الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

أين الروم (2)؟

المصدر: "النهار"
Bookmark
تعبيرية (حسن عسل).
تعبيرية (حسن عسل).
A+ A-
البروفسور نجيب جهشان*في مقالةٍ سابقةٍ نُشرَت في جريدة النهار الغرّاء، استنتجنا أنَّ كلَّ محاولةٍ لتهميشِ الروم في الحياةِ السياسية اللبنانية ليست انتقاصاً من طائفةٍ أصيلةٍ تعودُ في جذورِها الى العصرِ المسيحيّ الأول وحسبْ، بل في الحقيقة هي خسارةٌ فعليّة للوطن تلحقُ بالجميع، لأنّها استبعادٌ لجماعةٍ تختزنُ تراثاً وتجربةً وحكمةً يحتاجُ لبنانُ إليها اليوم وغداً وفي كلِّ حين. فطائفةُ الروم، بجناحَيها الأرثوذكسي والكاثوليكي، تمثِّلُ تجربةً وجوديةً فريدةً منذ أربعةَ عشر قرناً، وأدّت دوراً متقدّماً في تعزيزِ السلم الأهليّ والتعايش والرقيّ في لبنان والمشرق.بعد أنْ دخلَ المسلمون العربُ بلادَ المشرق في مطلع القرن السابع، تأقلمَ السكّانُ الروم المتجذرون في أرضِ فينيقيا مع الوضعِ الجديد وتعايشوا مع الحكامِ الجدُد، وشاركوا في الحياةِ العامة، ولم يذكر التاريخُ أنهم أخلّوا بالولاءِ للسلطةِ الحاكمة أو عملوا لأجلِ مصالحِهم الفئوية والخاصّة. وخيرُ مثلٍ على هذا النمطِ السلاميّ الذي اتبَّعه رومُ المشرق مشاركتُهم الفاعلة والإيجابية في آلية الحكمِ الأموية التي بقيَت ناطقةً باللغة اليونانية لعدةِ عقودٍ، ومساهمتُهم في العملِ الحكومي الإداري. ومن هذه المساهمات، نذكر سرجون بن منصور الدمشقي وابنَه القدّيس يوحنا الدمشقي اللذَين تألقا في البلاطِ الأموي وقدَّما خدماتٍ جلّى للدولةِ الإسلامية الحديثة العهد، دون أن يتخلّيا البتّة عن إيمانِهما وعقيدتِهما، ودون أن تنقطعَ علاقتُهما الدينية والثقافية بإخوةٍ لهم في المسكونةِ المسيحية.وفي العصور الإسلامية اللاحقة، وبالرغمِ من التضييقِ والترهيبِ اللذَين طالا المسيحيين في فتراتٍ متعاقبةٍ، لم يقصّر الرومُ المشرقيون في الحياةِ العامّة كلما سنحت لهم الظروفُ بذلك. ولقد ساهموا مساهماتٍ كبيرةً، إلى جانب الأطرافِ المسيحية الأخرى داخل دولةِ الخلافةِ الإسلامية، في ترجمةِ المؤلفات الإغريقية من فلسفيةٍ وطبّيةٍ وعلميةٍ الى اللغةِ العربيةِ، بانين للحضارةِ العربيةِ وللتراثِ الإنساني مدماكاً صلباً ومستديماً. ولما دخلَ العثمانيون بلادَنا، كانت ملَّةُ الروم أحد المكوّنات الأساسية في بناءِ الدولة العثمانية، وكان أبناءُ هذه الطائفةِ روّاداً في التجارةِ والأعمال والإدارةِ، وساهموا، الى جانبِ إخوتِهم في المواطَنةِ العثمانية، في...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم