الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

عشـية زيارة البطاركة إلى الفاتيكان عن وثيقة "في عصرنا" Nostra Aetate والرسالة الإجتماعية للبابا فرنسيس "فـي الأخوة والصداقة الإجتماعية" Fratelli Tutti

المصدر: النهار
عشـية زيارة البطاركة إلى الفاتيكان عن وثيقة "في عصرنا" Nostra Aetate
عشـية زيارة البطاركة إلى الفاتيكان عن وثيقة "في عصرنا" Nostra Aetate
A+ A-
القاضي عباس الحلبي 


البطاركة مدعوون للقاء البابا فرنسيس للبحث في المسألة اللبنانية، وقد كنا من المطالبين أن تشمل الدعوة الكريمة سائر الطوائف اللبنانية عملاً بالقاعدة التي أرساها القديس الراحل البابا يوحنا بولس الثاني يوم دعا إلى عقد السينودس من أجلِ لبنان بتوجيهه دعوة خاصة إلى الطوائف الإسلامية والموحدين الدروز لأن المسألة اللبنانية تبحث بحضور جميع الطوائف ولا يمكن حصرها بالمسيحيين وحدهم أو بالمسلمين والموحدين الدروز وحدهم. 
 
إنَّ وثائق الفاتيكان لا شك تشكّل قاعدة لِمَن لا يعرف عن تفكير البابوات المتعاقبين إن فيما خصّ المسألة اللبنانية أو فيما يتصل بالعلاقات بين المسيحيين والآخر المختلف. مِن هنا أهمية إلقاء الضوء على وثيقتين مرجعيتين هما "في عصرنا" Nostra Aetate وحول الرسالة الإجتماعية للبابا فرنسيس "في الأخوة والصداقة الإجتماعية"  Fratelli Tutti .
 
أحاول في هذه المقالة أن أعرِّف عن وثائقَ فاتيكانيّة حواريّة على قاعدة إعجابي بنشاط الكرسيّ الرسولي ومبانيهِ وما يَحويهِ من إرثٍ روحيٍّ وفكريٍّ وتاريخيّ وتحية للعلاقة الطويلة التي ربطتني بالفاتيكان، وقد كُنتُ من الأوائل الذينَ شدَّدوا في حضرة قداسة البابا يوحنّا بولس الثّاني خلال انعقاد جلسات السّينودوس من أجل لبنان سنة 1995، على ضرورةِ ترميمِ العلاقات بينَ المسيحيين والموحّدين الدّروز في الجبل بهدف استعادة الحياة المشتركة التي طبعت هاتين الجماعتَين، والتي زعزعتها سنوات الحرب في لبنان ونفخ فيه بعض الموتورين في زمن المصالحة. 
 
¶ في القسم الأوّل سأعرض وثيقة "في عصرنا" الصّادرة عن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثّاني، مُفَصِّلاً سياقَ إعلانِها، ومضمونِها، وتأثيرِها على واقع ومستقبلِ العلاقات الإسلاميّة - المسيحيّة، بالإضافةِ إلى أبعادِها وآفاقِها الحواريّة.
 
¶ وفي القسم الثّاني عن رسالة "في الأُخوّة والصّداقة الاجتماعيّة" لقداسة البابا فرنسيس مُرَكِّزًا أيضًا على مضمونِها وعلى ما تَحويِهِ من فوائدَ إنسانيّة وحواريّة.
أوّلاً: حول وثيقة "في عصرنا" (Nostra Aetate)
 
تَندَرِجُ هذه الوثيقة ضمنَ سلسلةِ وثائق المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني الذي عُقِدَ بين السنوات 1962 و1965، بهدفِ بثِّ روح التّجديد في الكنيسة، وتقييم مسيرتها لتتوافق مع أحوال العصر. وتبرزُ أهميّة البيان المجمعيّ المعنوَن بـ (Nostra Aetate) أي "في عصرِنا"، بحديثِه عن علاقة الكنيسة بالأديان غير المسيحيّة، وبِقَول الكنيسة الكاثوليكيّة للمرّة الأولى، كلمتها، بخصوص مسألة التعدديّة الدينيّة ومصير الأديان الأُخرى في تدبير الخلاص، كما إبدائها كامل الاحترام والتقدير للدّين الإسلاميّ وللمسلمين عمومًا والاعتراف بوضعهم الدينيّ المميّز.
 
يُقَسَّمُ البيان المجمعي المذكور إلى خمسِ فقرات. في الفقرة الأولى التي هي بمثابة توطئة، تُشَدِّد الكنيسة على مهمّتها الرّامية إلى تعزيز الوحدة والمحبّة بين الشّعوب، خصوصًا في هذا العصر الذي تزدادُ فيهِ علاقاتُ الشّعوب بعضِها ببعض. فبالنِّسبَةِ إليها، يؤلِّفُ جميع الناس أُسرَةً واحدة لكونِهِم من أصلٍ واحد، ولَهُم جميعًا غايةٌ قصوى واحدة، وهيَ الله الذي يَبسُطُ على الجميع كنفَ عنايَتِهِ وآياتِ لُطفِهِ ومقاصِدَه الخلاصيّة. وفي الفقرة الثانية، تُجاهِرُ الكنيسة الكاثوليكيّة بأنّها لا ترذُلُ شيئًا ممّا هوَ حقّ ومقدَّس في الدّيانات الأُخرى، وتدعو أبناءَها المسيحيين للاعتراف بالقيم الروحيّة والأدبيّة والاجتماعيّة والثقافيّة الموجودة عند أتباع الديانات الأُخرى، مع محافظتهم على الشهادة للإيمان وللحياة المسيحيّة. 
 
وفي الفقرة الثّالثة تُبرِزُ الكنيسة الصّفات المشتركة بين المسيحيّين والمسلمين وتُحَدِّدُ مواطن التقارب بينهما،  كالحديث عن الإيمان بالله الواحد، الحيّ، الخالق الذي كلّم البشر، وعن يوم الدين الذي يُجازي الله فيه جميع النّاس بعدما يُبعثون أحياء، وعن الحياة الأخلاقيّة الكامنة في هاتين الديانتين، وعن اعتراف المسلمين بالسيد المسيح كنبي من أنبياء الله، وتكريمهم لأُمِّهِ مريم العذراء بالكثير من التبجيل والاحترام والتقوى؛ كما تدعو الكنيسة بلسان المجمع، المسلمين والمسيحيين، حتى ينسوا العداوات والنِّزاعات الماضية، ويعملوا معًا في سبيل التفاهم في ما بينهم، وفي توطيد قيم الأخوّة والعدالة والسلام والحرية .
 
أمّا الفقرة الرّابعة فَخُصِّصَت للحديث عن علاقة الكنيسة بالدّين اليهودي، في حين أنَّ الفقرة الخامسة دعت المسيحيين ليسيروا سيرةً حسنة ويعيشوا بسلامٍ مع جميع الناس، ساعينَ لتحقيق الأخوّة الشاملة تجاه الناس المخلوقة على صورة الله، شاجبينَ مع الكنيسة كل تفرقة أو جور يلحق بالبشر بسبب عرقهم أو لونهم أو بسبب وضعهم ودياناتهم. والجدير ذكره، أنَّ الكنيسة، وإِنْ لم تتكلّم في نصوصها المجمعيّة عن الإسلام بل عن المسلمين، قد أَفرَدَت أيضًا مقامًا آخر لذكرهم في دستورها العقائديّ المعنوَن بـ "نور الأُمَم" أو (Lumen Gentium) ، معتبرَةً في الفقرة 16 أنَّ الذينَ لم يتلقّوا الإنجيل هم أيضًا "شعب الله" (Peuple de Dieu) و"أنَّ تدبير الخلاص يشمل أيضًا أولئكَ الذينَ يؤمنون بالخالق، وأوّلهم المسلمون الذينَ يُعلِنون أنّهم على إيمانِ ابراهيم، ويعبدونَ معنا الله الواحد، الرحمان الرحيم، الذي يَدينُ الناس في اليوم الآخِر".
 
وبالتالي يكون التصريح المذكور للمجمع المسكوني الفاتيكاني الثّاني، قد فتحَ كوّةً صغيرةً في في الجدار الفاصل بين الكنيسة الكاثوليكيّة وسائر الديانات، وتحديدًا بين الديانتين المسيحيّة والإسلاميّة، خصوصًا وأنّه يتحدَّث عن الإسلام من حيث انتماؤه إلى التّراث الدينيّ اليهوديّ المسيحيّ المشترك، ويعتبر أنَّ الكنيسة الكاثوليكيّة ليست الطّريق الوحيد الفريد لخلاص الجنس البشريّ، إذ ثمّة طُرُق دينيّة أخرى يستخدمها الله لتحقيق خلاص غير المسيحيين؛ وهذه الطّرق بحسب الكنيسة، يعرفها الله وحده، ولا ضير إنْ بقيَ البشر بمنأى عن معرفتها.
 
أمّا ثمار الـ (Nostra Aetate) أو "في عصرنا"، فقد تجسّدت بوفرة الدعوات إلى الحوار التي أخذت تكتَسِبُ زخمًا جديدًا منذ ستينيّات القرن المنصرم كاللقاءات والمؤتمرات التي نظّمتها الجامعات ومراكز الحوار، أو كالزِّيارات الرسميّة والمجامع الدينيّة والجمعيّات والهيئات الخاصّة، أو كالمبادرات الفرديّة، مثل زيارات ومحاضرات الأمير الحسن بن طلال، والأمير تشارلز، ورسائل البابا يوحنّا بولس الثّاني وزياراته لدولٍ إسلاميّة. (واسمحوا لي هنا أَن أُحيي هذه القامة الحواريّة الكبيرة المشبَّعَة من تعاليم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثّاني وتحديدًا من الـ (Nostra Aetate)، قداسة البابا يوحنّا بولس الثّاني الذي حفظت الطائفة الدرزية له دعوتها لانتداب مراقب على أعمال السينودس من أجل لبنان الذي عقد سنة 1995 وحرصه على مخاطبته لهم مباشرة في الإرشاد الرسولي الصادر عند اختتام هذا السينودس في أثناءِ زيارته التاريخية إلى لبنان في أيار 1995؛ فالدروز، وإن كانوا طائفةً إسلامية، إلا أن البابا الراحل فَهِمَ خصوصيتهم ودورهم الكبير في تكوين الكيان اللبناني الذي نشأ بحسب المؤرِّخ كمال الصّليبي، نتيجةَ التقاء المسيرة التاريخيّة المارونيّة بالمسيرة التاريخيّة الدرزيّة في القرن السّابع عشر).
بالرُّغم من الموجات المتتالية التي أثارها ويُثيرها البيان المجمعي المذكور منذ صدورِهِ وحتى يومنا والمتمحورة بأكثرها بين الإيجابيّة والمتفهمة، يبقى هوَ القاعدة المتينة والمنطلق الأساس للعلاقات بين الأديان وخصوصًا للحوار الإسلامي - المسيحي. فلا يُمكن أن ننكر، أنَّ المجمع الفاتيكاني الثّاني وبعد أكثرَ من خمسين سنة ًعلى انعقاده، قَدَّمَ للكنيسة الكاثوليكيّة، لا بل للأديانِ كلّها نظرةً جديدةً ومنهجًا في التعاطي مع الآخر وفي رسم العلاقات الحواريّة، فاتحًا الباب أمام مسيرةٍ صبورةٍ طويلة؛ وإِنْ كانت هذه المسيرة اليوم، وبحسب اعتقادي، بحاجةٍ إلى منهاجٍ جديد لإكمالها.
 
نعم! قلنا إِنَّ وثائق المجمع الفاتيكاني قد فتحت الطريق، ولكنها لم تحلَّ كل المشاكل مع الإسلام والمسلمين، لتبدُّل ظروف الزمان والمكان. فالإسلام سنة 1965 ليس هو نفسه إسلام اليوم. حينها، كان الاعتدال سمة بارزة بين المسلمين، ولم تكن أوروبا بعد مجتاحة من الوافدين المسلمين بالثقافات المختلفة تبعاً لبلدانهم، ولم يكن شعور الإسلاموفوبيا (الرّهاب) ولد بعد في أوروبا والعالم، ولم تحدث أحداث أيلول 2001 التي غيّرت جذرياً النظرة إلى الإسلام والمسلمين، ولم تكن بعد الحركات الإسلامية قد ظهرت وأخذت المدى الذي أخذته لاحقاً، ولم يكن بعد المسيحيون يشعرون بالاضطهاد، ولم تكن تتعرض كنائسهم إلى الحرق والتدمير وقد كان الوجود المسيحي في الشرق حاضراً بفعالية... فكل شيءٍ تَغَيَّر مع عبور الزّمن، وبتنا بحاجةٍ إلى سُبُلٍ جديدة وآمنة لمتابعة المسيرة الحوارية التي شقّها المجمع الفاتيكاني الثاني.
 
وبالتالي علينا تكثيف اللقاءات والبيانات والوثائق المعاصرة التي تُحاكي واقع مجتمعاتنا المعاصرة، وتضع الإصبع على الجرح، وتُفيدُ عالمنا النّازف وإنسانيّتنا القلقة، تمامًا كجهودِ قداسة البابا فرنسيس أو فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيِّب شيخ الأزهر اللذان وقّعا منذ سنتين ونيِّف على وثيقة "الأُخوّة الإنسانيّة" في دولة الإمارات العربيّة المتحدة، أو ككتابة البابا فرنسيس مؤخّرًا لرسالته العامّة "في الأُخوّة والصّداقة الاجتماعيّة" (Fratelli Tutti) التي تُعتَبَر خلاصة الفكر الإنسانيّ التائق إلى مجتمعٍ فاضل وحياةٍ أفضل.
 
ثانيًا: حول الرِّسالة الاجتماعيّة للبابا فرنسيس "في الأُخوّة والصّداقة الاجتماعيّة" (Fratelli Tutti)
تَختَزِلُ هذه الرِّسالة الطّويلة في سطورها التعليم الاجتماعي للبابا فرنسيس منذ بدء حبريته حتى الفترة الأخيرة منها، وأهدافَها وآفاقها مذكورة في المقدمة وفي الخاتمة حيثُ يُعَبِّر قداسته عن حاجة عالمنا الآنيّ إلى ولادةٍ مميّزة، وهذه الولادة لن تكتمل إلاَّ بأُسلوب حياةٍ جديدة قائمة على العدالة والانفتاح وعلى الأُخوّة العالميّة التي تسمح بأن نعترف بكلّ شخص ونقدّره ونحبّه متخطّين حتى القرب الجسدي، أو مكان الميلادِ أو الإقامة، متضامنين مع الضعفاء ومندِّدين بالنّزعة الفرديّة في المجتمعات. 
 
وقد اقتَبَس قداسته، فكرة الأُخوّة العالميّة، بحسب ما كتبَ في الرِّسالة، من أشخاصٍ كُثر بعضهم ينتمي إلى الكنيسة الكاثوليكيّة وبعضهم لا ينتمي إليها، كمارتن لوثر كينغ، والمهاتما غاندي، وشارل دي فوكو، وتحديدًا القدّيس فرنسيس الأسّيزي الذي تميّز بعيشه روحانيّة الأُخوّة وبسعيه الدؤوب في نشر المحبّة والسلام، خصوصًا غداة توجّهِهِ إلى مصر ومقابلته السّلطان الملك الكامل في ظلِّ الحملات الصليبيّة إلى الشّرق، وذلك بغية الالتقاء بالآخر المختلف عرقيًّا أو إثنيًّا أو دينيًّا، والدعوة إلى تجنّب جميع أشكال العدوان أو الفتنة، والعيش بمقتضيات جوهر الأخوّة والسلام. أمّا من شَجَّع البابا لكتابة هذه الرسالة فهو شخص الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الذي التقي به في أبو ظبي خلال توقيع وثيقة الأُخوّة الإنسانيّة سنة 2019، وما حمل هذا اللقاء من معانٍ وهذه الوثيقة من أبعادٍ لاسيّما في تذكيرها للعالم أنّ الله "خَلَقَ البَشَرَ جميعًا مُتَساوِين في الحُقُوقِ والواجباتِ والكَرامةِ، ودَعاهُم للعَيْشِ كإخوةٍ فيما بَيْنَهم". 
 
تُقَسَّمُ الرِّسالة إلى ثمانية فصول بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة وصلاة للخالق وصلاة مسكونيّة مسيحيّة. في الفصل الأوّل بعنوان "ظلالُ عالَمٍ مُغلَق" تركيز على العديد من تشوهات الزّمن المعاصر كالتلاعُب ببعض المفاهيم وتشويهها مثل الديمقراطية والحرية والعدالة، واستشراء الأنانية وعدم الاهتمام بالخير العام، والإتجار بالبشر.... في الفصل الثّاني "غريب على الطريق"، دعوة من قداسته للتقارُب من بعضنا البعض ولتخطّي الأحكام المسبقة والمصالح الشخصية وللتعاون اجتماعيًّا بهدف التخفيف من وجع المتألّمين والمرضى والمهمّشين والضّعفاء. وفي الفصل الثالث بعنوان "التفكير في عالم منفتح وخلقه"، دعوة من قداسته للخروج من الذّات والانفتاح على القريب وفقًا لديناميكيّة المحبة التي تجعلنا نميل إلى "الشركة العالمية".
 
أمّا الفصل الرّابع "قلب منفتح على العالَم بأسرِهِ" فهوَ مخصَّص لموضوع الهجرة وللعناية بالمهاجرين في "حياتهم الممزّقة"، والفصل الخامس المعنوَن بـ "السياسة الأفضل"، فهوَ مُخَصَّص لأهمية العمل السياسيّ ودوره في خدمة الخير العام وحماية كرامة الإنسان وحقوقه. في حين أنَّ الفصول المتبقيّة تُرَكِّز على "فن اللقاء" مع الآخر وما يتبعه من مصالحة ومدّ جسورٍ، وعلى رفض الحروب والتقاتل والعنف، وعلى دور الدّيانات في خدمة روح الأُخوّة في العالم. وفي ختامِ الرِّسالة، يستشهد قداسته بـ "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" كحَجَر زاويةٍ للحوار بين الأديان، حيثُ باسم الأُخوّة الإنسانيّة، يَتِمُّ تَبنِّي الحوار كسبيل، والتعاون المشترك كسلوك، والمعرفة المتبادلة كأسلوبٍ ومعيار.
 
صحيحٌ أنَّ بين الـ (Nostra Aetate) وبينَ الـ (Fratelli Tutti) أكثرَ من خمسين سنة، لكنّ المتابع لمضمونهما يَلْحَظُ تكامُلاً وانسجامًا. فالأولى رأت حاجة العالم آنذاك، ودعَت إلى الحوار الديني وأطلقته لاسيّما بين المسلمين والمسيحيين، أمّا الثانية فأدرَكَت واقِعَ البشريّة المعاصر وما فيه من جنوحٍ إلى النّزعة الفرديّة وإلى الأنانيّة والإلحاد، فاقتَبَسَت من الدّيانات لاسيّما المسيحيّة والاسلاميّة أسمى القيم والأخلاق الإيمانيّة والإنسانيّة، وجعلتها شعارًا وحاجةً لخلقِ عالَمِ أفضل تسودُهُ روحُ الأُخوّة. وبالتالي وجب علينا كطُلاّبِ حوارٍ ودُعاتِه، ألاَّ نُهمِلَ مثل هذه الوثائق أو الرّسائل أو البيانات، بل أن نعودَ إليها ونسبرَ عُمقَ كلماتها ونَغرُفَ من معانيها وننقلها لجيلنا المعاصر ولجيل الغد كمادةٍ تعليميّة تربويّة تثقيفيّة رصينة تبني الإنسان وتُهذِّبه، كما علَّمَ كمال جنبلاط قائلاً بأنَّ "الإنسان الحقيقي ليسَ لهُ وطن، بل هوَ أخ الإنسان أينما كان".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم