السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

بايدن: بين مطرقة إسرائيل وسندان إيران

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ ف ب).
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ ف ب).
A+ A-

لن يكون غريباً انزلاق العلاقات الأميركية - الإسرائيلية إلى موجة جديدة من التوتر مشابهة لتلك التي شهدتها خلال الولاية الثانية للرئيس الأسبق باراك أوباما. والسبب واحد في كلتا الحالتين: الملف النووي الإيراني. لكن هذه المرة قد يصل الخلاف إلى نطاق أوسع.

 

من جهة، وجّه الرئيس الحالي جو بايدن رسالة قاسية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حين تأخّر حوالي شهر لإجراء اتّصاله الأوّل به. ومن جهة ثانية، يبدو أنّ بايدن عقد العزم على ألّا يألو جهداً لإعادة إحياء الاتفاق النوويّ. حتى إنّه مستعدّ للإفراج عن المليارات من الدولارات المجمّدة بهدف تحفيز طهران على العودة إلى الالتزام بموجباتها النووية. علاوة على ذلك، تبدو إيران مستعدّة أيضاً للتفاوض حول ملفّ المعتقلين الأميركيّين في سجونها. يُستبعد أن يكون الإعلان عن هذا الاستعداد من دون ثمن كبير.

 

تل أبيب تتحرّك

إذا كان بايدن عازماً على إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة" مهما كلّف الثمن، فإنّ نتنياهو عازم أيضاً على عرقلة تلك العودة. بدأت تل أبيب تنفيذ مخطّطها مع اقتراب ولاية ترامب من نهايتها حيث شهد الصيف والخريف الماضيان عمليّات تخريب في منشآت الطاقة الإيرانية، النووية منها والكهربائية، بشكل غير مسبوق. تضاف إلى ذلك عمليتا اغتيال طالتا الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" أبا محمد المصري في أحد شوارع طهران وكبير علماء إيران النوويين محسن فخري زاده. وفي أوائل الشهر الحاليّ، تمّ استهدف منشأة نطنز النوويّة للمرّة الثانية في أقلّ من سنة.

 

وجّهت أصابع الاتّهام في جميع هذه الحوادث إلى الإسرائيليين. قد يكون استهداف نطنز محاولة لتصعيب مسار المفاوضات على بايدن، أو محاولة لتخفيف الضغط عن بايدن. فإيقاف عمل المنشأة لنحو تسعة أشهر تؤخّر إيران عن الوصول إلى نسبة التخصيب الحرجة. وهذا كفيل بتخليص الرئيس الأميركيّ من ثقل إلزام نفسه بسرعة التوصل إلى نتيجة مع إيران في وقت محدد. يبقى الاحتمال الثاني ضئيلاً، لأنّ بايدن وفريقه غير مستعجلين للعودة إلى الاتّفاق بسبب التصعيد النوويّ، بل بسبب قناعة شخصيّة بأهمّيّة الاتّفاق كإرث لأوباما ولديبلوماسيّيه الذين يشغلون اليوم أبرز المناصب في الإدارة الحالية.

 

هل يصغي بايدن؟

سيعمل بايدن ونتنياهو على إظهار أنّ العلاقات إيجابيّة بين الطرفين. لكن إلى أي حدّ يستطيعان الحفاظ على هذا الودّ الظاهريّ أمرٌ خاضع للنقاش. نصح البعض نتنياهو بألّا يوسّع دائرة أهدافه إذا ما أراد كسب إصغاء واشنطن. فإدخال سلوك إيران الإقليميّ وبرنامج إيران الصاروخيّ في المفاوضات الحاليّة لن تقبل به الإدارة خشية انسحاب الإيرانيين من المحادثات. وطالبوه بترك إيران تعرقل المفاوضات بدلاً من إسرائيل، طالما أنّ الشكوك بين طهران وواشنطن متبادلة وطالما أنّ فوز متشدّد بالرئاسة الإيرانيّة قد يساهم في هذا الهدف. لكنّ هذا الرهان أقرب للاصطدام بحائط مسدود.

 

ففي حين تستقبل واشنطن وفداً من كبار الأمنيّين الإسرائيليّين للتباحث في الشأن الإيرانيّ، قالت المتحدّثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، إنّ زيارة الوفد لن تغيرّ الموقف الأميركيّ تجاه إيران. ومع وضع كلام ساكي جانباً، ثمّة أدلّة كثيرة تشير إلى أنّ واشنطن لن تأخذ بالاعتبار رأي الإسرائيليّين في الموضوع. إنّ استعداد الإدارة لرفع عقوبات ماليّة ونفطيّة عن إيران وفقاً لما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأربعاء الماضي يعبّر عن استعداد بايدن للمجادلة بأنّه ينتقل من محاولة الفوز في المواجهة إلى إدارة القضيّة، وفقاً لتحليل مدير برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة في "معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى" سايمون هندرسون.

 

وهذه أسباب إضافيّة تدفع نتنياهو لإجهاض مساعي بايدن، أو أقلّه لتصعيد عمليّاته السرّيّة ضدّ إيران. فهو قال في آذار الماضي أمام مناصريه إنّه كان مستعدّاً "للوقوف ضدّ العالم كلّه" لوقف الاتّفاق النووي.

 

جاء كلام نتنياهو بعد عشرة أيّام على اجتماع أمنيّ إسرائيليّ وافق فيه الجميع، بمن فيهم نتنياهو، على تفادي صراع سياسيّ علنيّ مع إدارة بايدن. وكرّر موقفه أوائل الشهر الحاليّ قائلاً إنّ إسرائيل لن تكون ملزمة بأيّ اتّفاق نوويّ.

 

عاجلاً أم آجلاً

الزميل البارز في مركز "كارنيغي" آرون دايفد ميلر، والديبلوماسي الأميركي السابق دانيال كورتزر، والمدير التنفيذي لـ"المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" ستيفن سايمون، حذّروا الإدارة من إمكانيّة غرقها في حرب لا تريدها إن لم تُظهر حزماً واضحاً تجاه الطرفين. فكتبوا في مجلّة "فورين أفيرز" أنّه "عاجلاً أم آجلاً، من المرجح أن تستخدم إسرائيل القوة العسكرية لمحاولة منع إيران من عسكرة اليورانيوم المخصّب". وإذا كانت إيران قد تفادت الرد على الاعتداءات الإسرائيلية في السابق، فقد يتغيّر الأمر مع شعورها بالإحباط من تباطؤ الإدارة في تخفيف العقوبات عنها ومع سهولة الاختراق الإسرائيلي لأمنها، ما يدفع طهران للمخاطرة أكثر.

 

ورأى الكتّاب أنّ لنتنياهو أسباباً كي يكون واثقاً بقدرته في أخذ الأمور على عاتقه. فإلى جانبه رئيس هيئة أركان متشدد (أفيف كوشافي) بعكس القيادات العسكرية السابقة التي كانت تميل إلى ضبط النفس. والقدرات العسكرية الإسرائيلية أصبحت أكثر تطوراً حتى بالقياس مع سنوات قليلة مضت. كذلك، لن يرغب الإسرائيليون بإثقال كاهل رئيس وزراء في حالة حرب عبر ملاحقته قضائياً، وهي عملية من المحتمل أن تشهد تأجيلاً. حتى معارضوه سيضطرون إلى التقرب منه في حكومة وحدة وطنية. ويعتقد نتنياهو بأنّه يدرك كيفية التعامل مع واشنطن حيث يحظى بتأييد غالبية جمهورية وقسم من الديموقراطيين، ويراهن على أنّ بايدن لن يخاطر بتوتير العلاقات مع إسرائيل في وقت يصبّ تركيزه على أجندته الداخليّة.

 

الواضح أنّ مهمّة بايدن ستكون معقّدة حيال محاولة سحب فتيل التفجير بين الإسرائيليين والإيرانيّين. وقد يكون التعامل أصعب مع تل أبيب بما أنّ بوادر الاتّفاق مع طهران بدأت تلوح في الأفق. لكنّ ذلك لا يعني أنّ العلاقات الأميركيّة-الإيرانيّة ستكون سهلة هي الأخرى. فيوم أمس، أعلنت الولايات المتحدة أنّ أربع سفن حربية تابعة للحرس الثوري ضايقت زوارق خفر السواحل الأميركي في مياه الخليج العربيّ. وردّت وزارة الدفاع عبر تحذير الحرس من خطأ في الحسابات. يبدو أنّ التقدّم في مسار المفاوضات غير المباشرة في فيينا لا يعني بالضرورة تقدّماً نحو الهدوء، أكان في الشرق الأوسط، أو حتى في البيت الأبيض.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم