السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

مناقشة أولية لمشاريع الفدرالية المقترحة

المصدر: النهار
Bookmark
مناقشة أولية لمشاريع الفدرالية المقترحة
مناقشة أولية لمشاريع الفدرالية المقترحة
A+ A-
محمّد شـيّا                         يتوجب أولاً القول أن لا مشاريع نهائية مطروحة للفدرالية في لبنان، بل أفكار ومسودات عدّة، أعلنت بطرق مختلفة، وعليه فسأتناول أفكار بعضها فقط.من السهل، بل المفهوم، أن يندفع المرء اليوم إلى تبنّي خيار الفدرالية شكلاً للإنتظام الدستوري والسياسي للبنان. فصورة لبنان الحالية مختلفة تماماً عن صورة لبنان الكبير كما تخيّلها الأباء المؤسسون سنة 1920، وربما قبل ذلك أيضاً. فقد حلم أولئك بلبنان رسالة تنوع ديني بأفق حضاري إنساني، في وسعها أن تكون نموذجاً لبلدان أخرى في الشرق بعيداً عن الأصوليات الدينية ونزعات التطرف الطائفي والتعصب المذهبي، في وطن حقيقي نظّر له ميشال شيحا ويوسف السودا وآخرون.   لكن لبنان منذ فترة، وخصوصاً الآن، ليس رسالة تنوع ثقافي وديني، بل عنوان لفشل الدولة، وربما الأصح: فشل النظامين العربي والدولي، ويدفع لبنان ثمن ذلك.لبنان منذ اتفاقية القاهرة سنة 1969، إلى اليوم، مع الأسف، هو غير لبنان التأسيس والمؤسسين. فحين قبلت السلطة في لبنان يومذاك التخلي عن مسؤوليتها على جزء من أرضها الوطنية، إنما كانت تفتتح تدريجاً سلسلة طويلة من حالات التخلي عن مسؤولياتها في كل باب تقريباً، وآخرها التخلي منذ 1990 عن مسؤولية قرار الحرب والسلم، وتسليمه – قسراً مرة ونفاقاً مرة أخرى – لجهة إقليمية أولاً ثم لجهة أهلية محلية مرة ثانية، غير مدركة ، أو ربما مدركة، أن مآل ذلك تدمير وجود الدولة وهيبتها وإمكانية قيامها بوظائفها، وصولاً إلى الفوضى واحتمال تدمير وحدة الوطن بالذات، من خلال جعلها مجرد ورقة في سوق المفاوضات والصفقات الإقليمية والدولية. Iمن باب الإنصاف القول إذاً، أن خلف طلب الفدرالية في لبنان اليوم، (ودعاته مسيحيون في معظمهم) عامل رئيسي، معلن أو غير معلن، وهو: حماية الخصوصيات والتوازنات الدينية والثقافية التي باتت مهددة من (أ) الأكثريات الطائفية والمذهبية الجديدة في لبنان، و(ب)، مناخ التخلف والتعصب والتشدد والرجعية الذي يغلب على صورة "الآخر" منذ فترة، كما لو أن الصهيونية قد نجحت حقاً في جرّنا إلى موقعها الأصولي، المتعصّب، والخطِر.   لكن، وبالرغم من مشروعية المخاوف تلك، إلا أنها إنما تستند  في الحقيقة إلى وقائع مؤقتة في الأغلب، فرضتها ظروف إقليمية قسراً على اللبنانيين جميعاً، والمؤقت، كما يقول علماء القانون، لا يصلح قاعدة للتشريع.  أمر ثان متصل بالأول شديد الاتصال وأشد خطورة. إذ أن الدعوة إلى الفدرالية منذ بضعة عقود وإلى يومنا هذا لا تنطلق من مقدمات إصلاحية، عقلانية، حضارية، إنسانية ومواطنية جامعة، محورها الإنسان كغاية مطلقة، وتعزيز روح المواطنة وحقوق الإنسان للبنانيين، أفراداً وأقليات، والإسهام أخيراً على أفضل صورة في قيام لبنان المستقبل، ليعمّ ازدهاره كل اللبنانيين (لا فئة واحدة منهم)، وكل المناطق (وليس منطقة دون سواها). الفدرالية تبدو اليوم، أقرب إلى ردّ فعل، إنفعالي، منها إلى المقترح العقلاني الذي يمكن الدفاع عنه.  إلا أن أخطر ما في دعوات الفدرلة السائدة الآن، هو أن منطلقاتها "طائفية" حصراً، باعتراف أصحابها، وبالبنط العريض. هذه "الخطيئة" تذهب برأيي بكل مبررات الفدرالية التي يجهد أصحابها في التبشير بها. أولى مخاطر الدعوات الفدرالية - الطائفية هي أنها تنزلق بسرعة إلى دعوات تقسيمية، تحديداً. لا شيء يحول دون ذلك، وبخاصة تحت إمعان "الآخر" في انتهاك التوازنات التي قام...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم