الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ماذا تعني رسالة الصين الصاروخيّة بالنسبة إلى أميركا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
صورة التقطتها وزارة الدفاع التايوانيّة (أ ف ب).
صورة التقطتها وزارة الدفاع التايوانيّة (أ ف ب).
A+ A-

لا يزال تقرير صحيفة "فايننشال تايمس" البريطانية في 16 تشرين الأول عن اختبار الصين في آب صاروخاً أسرع من الصوت (فرط صوتيّ)، يثير تردّدات بين المراقبين والسياسيين الأميركيين. ذكرت الصحيفة أنّ الصاروخ قادر على حمل رأس نوويّ وقد حلّق حول الأرض على مدار منخفض، قبل الهبوط صوب هدفه، لكنّه أخفق بفارق 32 كيلومتراً. نفت الصين صحّة التقرير قائلة إنّ الاختبار كان عبارة عن "تجربة روتينية لمركبة فضائية تهدف إلى اختبار تقنية المركبات الفضائية القابلة لإعادة الاستخدام".

وأجرت الصين في 2019 اختباراً على صاروخ فرط صوتيّ يبلغ مداه 2000 كيلومتر، وقادر على حمل رؤوس نووية. لكنّ الصاروخ الأخير (لونغ مارتش 2 سي) يملك مدى أطول، إذ يمكنه الدخول إلى الفضاء والوصول إلى المدار قبل العودة إلى الغلاف الجوي. ما يميّز هذه الصواريخ عن تلك البالستية أنّها تنطلق على مسار منخفض في الفضاء، وأنّها أسرع في إصابة هدفها وقابلة للتحكم بها عبر التحويم. وهذا يعني أنّها أصعب على الكشف والاعتراض بحسب وكالة "فرانس برس". وأعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن قلقه من هذه التكنولوجيا. كما أعلنت الولايات المتحدة أمس الخميس أنّها اختبرت بنجاح مكوّنات "نماذج أولية" لصواريخ فرط صوتيّة.

 

عن "الحظّ والبطء في الاستيقاظ"

قد لا تجد الولايات المتحدة نفسها متأخرة عن روسيا والصين في مجال تطوير هذه الصواريخ وحسب، فهي متأخرة أيضاً على مستوى تطوير أنظمة دفاعية لمواجهة هذه الأخطار. يرى خبير الدراسات الاستراتيجية شاي ختيري أنّ الولايات المتحدة كانت بطيئة في الاستيقاظ أمام العصر النووي الثاني. ويضيف أنّ الإمكانات الدفاعية الأميركية متأخّرة حيث يشكّل النظام الدفاعي الصاروخيّ "حلماً لمّا ينتهِ" بسبب عقيدة "الردع عبر الهجوم الثاني"، التي سادت خلال الحرب الباردة. بنيت تلك العقيدة على مبدأ انّ أفضل طريقة لحماية الأمن القوميّ، هي من خلال التمتّع بالقدرة على الردّ بهجوم ثانٍ. لقد كانت تلك العقيدة فعّالة "بالحظّ أو بالعبقرية الاستراتيجية، بمعنى أنّ الاتحاد السوفياتي لم يشنّ هجوماً نووياً".

إن كان الحظّ قد خدم الأميركيين خلال الحرب الباردة – وهو أمر مرجّح طالما أنّ الاتحاد السوفياتي كان ينوي شنّ الهجوم سنة 1962 انطلاقاً من كوبا قبل التراجع في اللحظات الأخيرة – فصلاحيّته لا تدوم طويلاً. تصعّد الصين وروسيا قدراتهما الصاروخية الهجوميّة، وهذا ما دفع الرئيس السابق دونالد ترامب إلى الانسحاب من "معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى"، و"معاهدة السماوات المفتوحة". بالمقابل، إنّ التوترات الأخيرة بشأن تايوان لا تترك مجالاً كبيراً للاسترخاء العسكريّ الأميركيّ. وثمّة أسباب أخرى تدعو الأميركيين للقلق.

 

التعايش والمفاجآت في زمن السلم

ذكرت "فايننشال تايمس" أنّ الصاروخ الصينيّ فاجأ الأميركيين. يوضح الدكتور جايمس هولمز من الكلية الحربية البحرية الأميركية ضرورة عدم الاستهانة بقدرة متحدٍّ صاعد على إطلاق مفاجأة تكنولوجية هائلة. ويقدّم مثلاً على ذلك قدرة البحرية الإمبراطورية اليابانية على تطوير طوربيدات ضحلة-التشغيل مناسبة للاستخدام في بيرل هاربر، بينما أسقطت البحرية الأميركية احتمالاً كهذا. حتى موعد الهجوم، شكّلت أنظمة الأسلحة العدائية "صناديق سوداء" في زمن السلم.

إنّ تطوير الصين المحتمل لهذا الصاروخ يعني ثغرة إضافية في الإمكانات الدفاعية الأميركية. بإمكان السلاح الجديد المفترض أن يهاجم الولايات المتحدة من القطب الجنوبيّ في وقت وجّهت واشنطن أنظمتها الدفاعية ورادارات الإنذار المبكر نحو القطب الشماليّ الذي يشكّل المسار المعياريّ للصواريخ البالستية العابرة للقارات.

لم تستبعد مجلة "إيكونوميست" أن يكون انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ المضادة للبالستية سنة 2002 هي التي حفّزت بيجينغ على تطوير صواريخها الخاصّة، متوقّعة أن تستمرّ الصين وروسيا في بناء صواريخ نووية مبتكَرة لضمان قدرتها على اختراق أيّ دفاعات أميركية، حالية أو مستقبليّة. لكنّ المسألة ليست فقط عبارة عن قدرات عسكرية. يقول تونغ جاو من مركز "كارنيغي-تسينغاو للسياسة العالمية" في بيجينغ، إنّ القوة النووية "تساعد على إجبار الولايات المتحدة بالقبول بالتعايش السلميّ".

هل تدفع هذه الاستراتيجية، لو صحّ وجودها، باتجاه التعايش السلميّ أم باتجاه سباق جديد نحو التسلّح النوويّ؟ ما من إجابة مؤكّدة على هذا السؤال، وإن كان الاحتمال الثاني واقعيّاً جداً. وفي جميع الأحوال، قد لا يكون هنالك تناقض بين الخيارين، إذا ما تمّ النظر إلى التفاعل الأميركيّ-الصينيّ من زاوية الحرب الباردة حصراً. فالتعايش بين نظامين جبّارين مختلفين سياسيّاً وإيديولوجيّاً يمكن أن يحصل حتى في ظلّ اختبارات صاروخيّة متبادلة. لكنّه بالتأكيد سيكون عبارة عن تعايش هشّ.

 

الكرة في ملعب بايدن

حتّى اليوم، وبحسب ما تنقله مجلّة "تايم" عن محلّلين أميركيين، لا تغيّر الإمكانات الصينيّة الجديدة ميزان القوة العسكريّ بشكل جوهريّ. لكنّها تظهر توسيع وتنويع بيجينغ السريع لترسانتها النووية، ويجب أن تحثّ إدارة بايدن على التواصل مع بيجينغ بشأن محادثات الحدّ من انتشار السلاح النوويّ. وتضيف أنّ هنالك حاجة إلى شفافية عسكرية وتحقّق ديبلوماسي قبل تفعيل هذه الأسلحة وتصبح الرقابة عليها أكثر صعوبة.

كرّر بايدن أنّه أكثر مسؤول دوليّ تواصل مع الرئيس الصينيّ شي جينبينغ. يبدو أنّه حان الوقت لكي يبرهن عن قدرته في تحويل هذا التواصل إلى اتّفاق ديبلوماسيّ بشأن الأسلحة النوويّة. تحقيق هذا الهدف دونه عقبات كثيرة ليس أقلّها الخلافات المستمرّة حول تايوان والقضايا التجاريّة والحقوقيّة. وبإمكان الصين أيضاً الرهان على الخلاف الأميركيّ-الروسيّ بشأن تطوير موسكو لصواريخ 9 أم-729، من أجل المماطلة في التوصل إلى معاهدة جديدة. وكانت تلك الصواريخ هي السبب وراء خروج ترامب من "معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى"، علماً أنّ روسيا تنفي انتهاكها لبنودها. وحتّى مع افتراض خطأ تقرير "فايننشال تايمس"، ستظلّ الولايات المتحدة بحاجة إلى محادثات جديدة مع الصين حيال القضايا النوويّة والاستراتيجية – هذا إن أرادت فعلاً عدم تسريع تحوّل الحرب الباردة الجديدة إلى أخرى ساخنة.

 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم