الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

للصين "أزمة الكابيتول" الخاصة بها؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
مشهد عامّ من الغرفة الرئيسية للمجلس التشريعي في هونغ كونغ (تعبيرية- أ ف ب).
مشهد عامّ من الغرفة الرئيسية للمجلس التشريعي في هونغ كونغ (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-

في 23 آذار الماضي، وربّما في واحد من أعنف الانتقادات الداخلية للسياسة الأميركيّة، كتب الصحافي البارز توماس فريدمان مقاله الأسبوعيّ في صحيفة "نيويورك تايمس" تحت عنوان: "الصين لم تعد تحترمنا – لسبب وجيه". رأى فريدمان أنّ الحكم أصبح بالنسبة إلى العديد من السياسيّين الأميركيّين مجرّد ألعاب رياضيّة وحروب قبليّة. واستشهد بكلام للمستشار الدولي جايمس ماكريغور حول طبيعة النظام الصينيّ الذي يدفع الزعماء الصينيين، وتحديداً لأنّهم ليسوا منتخبين، "إلى الاستيقاظ صباح كل يوم مذعورين من ناسهم، وهذا يجعلهم مركّزين جداً على الأداء".  

 

بين فنّ الحكم والمسرحيّات الشعبويّة

لم يكن ذلك رأي ماكريغور وحده. الأكاديميّ البارز في جامعة مدينة نيويورك برانكو ميلانوفيتش وجد أنّ الرأسماليّة السياسيّة التي تعدّ الصين نموذجها الأبرز تظلّ خاضعة للضغط المستمرّ كي تنتج المزيد من السلع والخدمات والأداء الاقتصاديّ الأفضل والنموّ الأعلى. ويشتدّ الضغط أكثر بما أنّ الرأسماليّة السياسيّة لا توفّر ما يكفي من الحرّيّات الفرديّة والشفافيّة بالمقارنة مع الرأسماليّة الليبيراليّة الغربيّة.

 

يولّد هذا الاختلاف قوّة أكبر للصين حالياً بحسب فريدمان. ففي الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أنّ الديموقراطيّة تفرض محاسبة المسؤولين كلّ سنتين أو أربع سنوات، يشعر سياسيّون كثر بأنّ كلّ ما عليهم فعله هو تقديم "مسرحيات شعبوية" لقواعدهم الناخبة. وقول كبير الديبلوماسيّين الصينيّين لنظرائه الأميركيّين خلال اجتماع ألاسكا في 18 آذار عن عدم تمتّع واشنطن بأهلية التحدّث إلى بلاده من موقع قوّة، يعود إلى علم الصين بطباعة واشنطن المال خلال جائحة كورونا لمساعدة مواطنيها على مواصلة إنفاق أموالهم على السلع الصينية. بينما طبعت بيجينغ المال للاستثمار أكثر في البنية التحتية. وأضاف أنّ الصين راقبت كيف ألهم ترامب محازبيه على اقتحام الكابيتول وكيف لم يعترف معظم حزبه بنتائج الانتخابات الديموقراطية.

 

"كابيتول" الصين

ما من خلاف كبير حول تفوّق استثمار الصين على استثمار الولايات المتحدة في البنية التحتيّة. ففي سنة 2018، ونسبة إلى ناتجهما القوميّين، استثمرت الصين في بنيتها التحتيّة أكثر بعشرة أضعاف من إنفاق الولايات المتّحدة على هذا القطاع. ووصل الاستثمار الفيديراليّ في البنية التحتيّة إلى أدنى مستوى له منذ أربعين عاماً، بحيث سيكلّف امتناع واشنطن عن تحديثها العائلة الأميركية الواحدة 3300 دولار سنويّاً بين 2020 و2039. لكن على مستوى ما حدث في الكابيتول منذ ثلاثة أشهر من اقتحام للكونغرس بسبب عدم اعتراف مناصري ترامب بالانتخابات، قد تكون الصين أمام أزمة سياسيّة مشابهة في المستقبل.

 

في 24 آذار، كتب الباحث البارز في الشؤون الصينية ضمن "المجلس الأميركيّ للسياسة الخارجيّة" جوشوا آيزنمان مقالاً في مجلّة "فورين بوليسي" يبيّن أنّ ما حدث في الكابيتول يعبّر عن قلق عميق في بيجينغ إزاء الانتقال السياسيّ المقبل داخل الصين. فقبل رحيله، اختار ماو تسي تونغ هوا غوفنغ كخليفة له، لكنّ الأخير كان ضعيفاً ممّا أدى إلى بروز صراعات داخلية استمرت ثلاث سنوات وانتهت ببروز دينغ شياو بينغ. أدخل الأخير إصلاحات فمأسس الحزب وأساليب الحكم والخلافة وقيّد فترة الرئاسة.

 

توقفت الإصلاحات مع أحداث ساحة تيانانمين وإطاحة الأمين العام للحزب تشاو زيانغ. ومع أنّ الرئيس السابق جيانغ زيمين استقال في 2004 لمصلحة تطوير الحزب، احتفظ مع مواليه بنفوذ كبير في عهد سلفه هيو جينتاو فراكموا الثروات وفقاً لآيزنمان. وأضاف أنّ الرئيس الحاليّ شي جينبينغ عكَسَ مساراً أطلقه قادة حزبيّون سنة 2015 لمأسسة الحزب مجدداً عوضاً عن شخصنته فأقال أو اعتقل عدداً من الشخصيات فاق من اعتقلهم ماو خلال الثورة الثقافية، إضافة إلى إزالته القيود الزمنية عن ولاية الرئيس. ولم تمرّ هذه الخطوات من دون انتقادات بعض الصحف الداخلية.

 

ماذا لو غاب الاستقرار؟

إذا كانت الصين أمام مشكلة دائمة حين يرتبط الموضوع بمسألة الخلافة السياسيّة، أقلّه من زاوية الاستعراض التاريخيّ لآيزنمان، فإنّ التاريخ نفسه يظهر أنّ الصين تمكّنت من اجتياز هذه المطبّات. لكن حتى في حال حدوث العكس، ووصول بيجينغ إلى حائط مسدود عند محاولة اختيار الرئيس المقبل، يمكن ألّا يكون مناسباً للغربيّين عموماً والأميركيّين خصوصاً أن يفرحوا بالمأزق الداخليّ المفترض. في نيسان 2019، رأى مؤسّس أوّل مكتب لصحيفة "وول ستريت جورنال" في الصين (1979) فرانك شينغ أنّ بيجينغ "تدين للعالم بحلّ مشكلتها في الخلافة" السياسيّة الداخليّة.

 

واستشهد بما قاله دينغ عن أنّ الفوضى في بيجينغ ستؤثّر على دول أخرى: "إذا أصبح الوضع السياسيّ في الصين غير مستقرّ فستنتشر المشكلة في سائر دول العالم، مع تداعيات سيصعب على العالم تخيّلها". وذكّر بمقولة أخرى له سنة 1980 حين أعلن أنّ الصين قد تتخلّى عن الاشتراكيّة بشكل كامل إذا أظهرت أنّها أقلّ تقدّمية من الرأسماليّة. وفي هاتين المقولتين دعوة إلى الحزب الشيوعيّ الصينيّ كي يحلّ "مشكلة" الخلافة السياسيّة حرصاً على مستقبل العالم لكن أيضاً على مستقبله الخاص.

 

حين أطلق دينغ تحذيره، كان حجم الناتج المحلي الإجمالي في الصين يساوي حوالي 2% من الناتج العالميّ. في 2020، تضاعف هذا الرقم بحوالي 9 مرّات بحيث أصبح يساوي تقريباً خُمس الناتج العالميّ الإجمالي مع 18.56%. وفي 1995، كانت الصادرات والواردات الصينية تمثّل 3% من التجارة العالمية وقفزت في 2018 إلى 12.4% من التجارة العالمية. بذلك، ينعكس أدنى اهتزاز للاستقرار السياسيّ في الصين على الاستقرار الاقتصاديّ العالميّ. وسيكون صعباً على الولايات المتحدة التي تشكّل أكبر سوق استهلاكيّة للصين أن تفتّش عن مصدّرين آخرين لقسم من سلعها.

شبّه نابوليون بونابارت الصين بالعملاق النائم محذّراً من أنّه "إذا استيقظ هزّ العالم". يمكن توقّع النتيجة نفسها "إذا مرض" أيضاً.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم