انشقاق القضاء... كرَّسَ الدولة الفاشِلة!

ريـمون شاكر*


لا يكفي إنشاء الدولة وقيامها وجود شعب يسكن على أرضها، وإنـما يـجب أن يكون هناك رأس لـهذه الدولة يسهَر على احتـرام دستورها، وحكومة تـمثِّل الشعب قادرة على بسط سلطتها وسيادتـها على أرضها وتُـلـزِم الـمواطنـيـن باحتـرام قوانـيـنـها والـخضوع لسلطتها...

لا تفشَل الدول بسبب مؤامرات خارجية، بل لأسباب نابِعة من داخِلها.. فـي عدم قدرتـها على الدفاع عن حدودها وضبطها، وبسط سلطتها وسيادتـها على كامل أراضيها... فـي غياب الـمواطَـنَة والانـتماء للعشيـرة والطائفة والـمذهب... فـي غياب القضاء والتطبـيق العادل للقانون... فـي انـتشار الفساد السياسي والإداري والقضائي... في تردّي حالة البـنـيـة التحتية وعدم قدرة الدولة على تأميـن الـخدمات الصحية والتعلـيـمية والـحياتية الـملائمة لـمعيشة مواطـنـيـها اليومية...

وعلى رغم تعدُّد التعاريف الـمستخدَمة للدولة الفاشِلة، فيا للأسف، كل الـمعايـيـر تـنطبِق على دولـتـنا، وأهـمّها: الانقسام الـمجـتمعي وحدّة الصراعات السياسية والطائفية، خضوع الدولة لسلطة أقوى منها (ميليشيا "حزب الله").. وعدم إمكانية تداول السلطة بالطرق الديـموقراطية الصحيحة، بل بالرضوخ لسلطة الأمر الواقع ولسطوة السلاح بعدَ فَرض التعطيل والفراغ...
يـجب أن نعتـرف بأنّ "منظومة الـمُمانَعة" نـجحَت فـي إعادة لبنان إلـى زمن الفتـنة من باب القضاء، واستطاعت تطويع القضاء وتدجيـن بعض قُضاتِه، ونـجحَت بدهائـها في أن تشقّ الـجسم القضائي ومـجلس القضاء الأعلى وأن تدفن التـحقيق فـي انفجار الـمرفأ، وتفـجّر قصر العدل وتدقّ مسـماراً آخر فـي نعش الدولة الـمنهارة، كما نـجحَت فـي تـحويل لبنان دولة فاشِلة بكل الـمعايـيـر الدولية. فانـهيار القضاء يستكمل حلقات الانـهيار السياسي والاقتصادي والـمعيشي والتعليـمي والصحّي فضلاً عن الانـهيار الـمالـي والنقدي.

معه حقّ ابن خلدون فـي قوله: "فساد القضاء يُفضي إلـى نـهاية الدولة"... ولا تزال مقولة ونستون تشرشل الشهيـرة، فـي عِـزّ الـمعارك وذروة الدمار، تُدوّي فـي أرجاء الكون وتـهزّ الضمائر: "بريطانـيا بـخيـر ما دام القضاء بـخيـر"....

لا يا سادة، لا شيء عندنا بـخيـر، "هَيك البلد مِش زابِط ولا رح يـزبط"، الدويلة أكلت الدولة، والفساد أكلَ "الأخضر واليابس"، والـمجرمون والفاسِدون والـحرامية أكلوا الـمال العام وودائع الناس وها هُم يسرحون ويـمرحون ويعيشون أحلى أيامهم... لا القضاء ولا القُضاة بـخيـر، ولا لبنان ولا اللبنانـيـون بـخيـر، فمعظمهم يعيش من "قلّة الـموت"، ويـنـتـظرون الفرج من ربّ السماوات ومن بعض الدول التـي لا تـزال تـهتـمّ بلبنان وبعض القادة والنواب اللبنانيـيـن الشرفاء والشجعان...

ندعو جـميع الأفرقاء والقوى السياسية الـمـتـناحِرة، وبعدما فشِلوا فـي بناء الدولة القادرة والعادلة، وبعد فشَل الـحوارات الداخلية، إلـى مؤتـمر دولـي ترعاه الأمم الـمتحدة، لإيـجاد الـحلول لـمشاكل لبنان العميقة والـمستعصية، التـي لـم تفارقه منذ نصف قرن، ولإعادته إلـى خريطة العالـم الـمتمدِّن والـحضاري.

سألَ صحافي الـجنرال الديكتاتور فرانكو:

ما الديكتاتورية؟

فأجابه: أن تـجعل الـمفكِّرين والـمثقَّـفيـن يصمتون..!

لا تصمتوا ولا تيأسوا ولا تـفقدوا الأمل... ثوروا على الظلم والتسلُّط وانـتفِضوا واخلعوا رداء الطائفية، ليـبقى الوطن.


*باحث وكاتب سياسي