الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل قيّد أوباما وترامب سياسة بايدن في سوريا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه، الرئيس المنتخب حالياً، جو بايدن، يحضران حفل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب - "أ ب"
الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه، الرئيس المنتخب حالياً، جو بايدن، يحضران حفل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب - "أ ب"
A+ A-
في الملفّ السوريّ، كما في الملفّ الإيرانيّ، يبقى سؤال المراقبين واحداً: هل بايدن هو مجرّد نسخة كربونيّة عن أوباما؟ في القضيّة الأولى، يبدو أنّ الجواب أقرب إلى النفي. في الثانية، أغلب الظنّ أيضاً أنّه سيختلف عن رئيسه السابق. المستشارون الذين أحاط نفسه بهم دليلٌ إلى ذلك، حتى ولو كان جزء كبير منهم ينتمي إلى إدارة أوباما.

ثمّة محطّتان طبعتا تلك الإدارة في الأزمة السوريّة: الأولى إعلان أوباما وجوب "رحيل الرئيس السوريّ بشّار الأسد". هدفٌ لم يقرنه باستخدام أدوات لتحقيقه. المحطّة الثانية وربّما المفصليّة هي امتناعه عن تنفيذ خطّه الأحمر حول استخدام الأسلحة الكيميائيّة.

في المحطّتين، لم يكن أوباما مضطرّاً لوضع أهداف غير مقتنع بها أو غير راغب باستخدام القوّة لتنفيذها. لكنّه اختار حلّاً وسطاً أفقده الأهداف وأفقده الهيبة الأميركيّة. شعرت روسيا وإيران بالتجرّؤ فاندفعتا في تقديم الدعم للأسد حتى نجحتا في قلب الموازين.

وقدّم أوباما هديّة إضافيّة للإيرانيّين عبارة عن اتّفاق نوويّ حوّل المليارات إلى الخزانة الإيرانيّة لتمويل حربها. والأكثر لفتاً للأنظار في عمليّة اتّخاذ أوباما قراراته غير المتجانسة، هو أنّ سياسته السوريّة لقيت معارضة من معظم مستشاريه والمقرّبين منه في تلك الفترة. حتى وزير خارجيّته جون كيري كان مع استخدام الحلّ العسكريّ رداً على استخدام السلاح الكيميائيّ في الغوطة سنة 2013.


ندم
لعلّ وزير خارجيّة بايدن أنطوني بلينكن هو أبرز مسؤول في الإدارة الحاليّة أطلق موقفاً واضحاً من السياسة السوريّة خلال الأشهر الأخيرة. في أيّار الماضي، دعا بلينكن إدارة أوباما إلى "الاعتراف بأنّنا فشلنا ليس بسبب عدم المحاولة، لكنّنا فشلنا. لقد فشلنا في تفادي خسارة مرعبة في الأرواح. لقد فشلنا في تفادي نزوحاً شاملاً للناس داخل سوريا، وبالطبع، خارجها كلاجئين. وهذا أمرٌ سيلازمني في سائر أيّامي. هذا أمرٌ أشعر به بشدّة".

وقال أيضاً إنّ إدارة أوباما "ستَظهر على الأقلّ" حيث اختفت إدارة ترامب وإنّ تطبيع العلاقات مع الحكومة السوريّة هو "مستحيل افتراضيّاً". لكن ثمّة فارق بين عدم الرغبة بتكرار سياسة أوباما من جهة وبين القدرة على تنفيذ تلك الرغبة.
طرأت تغيّرات كثيرة بين 2015 و 2020. أبرزها أنّ المعارضة المسلّحة خسرت الحرب مع ما يعنيه من خسارة واشنطن لورقة مهمّة في الضغط على الأسد. وأصبحت روسيا أكثر ترسّخاً في سوريا لتقبل بأيّ تراجع سياسيّ، على الأقلّ، ليس مقابل ثمن معيّن. لكنّ الثمن لا يمكن أن تحصل عليه من دون مفاوضات مع الأميركيّين.

احتمالات فتح بايدن مفاوضات دوليّة مع روسيا – باستثناء التفاوض على تجديد أو العودة إلى المعاهدات الاستراتيجيّة – قد تكون ضئيلة في السنوات الأولى للإدارة الديموقراطيّة. ومع ذلك، لا يزال بايدن متمتّعاً بورقتين يمكنه استخدامهما على الطاولة: عقوبات "قيصر"، والقوّات الأميركيّة الخاصّة في شمال شرق سوريا.


خطوة ضدّ الثلاثيّ معاً
يرى مراسل شؤون الأمن القوميّ في مركز "ناشونال إنترست" مارك إيبيسكوبوس أنّ هنالك احتمالاً في ألّا تواصل إدارة بايدن فرض العقوبات على حكومة الأسد وحسب بل أيضاً توسيعها. ودعمُ الأكراد عبر القوّات الأميركيّة يساعدها على خلق إسفين دائم ضدّ الأسد والكرملين. بإمكانها أيضاً لعب دور نشط أكبر في عمليّة إعادة إعمار سوريا والدفع باتّجاه إصلاحات سياسيّة تحفظ دور المجتمع المدنيّ.

سبق أن أدان بايدن إعلان ترامب سحب قوّاته في شمال والذي أدّى إلى قدرة تركيا على شنّ توغّل عسكريّ في المنطقة. ومن المرجّح احتفاظ بايدن بالقوّات الأميركيّة في تلك المنطقة، إذ يرى البعض أنّ الرئيس المنتخب هو أكثر رئيس أميركيّ مناصرة للأكراد. علاوة على كلّ ذلك، يذكّر إيبيسكوبوس بما قاله بايدن في 2018 عن وجود طرق يمكن العمل من خلالها مع روسيا "لأخذ أجزاء من البلاد – ستكون دولة مقسّمة لفترة طويلة... ليس هنالك مبدأ موحّد في سوريا، بحسب نظرتي. لا مبدأ".

يشبه هذا الكلام نظرته إلى العراق كدولة فيديراليّة موسّعة. ليس واضحاً إذا كان بايدن سيعتمد هذا النظام لسوريا، لكنّ المؤشّرات الحاليّة تدلّ إلى أنّ تكريس منطقة إدارة ذاتيّة للأكراد في شمال شرق سوريا قد يكون خياره الأقرب. وهذا الخيار ليس موجّهاً فقط ضدّ دمشق وموسكو فقط بل أيضاً ضدّ أنقرة.


مفاجأة محتملة
ثمّة وجهات نظر تميل إلى الاعتقاد بأنّ اندفاعة إدارة بايدن نحو الملفّ السوريّ ستكون محدودة. كتب المحلّل عبدالرحمن المصريّ في "المجلس الأطلسيّ" أنّ أجندة الإدارة المقبلة ستكون مكتظّة بالأولويّات في السياسات الخارجيّة، بحيث ستكون لا سوريا وحدها، بل الشرق الأوسط كلّه (باستثناء الملفّ النوويّ الإيرانيّ) خارجها. من جهة ثانية، أبدت إدارتا أوباما وترامب الاهتمام نفسه بعدم الانخراط في الأزمة السوريّة، ولو بأشكال مختلفة، وهذا سيصعّب على بايدن معالجة الأسباب الجوهريّة التي مزّقت سوريا بحسب الكاتب.

لا يمكن استبعاد أن يُقدِم ترامب على "مفاجأة" أخرى في الأيّام الأخيرة من الفترة الانتقاليّة ويسحب جنوده من سوريا بشكل نهائيّ، لا كما حدث في السنتين الماضيتين حين كان الانسحاب عبارة عن إعادة انتشار. ينوي ترامب تخفيض عدد قوّاته في العراق وأفغانستان، وهو قد أمر بسحب قوّاته من الصومال، على الرغم من أنّ رئيسها غير متحمّس لهذه الفكرة.

يسعى ترامب إلى تنفيذ ما أمكن من تعهّداته الانتخابيّة بإعادة الجنود الأميركيّين إلى الولايات المتّحدة، وربّما إلى تصعيب مهمّة خلفه في إدارة الملفّات الساخنة. لو سحب ترامب قوّاته من سوريا فسيحرم بايدن من ورقة ضغط أساسيّة لمعالجة واحدة من أكثر الأزمات تعقيداً. عند هذه النقطة، لن تنفع كثيراً الإشارة التي تحدّث عنها المصري حول أنّ إدارة بايدن ستكون "لاعباً أكثر جدّيّة – ونزاهة – في سوريا".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم