، وحركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزّة، على حدود إسرائيل مباشرةً. واعتادت إيران منذ سنوات على إيصال رسائل التصعيد من خلال هذه التنظيمات، خصوصاً الفلسطينية منها، وهي المعروفة بقربها من الحرس الثوري وفيلق القدس.

إلّا أن هذا السيناريو مستبعد، خصوصاً لجهة "حزب الله"، لأن تحريك جبهتي الجنوب اللبناني أو الداخل الفلسطيني نتائجه مدمّرة، وتداعياته ضخمة، ومن الممكن أن يجرّ المنطقة إلى حرب، وهجوم أصفهان برمّته لا يرقى إلى هذا المستوى من العدوانية.

هنا، يلفت جابر إلى أن "إيران قد تستعين بحلفائها وهذا احتمال موجود، لكن ذلك مستبعد، فاللجوء إلى "حزب الله"، يستتبع حرباً واسعةً، وإيران لا تريد ذلك، كما أن اللجوء إلى الفصائل الفلسطينية سيكون باهظ الثمن على غزّة في ظل وجود حكومة يمينية متطرّفة مستعدّة لشن الحروب".
لكن جابر يُشير إلى أن "الجزء المحرّر من الجولان قد يكون منطلق الرد الإيراني، خصوصاً أن جماعات طهران تنتشر في تلك المنطقة، كالقنيطرة، وشكل الردّ قد يكون هجوماً صاروخياً، أو تسللاً إلى الداخل الإسرائيلي وتنفيذ عملية أمنية".

أما من جهته، فيرى الحلو أن "الخيارات العسكرية غير متوقعة، فـ"حزب الله" وإسرائيل يحترمان قواعد الاشتباك بينهما، كما أن أيّ تصعيد من قبل فصائل إيران المسلّحة في المنطقة سيجرّ حروباً مدمّرةً، وبالتالي من المستبعد اللجوء نحو هذا السيناريو، وكذلك الأمر بالنسبة للقصف المباشر من إيران تجاه إسرائيل بصواريخ باليستية، لأنّه يستوجب رداً قد لا تكون إيران قادرة على استيعابه".

حرب في عرض البحار

في سياق الحديث عن السيناريوهات المحتملة، لا بدّ من الإشارة إلى الحرب التي دارت بين الطرفين في عرض البحر، صيف عام 2021، حين استهدفت إيران سفينة مالكها إسرائيلي، وقتلت بحّارين، أحدهما روماني والثاني بريطاني، وجاءت العملية غداة عمليات إسرائيلية عديدة استهدفت سفناً إيرانية، قدّرت "وول ستريت جورنال" عددها بـ12.

في هذا الإطار، لا يستبعد جابر هذا الخيار أبداً.

عمليات اغتيال داخل إسرائيل مستبعدة

في خضم البحث عن سيناريوهات، فإن خيار تنفيذ إسرائيل عمليات اغتيال شخصيات إسرائيلية في الداخل الإسرائيلي أمر مستبعد، وفي السنوات الأخيرة، ورغم احتدام المواجهات بين الطرفين، لم تُسجّل أيّ عملية اغتيال داخل إسرائيل.

قد يكون السبب خلف ذلك القبضة الأمنية لإسرائيل وعدم قدرة أجهزة الاستخبارات الإيرانية على خرقها، إضافة إلى السياج الذي يعزل إسرائيل عن محيطها، ويصعّب عمليات نقل المتفجّرات والأسلحة الثقيلة إلى الدخل الإسرائيلي.

في هذا الإطار، يُشير جابر إلى أن "إيران تتمنّى أن تكون قادرة على تنفيذ عمليات أمنية واغتيالات داخل إسرائيل، لكن السؤال: هل تستطيع القيام بذلك؟ نسبة نجاح هذه العمليات ضئيلة جداً، وإيران ليست في وارد تنفيذ عمليات غير مضمونة النجاح".

ويلفت الحلو إلى نقطة مهمّة، وهي فارق المساحة بين إيران وإسرائيل، "فمساحة إيران الواسعة وعدد سكّانها الكبير يسمحان للاستخبارات الإسرائيلية باختراقها، فيما مساحة إسرائيل الصغيرة تمكّن سلطاتها الأمنية من الإمساك بمفاصل الأرض ومنع أيّ تسلّل إيراني يسمح بالقيام بأي عملية"، برأيه. وهو تحليل تناقضه آراء تتحدّث عن مضيّ طهران في سيناريو تجهيز "الذئاب المنفردة" ضمن الداخل الإسرائيلي.

هل تغيّرت قواعد الاشتباك؟

ما من شك في أن عملية أصفهان تشكّل نقلة نوعية في المواجهة بين إسرائيل وإيران، ومن الممكن أن يتم تثبيت قواعد جديدة إذا ما ردّت طهران بعملية مشابهة ذات المستوى نفسه، أو أعلى، بينما من الممكن أن تكون العملية استثناءً، ويعود الطرفان إلى نهج المواجهة الذي ركنا إليه طيلة سنوات.
برأي جابر، إن هجمات مشابهة متوقعة، خصوصاً من قبل إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرّفة الجديدة التي تُحاول استعراض عضلاتها، مع العلم بأن تل أبيب تحاول أحياناً رفع حدّة المواجهة، فيما طهران ترغب في الحفاظ على مستوى مستقر.

ويتوقّع الحلو استمرار "حرب الظل" بين الطرفين، لكن إسرائيل ستحتفظ بالمبادرة، فيما إيران ستبقى عل خط الدفاع، لأن فقدان المبادرة يعني الضعف، ومن المرتقب أن نشهد عمليات مشابهة لعملية أصفهان، وذلك في ظل التوتر الدولي الحاصل، بحسب الحلو.

ويربط بين العملية في الداخل الإيراني والعمليات التي استهدفت إسرائيليين في القدس، ويقول: "إيران لم تعطِ الأوامر لتنفيذ الهجوم مباشرةً، لكن المنظمات والفصائل الصغيرة تستفيد من الأحداث الدولية وتستثمر فيها حين تكون الأضواء مسلّطة عليها، لاكتساب أهمية"، فيما يرى جابر في عامل "رد الفعل العاطفي" سبباً خلف تحرّكات المقدسيين، ويستبعد أوامر مباشرة من إيران أو جماعاتها.

في المحصّلة، فإن رداً إيرانياً منتظراً على الاستهداف الإسرائيلي، على أن تحدّد الأسابيع أو الأشهر المقبلة شكله، لكن من غير المرتقب أن يتبدّل مشهد المواجهة، لأن الطرفين يسعيان لإبقاء حربهما تحت سقف السيطرة، وخروجها عن إطارها سيكون مدمّراً لطهران، كما لتل أبيب.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم