السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

توقيف نافالني... الكرملين أمام خيارين أحلاهما مرّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
حشود مؤيدة لنافالني في العاصمة الروسية موسكو يوم السبت (أ ف ب).
حشود مؤيدة لنافالني في العاصمة الروسية موسكو يوم السبت (أ ف ب).
A+ A-

"لماذا لا تقولون أربعة ملايين؟" بهذه الطريقة الساخرة، ردّت وزارة الخارجيّة الروسيّة على الرقم الذي قدّمته وكالة "رويترز" عن أعداد المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع دعماً للمعارض الروسيّ أليكسي نافالني. قدّرت الوكالة أعداد هؤلاء بـ 40 ألفاً بينما قالت الوزارة إنّ الرقم يصل إلى حدود 4 آلاف. من جهتها، ذكرت شبكة "دويتشه فيله" أنّ وسائل إعلاميّة عدّة وضعت الأرقام بين 20 و 40 ألف متظاهر.

اعتقلت السلطات الروسيّة حوالي 3 آلاف شخص طالبوا السبت بالإفراج عن المعارض الذي اعتقلته موسكو بعد عودته من ألمانيا حيث تلقّى العلاج من تسميم بغاز الأعصاب تعرّض له في آب الماضي. يتّهم نافالني الكرملين بتدبير عمليّة التسميم بينما تنفي موسكو علاقتها بذلك. ويتحاشى الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين ذكر نافالني بالاسم، تفادياً على الأرجح لإعطائه المزيد من الأضواء.

نقلت "رويترز" عن مجموعة "أو.في.دي-إنفو" لمراقبة الاحتجاجات قولها إنّ الشرطة اعتقلت 1294 شخصاً في موسكو و489 في سانت بطرسبورغ وأكثر من ألف شاركوا في احتجاجات داخل 100 بلدة ومدينة روسيّة. وكانت زوجة نافالني، يوليا نافالنايا، من بين المعتقلين قبل أن يتمّ الإفراج عنها لاحقاً.

 

"مقامرة شجاعة"

يبقى اختيار نافالني العودة السريعة إلى روسيا مثار تساؤل بما أنّه اتّهم السلطات بمحاولة قتله، مع ما يعنيه ذلك من خطر على حياته أو نهاية لمسيرته السياسيّة داخل أحد السجون. بالنسبة إلى المحلّل السياسيّ مايكل بوسيوركيو، كانت عودة نافالني "مقامرة شجاعة" لكنّها تبدو "سوء تقدير". وكتب في شبكة "سي أن أن" أنّ الرئيس الروسيّ قادر على البقاء في منصبه لسنوات من دون اهتمام بالانتقادات الدوليّة لطريقة تعامل حكومته مع نافالني، كما أنّ الردّ من واشنطن قد لا يكون كبيراً بسبب التركيز على معالجة الفوضى الداخليّة. يعتقد بوسيوركيو أنّ نافالني أراد العودة كي لا يفقد تأثيره السياسيّ وهو في الخارج وكي لا يُنظر إليه على أنّه عميل أجنبيّ. مع ذلك، لا تبدو المرحلة المقبلة مؤاتية للمعارض الروسيّ مع احتمال الحكم عليه بالسجن لما لا يقلّ عن ثلاث سنوات ونصف.

يوافق العدد الأكبر من مراقبي الشأن الروسيّ على أنّ نافالني ليس ليبيراليّاً غربيّاً. فهو يعتنق قيماً محافظة وقوميّة لم تجعل الغرب مرتاحاً له. كذلك، هو يؤيّد السياسة الخارجيّة التي تتّبعها روسيا حاليّاً. لكنّ تركيزه على مكامن "الفساد" داخل الكرملين يجعله العدوّ الداخليّ الأوّل لموسكو. وهو ذهب هذه المرّة إلى أبعد ممّا كان يصل إليه في تحقيقاته وتصريحاته السابقة.

 

للمرّة الأولى... الهدف هو بوتين

بحسب الصحافيّ فلاديسلاف دافيدزون، يستهدف نافالني البوتينيّة نفسها ساعياً إلى إسقاط الستاتيكو. ولفت النظر في مجلّة "فروين بوليسي" إلى أنّ نافالني لم ينجُ من محاولة اغتيال وحسب، بل ساهم مع موقع "بيلينغكات" الاستقصائيّ في التحقيق بالمحاولة واتّصل بالعميل الذي حاول اغتياله. الأهمّ، أنه بعد يوم واحد على توقيفه، نشر فريقه تحقيقاً آخر حول القصر السرّيّ الفاخر الذي يملكه بوتين مع انتقادات عنيفة لذوقه الفنّيّ و"إخفاقاته النفسيّة من دون رحمة". وتمّ توقيت عرض التقرير بالتزامن مع عودته إلى روسيا. ولم يجرؤ أيّ معارض سابق على انتقاد ثروة بوتين.

ربّما يراهن نافالني على سياسة أميركيّة وغربيّة جديدة بقيادة جو بايدن قادرة على حمايته. لكن ثمّة مؤشّرات قد تقلّل هذا الاحتمال، مثل استعداد الإدارة للتفاوض مع روسيا حول اتفاقات حظر الانتشار الاستراتيجيّة وأبرزها ستارت-3 التي تنتهي الشهر المقبل. وقد تكون واشنطن بحاجة للتفاوض مع روسيا لاستكشاف أجواء إعادة إحياء الاتّفاق النوويّ مع إيران. حتى مع افتراض قدرة الطرفين على فصل ملفّاتهما الخلافيّة عن تلك التي يمكنهما التوافق عليها، من غير الواضح كيف يمكن أن يكون لنافالني مكان في الصراع والتنافس الجيوسياسيّ بينهما. لكن يبدو أنّ نافالني يريد تحقيق أهدافه القصيرة المدى عبر خطف الأضواء الإعلاميّة.

فهو أجاب على أسئلة الصحافيّين على طريق العودة إلى موسكو، محوّلاً نفسه من مجرّد ناشط مناهض للفساد إلى "رجل دولة عالميّ يحظى بالدعم الكامل للمجتمع الدوليّ – حتى ولو لم يكن يستطيع الكثير لحمايته" وفقاً لدافيدزون. ما يسعى إليه المعارض الروسيّ البالغ 44 عاماً هو إجبار النظام على اتّخاذ قرار حول كيفيّة التعامل معه، وهو قرار لا مصلحة للنظام باتّخاذه وفقاً للكاتب نفسه.

ربّما يكون للكرملين أيضاً مصلحة قريبة مقابلة وهي إجراء انتخابات مجلس الدوما في وقت لاحق من السنة الحالية بعيداً من ضجيج نافالني. هذا على الأقلّ ما قالته الخبيرة في الشؤون الروسيّة والباحثة في معهد "تشاتام هاوس" الملكيّ إيكاتيرينا شولمان لبوسيوركيو الأحد الماضي. فهل يكون الكرملين قادراً على لعب هذه الورقة خلال المرحلة الانتقاليّة الضبابيّة في البيت الأبيض؟

 

"بطل ميثولوجيّ"

بصرف النظر عمّا إذا كان الكرملين يأخذ العامل الدوليّ بالاعتبار، يبدو أنّ دفع نافالني "النظام" الروسيّ إلى اتّخاذ القرار الصعب يعود على المعارض الروسيّ بالمنفعة السياسيّة والإعلاميّة وفقاً للكاتب السياسيّ في "مركز كارنيغي-موسكو" ألكسندر بونوف. يرى الأخير أنّ تصرّفات الكرملين تصيبه بجروح ذاتيّة. لقد رفعه الكرملين إلى بطل وإلى أشهر سجين سياسيّ كما إلى مصافّ الرجل الثاني بعد بوتين.

يرى بونوف أنّه سيكون على السلطات الروسيّة اختيار ما هو الأكثر تهديداً لمصالحها: نافالني الحقيقيّ الذي سيكون مجرّد متحدّ سياسيّ للسلطة في الانتخابات المقبلة أم نافالني الأسطوريّ والوجه الميثولوجيّ المضطهَد الذي سيتمكّن على الأرجح من تحويل إحباط الناس إلى رغبة نحو التغيير. إذا أراد الكرملين تبديد صورة الأسطورة التي خلقها حول نافالني، فعليه السماح له بالعودة إلى الحياة السياسية الطبيعيّة، وهو أمر غير مضمون النتائج بحسب بونوف.

لن تكون خيارات الكرملين سهلة في المرحلة المقبلة وفقاً لهذا التحليل. من جهة ثانية، قال كبير مساعدي نافالني ليونيد فولكوف أمس إنّه "لو ظنّ بوتين أنّ أكثر الأشياء إخافة أصبحت وراءه فهو مخطئ كثيراً وبطريقة ساذجة". يبدو أنّ التطوّرات السياسيّة داخل روسيا مرشّحة كي تحمل أبعاداً شخصيّة إضافة إلى أبعادها السياسيّة، ممّا يقلّل فرص إيجاد حلّ المشاكل عبر التسويات أو الحلول الوسطى.  

 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم